الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

القُماش يهزم بنادق إسرائيل.. كيف تحول العلم الفلسطينى من رمز للنضال إلى هدف للاضطهاد فى تل أبيب؟

علم فلسطين
علم فلسطين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يُعد العلم الفلسطينى هو رمز للهوية الوطنية ونضال الفلسطينيين الذين عانوا عقودا من الاحتلال والتهجير والقمع من قبل إسرائيل. 
ومع ذلك، فإن رفع العلم فى إسرائيل كان ولا يزال موضوعا مثيرا للجدل، حيث يعتبره الاحتلال تهديدا لوجوده وشرعيته كدولة يهودية مزعومة، فقد أصدرت إسرائيل قوانين تحظر رفع العلم الفلسطينى فى المناطق التى تحت سيطرتها، وتعاقب من يخالف ذلك بغرامات أو اعتقالات أو إزالة العلم بالقوة، كما تستخدم إسرائيل قواتها الأمنية لإخافة وإذلال المواطنين الفلسطينيين الذين يحملون أو يرفعون أو يزخرون بالعلم.
يرجع أصل العلم الفلسطينى إلى علم الثورة العربية التى اندلعت في ١٩١٦ ضد الحكم العثمانى، والتى كانت تستهدف إقامة دولة عربية مستقلة فى بلاد الشام والجزيرة العربية، وكان هذا العلم مستوحيًا من علم المشاركة، وهو راية سوداء كتب عليها بالخط الكوفي «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، والتى كان يستخدمها المسلمون فى المعارك منذ عصر الخلافة الراشدة.
وقد اختار شريف مكة حسين بن على، زعيم الثورة العربية، أربعة ألوان لتمثيل شعوب المنطقة: «الأسود لأهل مكة، والأبيض لأهل المدينة، والأخضر لأهل الشام، والأحمر لأهل حجاز، وقد تغير ترتيب هذه الألوان فى بعض المناطق حسب التقاليد المحلية».
وفى عام ١٩١٧، استخدم الفلسطينيون هذا العلم فى إشارة للحركة الوطنية الفلسطينية التى نشأت ردا على وعد بلفور، الذى دعم تأسيس وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين، وفى عام ١٩٤٧، فسر حزب البعث العربى، وهو حزب قومى يؤمن بالوحدة بين جميع الدول العربية، هذا العلم كرمز للحرية والوحدة.
علم الانتداب البريطاني
ما بين عامى ١٩٢٠ –١٩٤٨ خلال فترة الحكم البريطانى تم استخدام علم فلسطين على أساس أنه راية مدنية بريطانية، وكان العلم باللون الأحمر تتوسطه دائرة بيضاء مع اسم الولاية «فلسطين» مكتوبة باللغة الإنجليزية ومزركشة بداخل الدائرة، وكان العلم هو الراية التى تستعملها أساسا المؤسسات الحكومية، انتهى استخدامه عندما انتهى عهد الانتداب فى عام ١٩٤٨.
الإقرار والاعتراف
أعاد الفلسطينيون تبنى هذا العلم فى المؤتمر الفلسطينى فى غزة عام ١٩٤٨، بعد قرار تقسيم فلسطين وإقامة دولة إسرائيل وقد اختار المؤتمر أحمد شقير رئيسا للحكومة.
وفى عام ١٩٦٧ حظرت إسرائيل العلم مباشرة بعد حرب الأيام الستة، فى قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، وبعد ثلاثة أعوام أصدر الاحتلال قانونا عام ١٩٨٠ يحظر الأعمال الفنية ذات «الطابع السياسى» المكون من أربعة ألوان، واعتقل عدد من الفلسطينيين لعرضهم مثل هذه الأعمال.
واعترفت جامعة الدول العربية بالعلم كعلم للشعب الفلسطينى، وأعادت منظمة التحرير الفلسطينية «PLO» التأكيد عليه فى المجلس الوطنى الفلسطينى بالقدس عام ١٩٦٤، وفى ١٥ نوفمبر ١٩٨٨، تبنت منظمة التحرير الفلسطينية العلم باسم علم دولة فلسطين التى تم إعلانها من جانب واحد عام ١٩٨٨.
وبقى الوضع كما هو حتى تم رفع الحظر بعد توقيع اتفاقيات أوسلو للسلام فى عام ١٩٩٣، ومع ذلك، لا تزال الشرطة الإسرائيلية تصادر بشكل روتينى الأعلام الفلسطينية.
