رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"نعتذر ابق في الفضاء لا يمكن إعادتك للأرض".. قصة آخر رائد فضاء سوفيتي

رائد الفضاء
رائد الفضاء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"نعتذر.. ابق في الفضاء..لا يمكننا إعادتك إلى الأرض..الدولة التي أرسلتك لم تعد موجودة) هذه الكلمات الأخيرة التي سمعها رائد الفضاء السوفييتي سيرجي كريكاليف الذي تم إرساله هو والبريطانية هيلين شارمان والسوفيتي الآخر أناتولي أرتسبراسكي لمحطة الفضاء السوفييتية مير.
وهذه أكبر وأهم محطة في وقتها تبعد عن الأرض 350 كم بهدف إجراء بعض المهمات البحثية، وانطلق الصاروخ وبعد 9 دقائق فقط، وكان رواد الفضاء يشاهدون الأرض تغطيها السحب البيضاء وكأنها كرة من الثلج، وسيرجي كان من ضمن أمهر الطيارين ورواد الفضاء المعروفين عالمياً وهذا يعود لرحلاته التي قام بها للفضاء من قبل .

وكانت المدة التي من المفترض أن يقضيها في المحطة 5 شهور فقط تفادياً لإصابته بالسرطان أو حدوث ضمور لعضلاته أو تعرضه لأي إشعاعات ضارة، و بمجرد وصولهم للمحطة كل واحد فيهم بدأ بعمله و مهمته التي تم إرساله لها في هذا الوقت حيث كان يتم إعادة تشكيل الأرض والحكومات والجنسيات و بلاد تنهار وبلاد تظهر في الصورة.
وهيلين البريطانية بمجرد أن أنهت مهمتها عادت إلى الأرض وبعدها بعدة أيام أنهى فترة البقاء في الفضاء مواطنه أناتولي فعاد للأرض أيضاً، وبقي سيرجي في المحطة ليكمل تصليحاته للمحطة ودراسته لحركة الأرض، وانتهت مهمة ومدة سيرجي في الفضاء، ولاتوجد أي أخبار من الأرض ولا إرسال أي شيء له.

وعندما بدأ سيرجي يتواصل معهم لم يكن هناك من رد سوى جملة واحدة "نعتذر لا نستطيع إعادتك الآن"، وسيرجي في البداية كان يعتقد أن هذا الوضع سيستمر لأيام فقط وسينتهي، ربما هنالك مشكلة بسيطة في التمويل ليس أكثر، واستمر بدورانه الروتيني حول الأرض التي كان يبدو شكلها هادئ تماما كأنها بركة مياه في فصل الصيف ليس هناك حركة واحدة في.. ولكن على سطحها كانت الدبابات العسكرية تملأ الميدان الأحمر في موسكو و حصل انقلاب على ميخائيل غورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي في وقتها والأرض من الفضاء كانت ظاهرة كقطعة واحدة، ولكن سكان الأرض كانوا يرسمون الخطوط و يقسمون البلاد، كان الظلام و الهدوء الذي يعيش بهما في المحطة يخفي عنه ضجيج و حرب و قتل و دمار عاشته بلاده و بلاد العالم.

وبدأت السنة الجديدة وبدأت حالة سيرجي تدهور تماماً وعزلته عن البشر سببت له حالة نفسية شديدة، رؤيته لغايته (الأرض) كل يوم و هو غير قادر على أن يصل اليها خلق في نفسه إحساس شديد بالعجز رغم مكانته و ذكائه و براعته، ومع ذلك لم ينقطع أمل سيرجي، إلى أن جاءته العبارة صريحة تماماً (البلد التي وعدتك بالعودة لم يعد لها وجود أنت مضطر للبقاء في الفضاء).

تقبل سيرجي الأمر و قرر ان يتأقلم مع الوضع بأي وسيلة و أي طريقة كانت، وكما كان سيرجي يحارب في الفضاء كانت روسيا تحارب لجمع الأموال وترميم اقتصادها فاضطرت لبيع مقاعدها في صاروخ سويوز، وأشترت النمسا مقعد بـ7 ملايين دولار، واليابان رحلة لمذيع تلفزيون بـ12 مليون، ولكن لم تتبرع أي بلد بمقعد وتعيد سيرجي مرة ثانية، رغم ضخامة قضيته في الإعلام و تفاعل الناس من حول العالم معها آنذاك.
ومرت الأيام والشهور حتى أتى شهر مارس، وهنا أعلنت ألمانيا أنها سترسل رائد فضاء آخر غير سيرجي وستدفع 24 مليون دولار ثمن تكاليف عودة سيرجي وفي يوم 25 مارس استقبل العالم آخر مواطن سوفييتي وسيرجي هبط على الأرض وهو يرتدي بدلته الفضائية التي عليها الأحرف السوفيتية الأربعة USSR و المنجل الأصفر.

ويحمل في يده علم دولة لم يعد لها أي وجود وكان فاقد للحركة تماماً يحمله أربعة رجال وصفوه في الصحف وقتها بأنه كان “شاحب كالطحين تفوح منه رائحة العرق مثل كتلة من العجين الرطب”، وسيرجي عاد لوطنه الذي تحول لعالم ثاني تماما غير الذي كان قد تركه هل لك أن تتخيل إحساسه عندما وجد أن الدولة التي هبط فيها لم يعد اسمها أركاليخ، بل أصبح كازاخستان، وبلده التي تربى فيها لم يعد اسمها لينينغراد بل صار سان بطرس.
ومساحة وطنه تقلصت بمقدار 5 مليون كيلو متر، حصل تضخم اقتصادي رهيب لدرجة أن راتبه الذي كان 600 روبل أصبح نصف راتب سائق حافلة، وبلده الكبير صار عبارة عن ١٥ بلد وهذا عدا عن جسده النحيل و فقدان صحته و عدم قدرته على المشي و الحركة إلا أنه مع ذلك كان متفهماً للوضع تماماً فعلق معقباً على مكوثه كل تلك الفترة في الفضاء (إن روسيا في هذا الوقت كانت أولويتها توفير الأموال و ليس إنفاقها).
و بالمدة التي قضاها سيرجي هناك كان قد حقق رقماً قياسياً بمكوثه311 يوما حيث قضى ضعف المدة التي كانت مخططة له الجميل في الموضوع أنه عاد ثانية للفضاء بعد سنتين ولكن هذه المرة لوكالة ناسا الأمريكية وهو أول رائد فضاء وطأت قدمه محطة الفضاء الدولية الجديدة (ناسا) امتناناً لدوره العظيم ومهارته في التعامل مع ظروف الفضاء و التأقلم.

سيرجي أصبح بطلاً قومياً وذلك لأنه كان بإمكانه العودة بواسطة كبسولة كانت موجودة على متن المحطة لكنه اختار البقاء وعدم استخدامها، لأنه يعلم أن مغادرته المحطة كان يعني نهاية المحطة "مير" وإتلافها للأبد.