الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

زوجة الشهيد محمد عبدالفتاح: استيقظت فجرا على تضرعه باكيا لله أن يتخذه عنده من الشهداء

الشهيد محمد عبد الفتاح
الشهيد محمد عبد الفتاح
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قبل صلاة فجر الخميس، سمعت جرس الباب فظننت أن من يضرب الجرس هو محمد لأنه أخبرني الأربعاء أنه سوف يحضر الخميس في الإجازة الدورية، وأنني متلهفة لرؤية شريك حياتي فقمت بفتح الباب لكنني وجدت أخته وزوجات إخوته يخبرونى بأنه أصيب ليخففوا عليا الصدمة.
ولكنني لم أصدقهم فقمت بالاتصال بـ«محمد» لقيت التليفون مغلق فقمت بالاتصال بأحد زملائه فأخبرني بالصدمة فما كان منى إلا أنني ذهبت إلى أبنائي فأخذتهم في حضني وأخبرتهم أن أبيهم بطل، ولا أدري ماذا حدث بعد ذلك، حتى حضرنا الجنازة العسكرية التي أقيمت له، وحضرها المحافظ ومدير أمن الفيوم والمستشار العسكري، وأبنائه الثلاثة على رأس الجنازة، وكنت أشجعهم ليثبتوا في هذ الموقف وأقول لهم: "أبوكوا ساب رجالة، خليكوا زي ما هو كان عايز يشوفكوا".
هكذا بدأت السيدة نوار "حكاية الشهيد" ومن الطبيعي أن تحكى الزوجة عن زوجها ما تعرفه منذ خطبتهما، لكن أن تحكى منذ ميلاده فلذلك معانى عدة، منها أنها عاشت حياة هذا الرجل، ولم تعش معه فقط، وهكذا كانت السيدة البطلة نورا زوجة شهيد الشرطة "محمد عبد الفتاح" التي تحدثت عنه وكأنها ترسم صورة لملامحه من الداخل: "لقد كان شخصية في غاية الجمال، والرجولة، والقوة، والإقدام، والمثابرة، والطموح الذي لم يقف عند سقف معين، وكان شخصا ذكيا جدا، بالإضافة إلى أنه طيب وعطوف وحنون كانت به صفات أهل الجنة رغم أنه يعيش على الأرض.
وعن بداية حياته تحكى: "ولد الشهيد الرائد محمد عبد الفتاح عبد الجواد في قرية رحمي، مركز إطسا، محافظة الفيوم في ٣/٢/١٩٧٠ عاش في القرية وتلقى تعليمه وحفظ القرآن الكريم، مما جعل شخصيته تتسم بالتدين والحرص دائماً على طاعة الله، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، لقد توفى والده وهو في عمر صغيرة وكان وقت ذاك في المرحلة الإعدادية مما أثر في نفسيته جدا، وكان لهذه الصدمة مردود سلبي عليه في تعليميه.
والتحق بالثانوية الفنية الصناعية ١٩٨٤ وتخرج فيها ١٩٨٧، ثم بعد ذلك قرر أن يتقدم لمصنع الرجال "الجيش المصري" وكان سعيداً جدا بوجوده في الجيش، لدرجة أنه قرر بعد الانتهاء من الخدمة العسكرية التطوع في الجيش، ولكن لم يلق هذا القرار استحسان والدته، فامتثل لأمرها وبعد أن أنهى الحياة العسكرية بدأ يعمل عملا حرا وبرغم نجاحه إلا أنه كان لا يرضى طموحه، ومن هنا قرر أن يتقدم للعمل في وزارة الداخلية، وبالفعل قدم أوراقه لوزارة الداخلية وتم قبوله وفرح بشدة لأن الداخلية بالنسبة له كانت جهة عسكرية أخرى، المهم عمل في وزارة الداخلية وأثبت جدارته في كل المهام التي تنسب إليه، فقد عمل في منفذ الغردقة التابع لمصلحة أمن الموانئ، وأنهى بها الخدمة في ١٩٩٦.
وتحكى الزوجة: "انتقل بعد ذلك للعمل في سيناء بتاريخ ٣/١٢/١٩٩٦ وعمل بمنفذ رفح البري التابع لمصلحة أمن الموانئ، وفي سيناء عاش فترة طويلة فكانت عشقه الأول لذلك رفض أن يتركها، لم يتوقف طموحه عند هذا الحد من التعليم بل قرر أن يتقدم للحصول على الثانوية العامة الأمل الذي كان يسعى إليه قبل وفاة والده، وبالفعل حصل على شهادة الثانوية العامة عام ٢٠٠٠، والتحق بعد ذلك بكلية الحقوق جامعة بيروت العربية والموجودة في الإسكندرية، وحصل على ليسانس الحقوق عام (٢٠٠٨_ ٢٠٠٩) وهو بذلك حقق جزءا من حلمه الذي يسعى إليه".