وفى الميثاق القومى الذى وضعه المجلس الوطنى الفلسطينى فى اجتماعه الأول بتاريخ ٢٨-٥-١٩٦٤، تضمنت المادة «٢٧» تحديد علم وقسم ونشيد لفلسطين، وكانت ألوان العلم على التوالى: أخضر وأبيض وأسود مع مثلث أحمر.
وفي ١-١٢-١٩٦٤، أصدرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير نظامًا ينظم شكل العلم وأبعاده، وتبدل مكان اللونين الأسود والأخضر، والأخضر، وأصبح العلم رمزًا للثورة الفلسطينية التى اندلعت في ١-١ - ١٩٦٥، وفي ١٥ نوفمبر ١٩٨٨، اعتمدت منظمة التحرير الفلسطينية العلم كعلم للدولة الفلسطينية.
ونظرًا لأهمية العلم كرمز سياسى، فقد حظى بالاهتمام والاحترام من أعلى المستويات، وصدر عن رئاسة دولة فلسطين المرسوم رقم ٢٩ لسنة ٢٠٠٥ بتاريخ ٣-١٢-٢٠٠٥، لتحديد أبعاد العلم، والقانون رقم ٢٢ لسنة ٢٠٠٥ بتاريخ ٢٢-١٢-٢٠٠٥ لحرمة العلم الفلسطينى، يُبين ألوانه وشكله، وكيفية احترامه والأماكن التى يرفع فيها، والعقوبات التى توقع على من يخالف أحكامه.
ويُلزم رفع العلم الوطنى على كل المؤسسات الحكومية، سواء داخل فلسطين أو خارجها، بالإضافة إلى المطارات والقواعد العسكرية. ولا يشترط رفعه فى نهار فقط، بل يرفع فى الليل أيضًا.
الرمزية والمعنى
الألوان الأربعة للعلم لها تفسيرات ومعانى مختلفة لمجموعات وأفراد مختلفين، حيث يمثل اللون الأسود الأيام المظلمة للمعاناة تحت الاحتلال والقمع، ويمثل اللون الأبيض السلام والنقاء الذى يسعى إليه الفلسطينيون، فيما يمثل اللون الأخضر أرض فلسطين وخصوبتها وازدهارها، وأخيرًا يمثل اللون الأحمر دماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل القضية.
الصراع مع إسرائيل
ورغم رفع الحظر بعد اتفاق أوسلو لا يزال يشكل العلم الفلسطينى مصدرًا للتوتر والصراع مع إسرائيل، وتعتبر إسرائيل العلم الفلسطينى تهديدًا لوجودها وشرعيتها كدولة يهودية. حاولت إسرائيل قمع أو محو أى علامات تدل على وجود أو هوية فلسطينية فى أراضيها أو المناطق الخاضعة لسيطرتها.
فى عام ٢٠١٥ أيدت المحكمة العليا الإسرائيلية قانونًا يسمح بفرض غرامة أو سجن أى شخص يدعو إلى مقاطعة إسرائيل أو مستوطناتها فى الأراضى المحتلة، وينظر إلى القانون على أنه يستهدف النشطاء الفلسطينيين وأنصارهم الذين يستخدمون العلم كعلامة للتضامن والمقاومة.
وبحسب إحصائيات الشرطة الإسرائيلية المقدمة إلى حركة حرية المعلومات، اعتقلت الشرطة ٩٦ مواطنًا للاشتباه فى قيامهم بالتلويح بالعلم الفلسطينى بين عامى ٢٠١١ و٢٠١٥.
فى مايو ٢٠٢١ اعتقل عبدالله الحاج، فلسطينى يبلغ من العمر ٦١ عاما من أريحا، من قبل الشرطة الإسرائيلية لقيامه برفع العلم الفلسطينى عند مدخل الحى الإسلامى فى البلدة القديمة بالقدس.
وفى إحدى الجامعات الإسرائيلية الكبرى، جامعة بئر السبع التى تحمل اسم أحد مؤسسى دولة إسرائيل، دافيد بن غوريون، وقعت مواجهات بين الطلبة الفلسطينيين والإسرائيليين على خلفية رفع الأول للعلم الفلسطينى فى ذكرى النكبة التى تصادف في ١٥ من مايو من كل عام، وقد أثار هذا الفعل غضب الجانب الإسرائيلى الذى اعتبره استفزازا وتحديا لهوية الدولة.
وانطلقت حملة من التهديد والتحريض والانتقام ضد الطلبة الفلسطينيين من قبل بعض المسئولين والساسة الإسرائيليين، فقد هدد عضو فى الكنيست، المجلس التشريعى الإسرائيلى، بإلحاق نكبة جديدة بالفلسطينيين إذا لم يتوقفوا عن رفع علمهم.
