الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ألكسندر عون يكتب: محمود درويش أيقونة الشعر الفلسطينى.. شاعر الحياة.. والحرية وقصائده متعددة الأبعاد عابرة للحدود

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

محمود درويش هو صوت ومرآة فلسطين المعاصرة. بين المنفى وأمل العودة، يروى لنا درويش قصته، حكاية خاصة وعامة ولكن قبل كل شيء قصة أرضه الحبيبة وبأسلوب ملتزم وإيقاعى، نرى أنه قد خلق من جديد الشعر والموسيقى العربية؛ فهو شاعر سياسى عند البعض أو مفكر «إرهابى» لدى البعض الآخر المُعادى حيث يتم تبجيله وتقديسه بقدر ما يتم انتقاده!
باعتباره صوتًا لشعر المقاومة، كرس محمود درويش حياته وعمله لإعطاء معنى لفلسطين؛ فهو يحاول أن يجد الجمال فى الظلام من خلال إزالة الغموض عن الصورة المنسوبة للشعب الفلسطينى. ومع ذلك وبعيدا عن إرادته، فإنه يحبس نفسه فى صورة الشاعر المقاوم والملتزم.. إنه محبوب فى العالم العربى ويتم الاستماع إلى قصائده بأسلوبها الاستعارى الفريد ويتم غناؤها ودراستها.
فلسطينى عادى
ولد محمود درويش عام ١٩٤١ فى البروة بالجليل وهو من عائلة من ملاك الأراضى. فى ذلك الوقت، كانت فلسطين لا تزال تحت الانتداب البريطانى.. وبمجرد قيام دولة إسرائيل فى عام ١٩٤٨، هربت عائلته إلى لبنان وعاشت هناك لمدة عام واحد فقط قبل أن تعود سرًا إلى فلسطين. وتُعرف هذه الفترة التى أدت إلى النزوح الجماعى، باسم «عام النكبة». وبالفعل، هاجرت عدة آلاف من العائلات الفلسطينية إلى لبنان والأردن وسوريا ومصر بعد هزيمة العرب عام ١٩٤٨. وبعد إبادة قرية البروة، استقرت عائلة درويش فى دير الأسد خوفا من نفى ثان تفرضه عليها السلطات الإسرائيلية. وأكمل الشاب محمود دراسته الثانوية فى كفر ياسيف قبل أن يتوجه إلى حيفا. وقد أكسبه حبه للأدب والكتابة فرصة العمل كمحرر فى العديد من الصحف المحلية (الاتحاد أو الجديد).
وفى مواجهة التجاوزات والظلم، قرر محمود درويش الانضمام إلى الحزب الشيوعى الإسرائيلى (راكاح) عام ١٩٦١. وقد أحرجت مقالاته وقصائده الملتزمة والقاسية السلطات الإسرائيلية. تم اعتقاله عدة مرات وتم احتجازه بسجن القديس جان داكر. بعد ذلك، وُضع الشاعر الشاب قيد الإقامة الجبرية فى حيفا. وكان دفاعه عن الهوية الثقافية الفلسطينية مقلقا. فأصبح لا يستطيع التحرك بحرية. وفى عام ١٩٧١ حصل محمود درويش على منحة دراسية وتأشيرة طالب وغادر لدراسة الاقتصاد السياسى فى موسكو. وقرر الاستمرار فى نفيه وذهب إلى القاهرة حيث عمل فى صحيفة الأهرام المصرية. وقادته حياة التنقل والترحال كما قاده قلبه إلى بيروت عام ١٩٧٣. وأدار المجلة الشهرية «الشئون الفلسطينية» قبل انضمامه إلى منظمة التحرير الفلسطينية وأصبح قلم ياسر عرفات وبالتوازى مع ذلك، أدار المجلة الأدبية «الكرمل» عام ١٩٨١.
وبسبب القصف الإسرائيلى على بيروت عام ١٩٨٢، اضطر محمود درويش إلى أن ينفى نفسه مرة أخرى وتوجه الشاعر الفلسطينى إلى القاهرة ثم إلى تونس قبل أن يستقر فى باريس حيث تمتع باستقلالية كبيرة وحرية فى العاصمة الفرنسية. وكان عضوًا فى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ولكنه نأى بنفسه عن الحركة بسبب توقيع اتفاقيات أوسلو عام ١٩٩٣. وكان يعتبر أن نتائج الاتفاق غير عادلة للفلسطينيين. وبعد حصوله على تصريح دخول إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، عاد محمود درويش إلى رام الله فى عام ١٩٩٥ حيث شعر بأنه غريب فى بلده. وصل فى نهاية منفاه إلى الولايات المتحدة حيث توفى فى هيوستن عام ٢٠٠٨ بسبب مشاكل فى القلب وجمعت جنازته فى رام الله حشدًا كبيرًا من الشخصيات التى أعلنت الحداد لمدة ثلاثة أيام.. لقد كان أكثر من مجرد شاعر فهو مقدس كالشهيد بفضل الأعمال التى قام بها فى حياته.
شاعر المقاومة
إن حياته تشبه صورة فلسطين. كرس محمود درويش عمله، بكل حب وحزن، لهذه الأمة الخيالية التى تطارد أحلامه وتملى عليه ما يكتبه، فهو يعيش فقط من أجلها. وعندما يتحدث عن حب المرأة فإنه يجسد حبه للوطن الأم. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يستخدم قلمه ضد الظلم والإذلال.. يقول: «عند كل سطر من سطورى التى أكتبها، تتراجع دبابات العدو مترًا واحدًا». وفى الحقيقة، تمثل قصائد محمود درويش الأولى فى الستينيات من القرن الماضى نوعا من التناغم بين الارتباط بالوطن والتعبير عن الشعور بالحب حيث يقوم بتمثيل فلسطين على أنها «الأم الأولى» لجميع الفلسطينيين. إنه يفكر فيها ويصفها ويصورها فى شكل من أشكال الخيال الجماعى ليمنحها دائما الحياة.
كلنا نتذكر خطاب ياسر عرفات أمام الأمم المتحدة عام ١٩٧٤ حين قال: «جئت اليوم حاملًا غصن زيتون وبندقية المناضل. لا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي»، كان هذا بتوقيع محمود درويش. وشيئًا فشيئًا، أصبح هذا الأخير قلم منظمة التحرير الفلسطينية. وخلال القصف الإسرائيلى على بيروت عام ١٩٨٢، كتب «ذكرى النسيان» التى أصبحت عبارة عن مختارات قصصية.


