الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ميراث رفعت السعيد: 30 يونيو!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

صار اسم «رفعت السعيد» علمًا في سجلات الوطنية المصرية، فلقد تجاوز رفعت السعيد دهاليز وقبلية الفكر لآفاق الوطنية المصرية الرحبة، فصار رمزًا يعتز به الوطنيون المصريون من جميع مشاربهم. فلقد ازداد اسمه بريقًا كقائد بمعارك الشعب المصري منذ عام ١٩٧٠ ضد كامب ديفيد وارتبط اسمه بالمساواة بين الناس بغض النظر عن الدين والجنس والعقيدة وارتبط بالحرية وفتح الأبواب أمام العمل السياسي وارتبط كذلك بمعاركه مع الإخوان المسلمين الذين حددوا بوضوح أن لا مشكلة لديهم مع اليسار إلا «يسار رفعت السعيد» فمن هو رفعت السعيد حقيقةً؟ ولماذا ظهر ولمع اسمه بهذا الشكل الكبير فهل لأنه كاتب لمقالات شجاعة أو لأنه مؤمن بالمساواة بصدق؟.
الأمر في خلاصته أن حقيقة رفعت السعيد لم تكتب بعد، وربما لن تكتب أبدا!. فـ«رفعت السعيد» في الحقيقة كان من فصيلة نادرة من الوطنيين المصريين الذين تجاوزوا أهميه الكلمة لأهمية التنظيم، فتجاوز أهمية الكلمة المنشورة لأهمية دفع ثمن الكلمة حتى وإن منعت ببناء الحزب والتنظيم! تجاوز رفعت السعيد وعدد قليل جدًا من رفاقه أهمية حوارات وهمهمات الأصدقاء للسعي لبناء حزب يجسد هذه الأفكار والشعارات بعد وفاة جمال عبد الناصر مباشرة وربما قبلها. يعتقد البعض أن حزب التجمع هو هبة من سياسي عصر معين ولكن الحقيقة الباقية أن حزب الاشتراكية في مصر لم يستأذن للظهور أبدًا بل فتح الأبواب لنفسه ووجوده برجال كان رفعت السعيد من سلالتهم.
تتعدد أسماء هؤلاء الرجال ولكن أسماء كـ«شهدي عطية الشافعي» يجسدهم ويوضح حقيقة معدنهم. ربما يبدو غريبًا على الأجيال الجديدة في مصر أن تدرك أن قضية الشعب المصري قبل ١٩٥٢ كانت قضية الاستقلال من الاستعمار الإنجليزي ولربما يبدو مستحيلًا أن نتصور أن المساحة بين كوبري قصر النيل والزمالك كانت هي ثكنات الجيش الإنجليزي ولربما يبدو غريبًا أن المصريين كانوا غير متواجدين وسط البلد إلا كخدم أو عملاء. فوسط البلد كان يسمي عابدين وكان مسكونًا بكل الأجناس، إلا المصريين، يخدمون السرايا أو الاستعمار. لم يتوقف المصريون أبدًا عن مقاومة الاستعمار والسرايا منذ سقوط أحمد عرابي زعيم الفلاحين حتى كانت هبة ١٩٤٦ فظهر في مصر فكر جديد يربط الاستقلال بالعدالة الاجتماعية ويربط قضية السودان بحق تقرير المصير لشعب السودان وكفاحهم أيضًا كالمصريين ضد الإقطاع والاستعمار وأخيرًا فكر جديد يرفض سياسات الأحلاف والحروب. كان شهدي عطية الشافعي هو الاسم الأبرز في تاريخ الاشتراكيين المصريين وكان هو صاحب الشعار «الشعب يريد حزبا من نوع جديد!» وكان شهدي عطية يقصد بهذا حزب الاشتراكية العلمية في مصر وكان هذا هو حزب رفعت السعيد حتى مات!. دفع شهدي عطية ثمن هذا الإيمان وهذا العمل سجنًا في سجون الملكية بالأشغال الشاقة لسبع سنوات وهاتفًا بحياة الشعب المصري وملهمًا لأجيال جديدة من المصريين. تغيرت وتعقدت تخوم الصراع في مصر وحول العالم ولكن شهدي عطية بقي في صفوف تنظيمه الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني «حدتو» حتى نال من جسده التعذيب فسقط تحت العصي والسحل في سجن أبوزعبل. كان رفعت السعيد ابنًا لهذا الحزب مؤمنًا قبل كل شيء بضرورة التنظيم والعمل المشترك مهما ضعفت وقلت الإمكانيات وتراجعت المساهمات.
بدا للجمبع أن قيادات حزب الاشتراكية العلمية انتهت بفعل الزمن أو بفعل طول سنين النضال أو بتغير الأحوال. ولكن رفعت السعيد الشاب شهد أن ما طالب به رفاقه وحوكموا وعذبوا من أجله ينتصر ويتحول لشعارات معلنة للدولة المصرية فـ«الميثاق» ذاته يعلن «حتمية الحل الاشتراكي» في بابه السادس، وعبد الناصر يتحول لبطل الاشتراكية المعادي للاستعمار حول العالم. كان الدرس عميقا للشاب المناضل الذي تعرف أن الأمور بطيئة ولكن النصر أكيد والتنظيم ضرورة.
ألقى الزمن أمام رفعت السعيد في أواسط السبعينيات بمهام ثقال، فالتراجع عن إنجازات ثورة يوليو واضح للعيان وعواصف الثورة المضادة والرجعية الدينية تقتلع كل إنجازات الشعب المصري في القرن الماضي. تقدم رفعت السعيد الصفوف ليصبح هو القائد والزعيم لامتدادات «حدتو» في التاريخ الوطني المصري الحديث فكان الحزب الشيوعي ومجاله التجمع وكان رفعت السعيد في قلب كل هذا هو الشخص المركزي المدرك بالكامل لعواقب نضاله والواعي بضرورات المرونة والتحالفات وتجاوز القبلية مع الإصرار على المبدئية فيما يتعلق بشعارات تيار الاشتراكية العلمية الواسع والعريض في مصر والممتد بطول النيل. كانت الأمور عنده شديدة الوضوح بشأن الاستقلال والسيادة الوطنية وبشأن العداء للإخوان المسلمين أما بالنسبة لإسرائيل فلم يكن في أي احتياج لإثبات مواقفه فلقد دفع شباب حزب الاشتراكية العلمية التجمع أوسع وأشجع الأدوار.
كان الهجوم على رفعت السعيد واسعًا وعميقًا، فمن تكن شعاراته هكذا ومن تكن انحيازاته كتلك، سيدفع الثمن من سمعته ومن الأعداء ومن الرفاق المتمردين ومن أولئك المتراجعين. 
ولكن الزمن شاء أن يمضي القائد الكبير المشاغب كطفل سعيد، فلقد انتصرت شعاراته وشعارات تيار الاشتراكية العلمية في مصر في ٣٠ يونيو.. فأى وداع عظيم لمنظم عظيم؟. أما اليوم فإن مصر تنتظر أمثاله وأمثال رفاقه يبنون جبهة وطنية مصرية عظيمة ضد الاستغلال والاستعمار ومع شعارات العلمانية وحقوق الإنسان.