كما اقترح وزير المالية إفيغدور ليبرمان، المعروف بتطرفه وعدائه للعرب، سحب التمويل من الجامعة ومحاسبة إدارتها لأنها سمحت للطلاب بالتعبير عن هويتهم الوطنية.
فى يناير ٢٠٢٣، أمر وزير الأمن القومى الإسرائيلى إيتمار بن غفير الشرطة بمنع الأعلام الفلسطينية من الأماكن العامة فى حملة القمع الأخيرة التى شنتها الحكومة الإسرائيلية المتشددة الجديدة.
وقال بن غفير: إنه أوعز للشرطة بفرض حظر رفع أى علم لمنظمة التحرير الفلسطينية يظهر تماهيا مع منظمة إرهابية من المجال العام ووقف أى تحريض ضد دولة إسرائيل.
وجاء هذا الأمر فى أعقاب سلسلة من الإجراءات العقابية الأخرى ضد الفلسطينيين منذ توليه السلطة أواخر الشهر الماضى.
وصوت البرلمان الإسرائيلى، الكنيست، لصالح مشروع قانون يحظر رفع الأعلام المعادية أو علم السلطة الفلسطينية داخل المؤسسات التى تمولها الدولة. تمت الموافقة على مشروع القانون فى قراءته الأولى فى الكنيست، حيث صوت ٦٣ عضوا لصالحه و ١٦ ضده، ويحتاج إلى ثلاثة أصوات أخرى ليصبح قانونًا.
اقترح مشرع القانون إيلى كوهين، عضو حزب الليكود اليمينى، الذى ادعى أن رفع العلم الفلسطينى يدل على دعم الإرهاب، وكتب على «تويتر»: «أى شخص يرى نفسه فلسطينيًا سيحصل على كل المساعدة التى يمكن أن نقدمها له للانتقال إلى غزة فى طريق باتجاه واحد».
وأثار مشروع القانون انتقادات من جماعات حقوق الإنسان والمواطنين الفلسطينيين فى إسرائيل، الذين يرون أنه محاولة لقمع هويتهم وحرية التعبير. العلم الفلسطينى هو رمز للتطلع الوطنى ومقاومة الاحتلال الإسرائيلى والتمييز.
وأدانت منظمة العفو الدولية مشروع القانون باعتباره هجوما جريئا على الحق فى الجنسية وحرية التعبير وحرية التجمع السلمى، وقالت إنه جزء من سلسلة من الإجراءات التى اتخذتها السلطات الإسرائيلية لإضفاء الشرعية على العنصرية والتمييز ضد الفلسطينيين.
ذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية، أن مشروع القانون أثار غضب المواطنين الفلسطينيين فى إسرائيل، الذين يرون أنه محاولة لمحو هويتهم وقمع معارضتهم، كما تتبعت الصحيفة تاريخ العلم الفلسطينى كرمز للمقاومة والتضامن.
وقالت «الجارديان» البريطانية، إن مشروع القانون هو أحدث حملة قمع من قبل الحكومة الإسرائيلية المتشددة الجديدة، بقيادة وزير الأمن إيتامار بن غفير، المعروف بآرائه وتصرفاته المتطرفة، كما أشارت الصحيفة إلى أن بن غفير حد من وصول المشرعين إلى السجناء الفلسطينيين وأثار التوترات من خلال زيارة موقع مقدس فى القدس.
غضب فلسطيني
أعرب المواطنون الفلسطينيون فى إسرائيل، الذين يشكلون حوالي ٢٠٪ من السكان، عن غضبهم وتحديهم لمشروع القانون، قائلين إنه ينتهك حقوقهم وهويتهم. استمروا فى رفع العلم فى الاحتجاجات والمناسبات، على الرغم من خطر عنف ومضايقات الشرطة.
وندد مسئولون فلسطينيون بمشروع القانون باعتباره إجراء عنصريًا واستعماريًا يهدف إلى محو الوجود والتاريخ الفلسطينى فى إسرائيل، وطالبوا المجتمع الدولى بالتدخل والضغط على إسرائيل لاحترام القانون الدولى وحقوق الإنسان.
طعن النشطاء الفلسطينيون وجماعات المجتمع المدنى فى مشروع القانون باعتباره شكلا من أشكال الرقابة والتمييز الذى يتعارض مع ادعاء إسرائيل بأنها ديمقراطية. كما سلطوا الضوء على نفاق إسرائيل فى حظر علم دولة تدعى الاعتراف بها والتفاوض معها.