يحمل الشاعر الفلسطينى بداخله جينات المقاومة وفى مواجهة عنف الاحتلال الإسرائيلى، يضع عنف الكلمات وعنف الأدب الملتزم. إن قصيدته «أيها المارون بين الكلمات العابرة»، والتى ظهرت فى خضم الانتفاضة الأولى (١٩٨٧-١٩٩١)، تدين بشدة المجتمع الإسرائيلى بأكمله إلى حد تشبيهه بالإرهاب الفكرى. وفى المقابل، تقوم الصحافة الإسرائيلية بانتقاده وتصف قصيدته على أنها تهديد لوجود الشعب اليهودى. فى ذلك الوقت، حاولت السلطات الإسرائيلية كبح الخطاب الفلسطينى. ويبرر محمود درويش هذه القصيدة قائلًا: «هذا الجدل السخيف لن ينتهى إلا بتوقيع المواطن الفلسطينى على العقد الذى يتخلى به عن كيانه فى نفس الوقت الذى يتخلى فيه عن قضيته».
لكن مع مرور الوقت نرى أن محمود درويش يريد تحرير نفسه من هذه الصورة التى تلتصق به: «لم أسع بأى حال من الأحوال لأن أصبح أو أبقى رمزًا لأى شيء وعلى العكس من ذلك، أود أن أتحرر من هذا العبء الثقيل».
شاعر الحياة والحرية
يتفوق محمود درويش قبل كل شيء فى فن الاستعارة فهو رجل متشبع بهذه الثقافة العربية والشرقية ويسمو شعره بموسيقى الكلمات وأبيات شعره تربط بين الطبيعة والحب والأرض والتقاليد.
وبمجرد تحرره من الدور السياسى، يطلق محمود درويش العنان لموهبته فى كتابة قصيدة للحياة حيث يشيد بالثقافة الشرقية. وتتجاوز قصيدته «سجل أنا عربى» عام ١٩٦٤ إلى ما هو أبعد من المحيط الفلسطينى. إن هذه القصيدة هى إعلان حب للعالم العربى فهو يشيد بثقافة الأرض والأسرة الكبيرة. كما تكتشف الغضب المدفون لرجل محب للعدالة فى مواجهة الإذلالات العديدة كما يصف أيضا محمود درويش فى «نهاية الليل» (١٩٦٧) و«الطيور تموت فى الجليل» (١٩٧٠)، حب الشباب المستحيل بينه وبين ريتا، الشابة اليهودية التى التقى بها فى حفلة فى الحزب الشيوعى الإسرائيلى. هذه الرومانسية ستنتهى قبل الأوان بعد حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧ بقصيدة «ريتا والبندقية» التى يبدأها بقوله «بين ريتا وعيونى.. بندقية».
وقام محمود درويش بنشر الشعر العربى وإضفاء الطابع الديمقراطى عليه؛ ففى الشرق، لدينا هذا الميل للدلالات والفعل والصوت. ونجد أنه يتم تعليم قصائده ويتم تحويلها إلى غناء وحتى يتم تمثيلها فى العديد من المدارس فى الشرق الأوسط خاصة أنه وحده يمثل الثراء الاستثنائى للغة العربية. وفى الواقع، يتنقل الشاعر بلا كلل بين الصور المجمدة لتجربته الخاصة والصور التى يريدها شعب بأكمله كما يشيد بثقافة الحياة وهذا الحب للعلاقات الإنسانية. وتقوم قصائده بتفكيك الفكرة المسبقة التى لدينا عن الشرق.. محمود درويش الذى ولد بدون وطن، لديه اهتمام حقيقى ودائم بالوجود والحرية ويريد أن يكون بطل الشعر متعدد الأبعاد حيث يخاطب محمود درويش الوحدة والملل والقلق والخوف والطبيعة والجمال والسلام والحقيقة.
ولم يرغب محمود درويش فى أن يكون مجرد شاعر عادى يقوم بكتابة قصائده بحرية أكبر إلا أن كونه فلسطينيا جعله يكتب هذا الشعر بهذه الطريقة فهناك شعب بأكمله ومنطقة بأسرها يرغبون فى رؤية كتابات ملتزمة تنتقد إسرائيل. ولا شك أن وصفه بالشاعر الفلسطينى يعد مليئا بالرموز والمسئوليات وكشاعر مجازى فلقد أعاد ابتكار أسلوب وفعل حاد مع تفسيرات متعددة.
معلومات عن الكاتب:
ألكسندر عون، صحفى فرنسى من أصل لبنانى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط.. يكتب عن الشاعر الأيقونة محمود درويش.