الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

وزير الأوقاف: الهجرة النبوية علمتنا أنه لا تعارض بين الدين والوطن والإنسانية

وزير الأوقاف
وزير الأوقاف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

صرح الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، بأن الهجرة النبوية علمتنا أن حسن التوكل على الله يقتضي حسن الأخذ بالأسباب كما علمتنا معنى الوفاء، كما علمتنا أنه لا تعارض بين الدين والوطن والإنسانية، ورسخت لفقه العيش المشترك.

وأكد أنها أغلقت الطريق على دعاة الاستحلال حيث حرص الرسول (صلى الله عليه وسلم) على رد أمانات المشركين الذين آذوه وأخرجوه، فالهجرة النبوية تعد من أهم الأحداث في تاريخ الإسلام إن لم تكن الحدث الأهم فيه، وهو ما حمل الصحابة على التأريخ بها، فقد كانت نقطة تحول هامة في هذا التاريخ العظيم، وبداية البناء العملي لدولة الإسلام في المدينة المنورة، ذلك البناء الذي قام على عدة أسس، من أهمها ترسيخ أسس المؤاخاة ومبدأ العيش المشترك بين البشر، ذلك المبدأ الذي اتخذ من المدينة المنورة أفضل أنموذج في تاريخ البشرية، سواء فيما بين المسلمين، أم فيما بينهم وبين الطوائف الأخرى من سكان المدينة.


وأضاف جمعة قائلًا :"ففيما بين المسلمين رسخ الإسلام مبدأ الأخوة والمؤاخاة ووحدة الصف، يقول الحق سبحانه وتعالى: " هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (الأنفال: 62 - 63)، ويقول (عز وجل): "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا" (آل عمران: 103).
 

وتابع “فيما بين المسلمين وبين غيرهم تعد وثيقة المدينة أعظم أنموذج لفقه التعايش في تاريخ البشرية، فقد أكد نبينا (صلى الله عليه وسلم) : أن يهود بني عوف، ويهود بني النجار، ويهود بني الحارث، ويهود بني ساعدة، ويهود بني جشم، ويهود بني الأوس، ويهود بني ثعلبة، مع المؤمنين أمة، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه، وأن النصر للمظلوم، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، وأن من خرج منهم فهو آمن، ومن قعد بالمدينة فهو آمن، إلا من ظلم أو أثم، وأن الله (عز وجل) جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)”.


وتابع وزير الأوقاف: إنه أي إنسانية، وأي حضارة، وأي رقي، وأي تعايش سلمى، أو تقدير لمفاهيم الإنسانية يمكن أن يرقى إلى ما كان من تسامح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وإنصافه، ألا ترى إلى قوله (صلى الله عليه وسلم): "لليهود دينهم" قبل أن يقول: "للمسلمين دينهم"، ليكون في أعلى درجات الإنصاف والتسامح.


وأردف جمعة "أصّلت الهجرة النبوية دروسًا عظيمة في ضرورة مراعاة فقه الواقع، ومن ذلك ما كان بين النبي (صلى الله عليه وسلم) مع صفوان بن أمية، ذلك أن صفوان عندما أسلم قيل له: إِنَّهُ لا دِينَ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ، فقال: لا أَصِلُ إِلَى بَيْتِي، حَتَّى أَقْدُمَ الْمَدِينَةَ، فلما بلغ المدينة نزل على العباس بن عبد المطلب، فذهب به إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): "مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا وَهْبٍ؟ قَالَ: قِيلَ إِنَّهُ لا دِينَ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): ارْجِعْ أَبَا وَهْبٍ إِلَى أَبَاطِحِ مَكَّةَ، فَقَرُّوا عَلَى مِلَّتِكُمْ، فَقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِنِ اسْتُنْفِرْتُمْ، فَانْفِرُوا" (البخاري)".


فقد ارتبطت الهجرة بمرحلة وحالة معينة من أحوال المسلمين وهي مرحلة الأذى والاستضعاف التي كان عليها المسلمون، حيث يقول الحق سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا" (النساء : 97)، فلما أعز الله الإسلام ومكن له بفتح مكة وزالت حالة الاستضعاف التي كانوا عليها تغير الحكم من الحث على الهجرة واعتبار ذلك مطلبًا شرعيًا إلى الحكم بانتهاء الهجرة الحسية التي تعنى الانتقال من مكة إلى المدينة، ومطالبتهم بالاستقرار في أماكنهم "ارجع أبا وهب إلى أباطح مكة .. لا هجرة بعد فتح"، والتشبث بالهجرة المعنوية وهي هجر ما نهى الله عنه , وفي ذلك رد واضح على من يريدون أن يفرضوا بلا فقه ولا فهم فتاوى ناسبت زمانها ومكانها وبيئتها وحالة أو أحوال معينة على جميع الأزمنة والأمكنة والبيئات والأحوال.


وأوضح وزير الأوقاف، أن أهم الدروس المستفادة من هذا الحدث التاريخي العظيم حسن التوكل على الله (عزّ وجلّ) مع حسن الأخذ بالأسباب، حيث جمع نبينا بين توكله على الله (عز وجل) وأخذه بجميع الأسباب، ففي الوقت الذي ضرب فيه نبينا (صلى الله عليه وسلم) أروع الأمثلة في حسن التوكل على الله (عز وجل) حين قال له الصديق (رضي الله عنه) وهما في الغار: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تحت قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا، فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ: "مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا"، وذلك حيث يقول الحق سبحانه: "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".


واختتم "جمعة" حديثة قائلًا: فمع هذا اليقين في الله وحسن التوكل عليه نراه (صلى الله عليه وسلم) يتخذ من الأسباب ما يعد أنموذجًا لحسن التوكل وفهمه فهمًا دقيقًا، وبما يؤكد أنه لا تناقض بين الأمرين بل إن حسن التوكل يقتضي حسن الأخذ بالأسباب، ففي هذه الرحلة المباركة جهز النبي (صلى الله عليه وسلم) راحلتين واختار الصاحب والدليل والطريق بكل دقة وعناية، وكلف الإمام عليًّا (رضي الله عنه) أن ينام مكانه ليلة الهجرة وكلف عامر بن فهيرة (رضي الله عنه) بتتبع آثاره وآثار صاحبه للعمل على إخفائها أخذًا بالأسباب، وهو يدرك غاية الإدراك أن الله كفيل به وبصاحبه، غير أنه (صلى الله عليه وسلم) قد أراد أن يعطينا درسًا عمليًا أن سنة الله تعالى في كونه تقتضي الأخذ بالأسباب ثم تفويض النتائج لله (عز وجل).