تصريحات رسمية
قال بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، إن رفع العلم الفلسطينى فى إسرائيل هو استفزاز وعلامة على عدم الولاء للدولة.
فيما قال غابى أشكنازى، وزير الخارجية الإسرائيلى، إن رفع العلم الفلسطينى فى إسرائيل هو انتهاك للقانون وتحد لسيادة إسرائيل، وإنه سيعمل على تطبيق القانون ضد من يفعلون ذلك.
وذكر بينى غانتس، وزير الدفاع الإسرائيلى، إن رفع العلم الفلسطينى فى إسرائيل هو تعبير شرعى عن الاحتجاج طالما أنه لا يضر بالنظام العام أو يحرض على العنف.
أما أييليت شاكيد، وزيرة الداخلية الإسرائيلية، فقد قالت إن رفع العلم الفلسطينى فى إسرائيل عار وخيانة للدولة، وإنها ستعمل على سحب جنسية أولئك الذين يفعلون ذلك.
وقال إسحاق هرتسوغ، الرئيس الإسرائيلى، إن رفع العلم الفلسطينى فى إسرائيل حق مشروع، طالما أنه لا يضر بالنظام العام أو يحرض على العنف، وأنه يحترم تنوع الآراء والهويات فى إسرائيل.
وأكد قال بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، إن رفع العلم الفلسطينى فى الأمم المتحدة خداع وكذب، وأنه سيكشف الوجه الحقيقى للسلطة الفلسطينية ورفضها للسلام.
فى المقابل، قال محمود عباس، الرئيس الفلسطينى، إن رفع العلم الفلسطينى فى المحافل الدولية هو رمز للأمل والعدالة وشهادة على دعم المجتمع الدولى لحقوق الشعب الفلسطينى.
وصرح محمد أشتية، رئيس الوزراء الفلسطينى، أن رفع العلم الفلسطينى فى إسرائيل علامة على المقاومة والصمود وتحد للاحتلال وقوانينه العنصرية.
فيما قال رياض المالكى، وزير الخارجية الفلسطينى، إن رفع العلم الفلسطينى فى الفاتيكان لحظة تاريخية واعتراف بشرعية الدولة الفلسطينية.
وقال رياض منصور، سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة، إن رفع العلم الفلسطينى لحظة تاريخية وفخر وخطوة نحو إنهاء الظلم والاحتلال.
وأكد عاطف أبوسيف، وزير الثقافة الفلسطينى، أن رفع العلم الفلسطينى فى إسرائيل هو إعلان للهوية والانتماء ورسالة تحد وصمود.
يقول مركز عدالة - المركز الحقوقى لحماية الأقلية العربية فى إسرائيل -: «نستنتج أن رفع العلم ليس مجرما بحد ذاته، وإنما قد يجرم إذا كان يؤدى إلى تعطيل الأمن والسكينة».
وردًا على شكاوى العديد من الفلسطينيين لاعتقالهم بسبب رفع العلم يفند المركز القوانين الإسرائيلية قائلًا: «أولًا، كان رفع العلم محظورًا بموجب قانون منع الإرهاب من عام ١٩٤٨، لأنه كان يعتبر رمزًا لمنظمة التحرير الفلسطينية المحظورة، ثانيًا، تغير هذا الوضع بعد اتفاقيات أوسلو، حيث أصدر المستشار القضائى للحكومة توجيهات بعدم ملاحقة رافعى العلم فى عام ١٩٩٤، وأيدت المحكمة العليا هذا الموقف فى عام ٢٠٠٣».
وتابع: «ثالثًا، أشار نائب المستشار القضائى فى عام ٢٠١٤ إلى أنه لا يوجد حصانة مطلقة لرفع العلم، وأنه يجب فحص كل حالة على حدة، وأنه يمكن اتخاذ إجراءات ضد من يخلون بالنظام أو يهددون سلامة الجمهور برفع العلم».
وأضاف: «رابعًا، أفرج قاضى فى محكمة الصلح فى القدس عن متظاهر اعتقل بسبب رفع علم فلسطين فى المظاهرة الأسبوعية فى الشيخ جراح فى سبتمبر ٢٠٢١، وأكد أن رفع العلم لا يشكل جريمة. إذا، نستنتج أن رفع العلم ليس مجرما بحد ذاته، وإنما قد يجرم إذا كان يؤدى إلى تعطيل الأمن والسكينة».