رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثوابت الإمارات .. القضية الفلسطينية في مقال يوسف العتيبة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعد القضية الفلسطينية الركيزة والعنوان الأساسي للإجماع العربي، توحدت حولها الدول والشعوب العربية كرمز للنضال والحق وحماية التراب العربي، ولقد قدمت العديد من الدول العربية الكثير من الدعم السياسي والمعنوي والمادي وكثير من التضحيات لنصرة القضية الفلسطينية ليس تفضلاً ولكن إدراكاً للمسئولية وواجب دعم الشعب الفلسطيني.
فقد قدمت مصر والإمارات والسعودية كل الدعم للملف الفلسطيني سياسياً ودبلوماسياً في المحافل الدولية ورعاية فرص السلام والحل والدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ودعم جهود المصالحة الداخلية، وتقديم الدعم المادي، انطلاقا من نوايا صادقة وتبني كامل لحق الشعب الفلسطيني وإدراكاً لأن القضية الفلسطينية هي محور الاستقرار والسلام في المنطقة.
وترسيخاً، واستمراراً لهذا الدور، كان هناك محاولات عدة للبحث عن آليات الخروج من هذا الوضع الجامد والمأزوم الذي تعيشه القضية والشعب الفلسطيني، اجتهادات في سبيل طرق أبواب وآليات مغايرة وأكثر واقعية للحل السياسي دونما تفريط أو تنازلات، وهو ما جاء في محاولات عدة؛ منها طرح السفير الحالي لدولة الإمارات العربية المتحدة في الولايات المتحدة يوسف العتيبة والذي حاول البعض توظيفه سياسياً وتحريف معانيه لتحقيق مكاسب سياسية وإسقاطات لا محل لها من الإعراب ولم يتطرق لها الكاتب بأي شكل من الأشكال، وهو ما تسبب في جدل مفتعل للهجوم على شخص الكاتب ومن ثم دولة الإمارات العربية، التي لا مجال في رأيي للمزايدة على مواقفها في دعم القضية الفلسطينية وجهود الشيخ زايد آل نهيان والإرث الممتد حتى الآن كثوابت في سياسة دولة الإمارات الخارجية، وهي نفس محددات العديد من الدول العربية تجاه القضية.
في الحقيقة هناك عدة ملاحظات فيما يتعلق بمقال السيد يوسف العتيبة ربما كثيرون لم يلاحظوها أو تجاهلوها عن عمد، أبرزها:
أولاً، الخط العام لفكرة يوسف العتيبة يتمحور حول تحذير الجانب الاسرائيلي من ضم الأراضي الفلسطينية باعتبار أن الإقدام على هذا الأمر من شأنه أن يهدد السلام في الشرق الأوسط.
ثانياً، الإمارات سخرت الجانب الدبلوماسي لخدمة القضية ومقال العتيبة حاز على انتباه الرأي العام الإسرائيلي والغربي, بحيث إن المقال قد يكون -ضمن بقية الجهود- سبباً لمراجعة اسرائيل لأي خطوة, وهذا ما ذهب إليه الكتاب الأمريكيين بضرورة الأخذ بعين الاعتبار للتحذيرات الإماراتية.
ثالثاً، الخطابات الشعبوية تجاه القضية الفلسطينية لم تفضي إلى حلول على أرض الواقع، وبالتالي لا ضير من اتباع استراتيجية أكثر ذكاء من خلال اتجاه الدبلوماسية الإماراتية لمخاطبة الجمهور الاسرائيلي نفسه للضغط على حكومته.
رابعاً، وظفت الإمارات شبكة علاقاتها الدبلوماسية ضد توسيع نيتنياهو نطاق احتلال الأراضي الفلسطينية، ولم توظفها بما يخدم أجندة مناهضة للقضية.
خامساً، بعض الوسائل الإعلامية المحسوبة على تنظيمات وتيارات معينة معروفة قامت بتأويل وتحريف مقال العتيبة لخدمة أجندتها الحزبية وغضت النظر عن الأهداف التي سعى إليها العتيبة.
سادساً، السياسة فن الممكن وهذا تقوم به الإمارات؛ فإسرائيل ترغب بإقامة علاقات مع الدول العربية ولكن من وجهة نظر الدبلوماسية الإماراتية فيجب ألا يتعارض هذا بأي حال من الأحوال مع الحقوق الفلسطينية، والنوايا الإسرائيلية بالتوسع في ضم الأراضي.
سابعاً، الإمارات حريصة على استقرار وأمن المنطقة وأن تتحول هذه المنطقة المتوترة لنقطة انطلاق لنجاحات عالمية.
ثامناً، أكثر الدول التي قدمت جهود وتضحيات ودعم للقضية الفلسطينية، لا تتحدث عن ذلك، ولا تتفضل بالترويج لجهودها وما قدمته، بل تفعل ذلك في صمت، وفي ضوء قناعات والتزام وواجب يفرضه اعتبارات المنطق ونصرة الحق، واعتبارات العروبة والجوار، بلا أصداء أو خطابات رنانة مفضوحة. وهذا ينقلنا لأمر مهم، فأكثر الدول التي تتحدث عن نصرة القضية وتتبنى خطابات عاطفية مؤثرة متباكية، هي تركيا وإيران؛ أما تركيا فهي من أكثر الدول التي تحتفظ بعلاقات قوية سياسياً واقتصادياً مع إسرائيل ولها مشروعات طالت حتى المشاركة إقامة الجدار العازل، ولا تعدو القضية الفلسطينية في الخطاب التركي إلا أن تكون أداة للتقارب والاختراق الناعم العاطفي للمواطن العربي وتأليب الشعوب على الحكومات، وهي منطلقة من إرث استدعاء أمجاد الدولة العثمانية، وبدأ ذلك يتضح جلياً في سلوكها العدائي في ليبيا وفي سوريا والمتوسط. أما إيران، فقد كتبت قبل ذلك موضوع بحثي عن "القضية الفلسطينية في الخطاب السياسي الإيراني"، ووجدت أن القضية الفلسطينية حاضرة وبقوة في الخطاب الإيراني، ولكنه حضور لا يتجاوز الخطابات الحنجورية والعاطفية في المناسبات التي تريد تطويعها لخدمة مشروعها الأيديولوجي القائم على تصدير الثورة، والمتصادم مع المشروع القومي العربي والذي تريد هدمه عبر ميليشياتها وأدواتها التخريبية في العراق واليمن وسوريا ولبنان، وغيرها.
وبناء على ما تقدم، فالمرحلة الحالية هي مرحلة فارقة؛ يتم فيها خلط الأوراق واللعب على المتناقضات وإظهار نصف الحقائق، ولا ينبغي في رأيي أن ننساق خلف تلك الحملات العمياء والمضللة، والتي تضر بالقضية الفلسطينية ولا تنفعها.