الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأحزاب وثورة الاتصالات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت الأحزاب في أوروبا هى إحدى إرهاصات الثورة الصناعية، وأحد أشكال الممارسة السياسية، وذلك بعد تحول النقابات العمالية المدافعة عن العمال في مواجهة أصحاب رأس المال إلى أحزاب تدافع وتتبنى وتطرح وجهة نظر الجماهير التى التفت واقتنعت ببرنامج هذا الحزب، ذلك البرنامج الذى سيحقق آمال هذه الجماهير الحزبية، ويحل مشكلاتها، ويتبنى قضاياها عند وصول هذا الحزب إلى السلطة، ليشكل الحكومة التى سيكون برنامجها مستمدًا من برنامج الحزب الذى حصل على الأغلبية الانتخابية. لم تكن مصر حتى منتصف القرن التاسع عشر تعرف نظام الأحزاب، ولكن بدأت مصر تتعرف وتجرب الأشكال السياسة نقلًا عن أوروبا نتيجة للتدخلات الأوروبية في شئون مصر، وبعد قدوم الحملة الفرنسية والصدمة الحضارية التى جعلت المصريين ينظرون إلى الغرب للمحاكاة، وتطويرًا لمجلس المشورة الذى أنشأه محمد على 1829 من كبار التجار والأعيان والعمد لإبداء الرأى دون إلزام. وتوقف الأمر حتى إنشاء إسماعيل مجلس شورى النواب 1866 من 75 عضوًا من مُلاك الأراضى الزراعية كل ثلاث سنوات، وكان رأى المجلس استشاريًا أيضًا، هنا كان هذا بداية وخلفية لتفتيح الأذهان إلى ممارسة سياسية يعبر فيها من ينوب عن الشعب عن ما تريده الجماهير، ويكون لذلك إلزام في تنفيذ القرار، وتواكب مع هذه الحركة إنشاء الأحزاب، ولكن كانت التجربة تعتمد على المناخ الطبقى والجهوى نظرًا لغياب الممارسة السياسة لعقود طوال، خاصةً مع الحكم العثمانى لأربعة قرون، وكان أول حزب في عام 1907 هو الحزب الوطنى، وزعيمه مصطفى كامل، وبعد تصريح 28 فبراير 1922، ووضع دستور 1923، أصبح لمصر مجلس نواب ينوب عن الناخبين وتشكل الأغلبية الحكومة، وهنا كانت ما يسمى «الديمقراطية النيابية».
استمر الشكل الحزبى شكلًا أكثر منه موضوعًا، باستثناء بعض المواقف التى واجه فيها البرلمان الملك والحكومة، وعقب 23 يوليو أُلغيت الأحزاب لتعود مرة أخرى عام 1977 بشكل مُصنع بعيدًا عن النشأة الطبيعية والسياسية للأحزاب، وأصبحت ولا زالت الأحزاب، خاصةً بعد 25 يناير 2011، وبعد الهجمة الجماعية لإعلان أحزاب لا تملك لا برنامج سياسى يقنع الجماهير ولا كوادر حزبية تؤمن بالحزب وبرنامجه ولا علاقة لها بالشارع السياسى، تعتمد على رؤية الحزب السياسية التى تختلف عن رؤية باقى الأحزاب، ولكن الحالة الحزبية تحولت إلى نوع من التواجد الإعلامى فقط، حتى إن الانتخابات البرلمانية سواء بالنظام الفردى أو نظام القائمة تعتمد في المقام الأول على شخصية المرشح وعلاقته بالجماهير اعتمادًا على ميراثه الحزبى الذى يعتمد على الاستمرار في المواقع الموروثة بعيدًا عن أى برنامج أو رؤية حزبية، وللأسف أو حتى سياسية. 
هذا هو الوضع الحزبى بلا رتوش أو مبالغة فهو واقع لا يبشر بالخير، وخصوصًا أننا نستقبل استحقاقات انتخابية قادمة في 2020، سواء كانت انتخابات البرلمان أو مجلس الشيوخ أو المحليات، وإذا كان هذا الواقع المصرى للأحزاب وللديمقراطية النيابية، وفى ظل الثورة التكنولوجية والاتصالاتية، وانتشار التأثير والتأثر سواء في النطاق السياسي، أو أى نطاقات أخرى، أصبح قيد أصابع اليد في اللحظة والتو من خلال التكنولوجيا الرقمية حتى أصبحت هذه الثورة الاتصالاتية ذات تأثير مباشر لا يملك أحد تجاهله، وعلى ذلك نرى الآن في أوروبا تحولات سياسية تاريخية بل دراماتيكية نظرًا للموروث السياسى التقليدى للأحزاب وللديمقراطية النيابية، فنجد الآن بديلًا لهذه الديمقراطية النيابية، ما يسمى بـ«النزعة المواطنية»، التى كانت نتاجًا طبيعيًا للاستياء والغضب من جهة والتجديد وطرح البدائل من جهة أخرى.
النزعة المواطنية هذه قد خلقت ما يسمى بـ«المواطنة القاعدية» بديلًا للمواطنة النيابية؛ حيث نجد الآن ما يسمى بـ«الرأى العام» الذى أفرزته السوشيال ميديا، هو الرأى المؤثر الذى لا يستطيع أحد تجاهله، ولا نكون مبالغين لو قلنا إن هذا الرأى قد أصبح أكثر تأثيرًا من البرلمانات النيابية. فقرار رئيس وزراء بريطانيا الجديد بتجميد عمل مجلس العموم البريطانى حتى يمرر صفقة «البريكست» بعيدًا عن البرلمان، دليل أكيد على ضعف تأثير دور الديمقراطية النيابية الآن. هنا هل ستتأثر مصر بهذه المتغيرات؟ لا شك نعم قد نتأثر، ولكن في ظل هذا التأثر بالديمقراطية القاعدية التى جعلت كل واحد يشعر أنه برلمان بذاته، فلا بد من وجود ضوابط لا تترك الأمر بهذه الصورة، خاصةً أننا نفتقد إلى نخبة حقيقية تؤمن بالوطن وتُعلى مصلحته على المصلحة الذاتية، كما أننا لم نمر أصلًا بحياة حزبية حقيقية مارسنا من خلالها مشاركة سياسية جماهيرية حقيقية وصحيحة. فهل تُدرك أحزابنا هذا؟ وهل تعى هذه الأحزاب أن هذا التواجد الحزبى الشكلى لن ينتج ديمقراطية لا نيابية ولا قاعدية؟ فالحل المتاح الآن هو الائتلاف الحزبى السريع، وحتى يكون لهذا الائتلاف «الحقيقى وليس المصنوع من أجل الانتخابات» بعض المصداقية لدى الجماهير، حتى يمكن أن نبدأ من خلال الانتخابات القادمة، بممارسة بعض السياسة الحزبية في الاختيار الموضوعى، وليس الشخصى، وحتى نؤسس لحياة سياسية، ويكون للبرلمان دور حقيقى في المراقبة والتشريع بعيدًا عن خلط الأمور بين النائب البرلمانى وعضو المحليات، وبين الاختيار الشخصى والاختيار السياسى، وألا نكون قد ظلمنا أنفسنا ولم نقدم ما يجب أن نقدمه لمصر الوطن الذى يحتاج إلى كل يد لمواجهة التحديات، ولتأسيس مشاركة جماهيرية حقيقية في اتخاذ القرار سواء كان هذا في إطار ديمقراطية نيابية أو قاعدية. حمى الله مصر وشعبها العظيم.