وتواصل الزوجة الحديث عن البطل بتأثر ربما لأن قطار طموحاته في هذه المرحلة تباطئ قليلا لأسباب سترويها: "ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة شرطة كهرباء القاهرة وللأسف لم يمكث بها كثيرا حيث حدثت له إصابة عمل مكث على إثرها فترة ليست بالقصيرة كان يتلقى فيها العلاج، مما أدى إلى تأجيل طموحه أن يكون ضابطاً، وبعد أن شفاه الله عاود حلمه يراوده، وبالفعل قدم أوراقه لأكاديمية الشرطة وتم قبوله، وفي عام ٢٠١٢ تمت ترقيته لرتبة ملازم، ثم انتقل بعد ذلك للعمل بمديرية أمن الفيوم مسقط رأسه، ومنذ اللحظة الأولى من العمل في الفيوم أثبت جدارة غير عادية فأحبط عمليات تهريب وقبض على مسجلين خطر، مما جعل مساعد وزير الداخلية مدير أمن الفيوم السابق يقوم بتكريمه، وسرعان ما اشتاق لحبيبته سيناء، عشقه الأول فطلب نقله إلى سيناء في ٢٠١٦".
وهنا عادت الابتسامة على وجه الزوجة وكأنها تسعد لما يسعد به الشهيد وتستطرد قائلة: "وعندما قوبل طلبه بالموافقة فرح فرحاً شديدا وعندما طلبت منه أن يعمل عدول عن هذا الطلب قابله بالرفض، وقال بلدي تحتاجني هناك، وحين أخبرته وهو يعلم بالوضع في سيناء قال إنني إن مت فيها سأكون بإذن الله شهيدا".
ويتوقف اندفاع الحديث الحماسي إلى دموع من زوجته، فيختلط أنين النحيب بحكيها عن الشهيد: "كان دائماً يصلي ويطلب من الله أن يتقبله عنده شهيدا، لدرجة أنني استيقظت مرة من نومي وكان يطلب من الله ويتضرع إليه ياااااارب مش عايز أي حاجة من الدنيا، إلا أن أموت شهيد ياااااارب تقبل، وبالفعل استجاب الله سبحانه وتعالى لطلبه".
وعن بدايات العمل بسيناء وحكاية الاستشهاد تحكى البطلة : "عمل في بدء الأمر بالشيخ زويد، ثم انتقل للعمل بالحسنة، ثم بعد ذلك في قسم ثانى العريش" وتتذكر اليوم بدقائقه وثوانيه: "في يوم (١١ _ ١_ ٢٠١٧) في كمين مستشفى العريش التابع لقسم ثاني العريش أخذ خدمة زميل له كي يسافر هو لأبنائه وأخذ محمد خدمته وفي أثناء الخدمة مساء قامت جماعة إرهابية تكفيرية مسلحة بالهجوم على الكمين ويظل يواجههم بكل بسالة وقتل وأصاب منهم عددا من التكفيريين إلى أن لقي ربه".
وتقول ترك لى زوجى أغلى ما يمكن أن ترثه زوجة من زوجها فبعد تشييع الجثمان إلى مثواه الأخير يوم الخميس ١٢١٢٠١٧ تم تكريم اسم الشهيد البطل من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي في عيد الشرطة ٢٠١٨ وحصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثالثة تقديرا لما قدمه الشهيد من عظيم الخدمات والتضحية بروحه من أجل الوطن، كما كرمته وزارة الداخلية ومنحت اسمه وسام الشهيد.
وتعود حالة من الغضب تنتاب هذه المرأة عندما تحكى عن طموح لم يحققه زوجها:"كان يريد أن يكمل الدراسات العليا وتحضير الماجستير ثم الدكتوراه ولكن إرادة الله فوق كل إرادة" وتتنهد مصدرة طاقات من العزيمة الملتهبة :"إن شاء الله أولاده الثلاثة يكملوا دراستهم لحد الدكتوراه اللي كان أبوهم عايزها".
أما عن علاقة الشهيد بمن حوله فقالت: "كانت علاقته بالأهل والأصدقاء والزملاء والجيران جيدة جداً وكانوا ولا يزالون يحملون له كل الود والاحترام والتقدير لشخصه لأنه كان إنسانا خيرا محباً للخير لجميع البشر، لقد حزن عليه كل من يعرفه ومن لا يعرفه فسمعته كانت جيدة جداً فكان إنسانا متواضعا لأقصى الحدود، كان شخصا عاشقا لتراب بلده محبا لأهله وأصدقائه وجيرانه وخاصة والديه".
وتصر الزوجة أن تنهى حكاية الشهيد لتروى موقف من حياته: "كنت خارجة مع محمد وكنا مستعجلين جداً، وإحنا في الطريق لقيت محمد رجع بالعربية للخلف فاندهشت وسألته في إيه يا محمد إنت راجع بالعربية ليه لقيته بيقولي لمحت سيدة كبيرة في السن واقفة مش لاقية مواصلات، ووصل عند السيدة المسنة كان عمرها حوالي سبعين سنة، قال لها اتفضلي يا حاجة أنا أوصلك، والحاجة دعت له الله يباركلك يا ابني، دا أنا واقفة من فترة أنا وبنتي ومش لاقيه أي مواصلات، وقالها اتفضلي وأنا أوصلك المكان اللي أنتي عايزاه، وردت ألف شكر يا ابني وصلني بس لأقرب مكان فيه مواصلات وأنا هكمل، وبالفعل محمد وصل السيدة المسنة إلى المكان اللي كانت عايزاه ونسي أنه كان مستعجل.