رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

نحن نقص عليك| إبراهيم.. نجاته من نار قومه

 القرآن الكريم
القرآن الكريم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يزخر القرآن الكريم بالقصص التى لم تكن مجرد عرض للتسلية وإنما ليزداد المؤمن ثباتًا على الحق وإصرارًا على مواجهة الباطل، من خلال إطلاعه على مواقف الأنبياء والمرسلين وقصصهم. وكان القصص القرآنى له النصيب الأكبر من قبل علماء المسلمين والباحثين والمفكرين، وخلال شهر رمضان المبارك نستعرض سيرة الرسل والأنبياء حتى تكون عبرة ونهجًا وصراطًا مستقيمًا نسير عليه.
(قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)
بعد أن قام سيدنا إبراهيم بتكسير الأصنام، بعد أن أمسك فأسًا وأخذ يهوى على الأصنام يكسرها ويحطم حجارتها، وأبقى على كبير الأصنام، وعلق الفأس فى عنقه، وذلك حتى يقيم سيدنا إبراهيم على قومه الحجة، يثبت بالدليل القاطع أن تلك الأصنام لا تنفع ولا تضر، ولا حتى تستطيع أن تدافع عن نفسها وتبعد الضرر. 
وعندما رجع قومه ووجدوا ما حل بأصنامهم، اندهشوا، وعرفوا أن إبراهيم هو من فعل ذلك بآلهتهم، وبلغ الخبر الملك النمرود الجبار ملك البلاد، وأجمعوا على أن يحضروا إبراهيم ليشهدوا عليه ويسمعوا كلامه، وكان اجتماع الناس فى المكان الذى كان يقصده إبراهيم، وتقاطرت الوفود وتكاثرت جموع الكافرين، وطالبوا بالاقتصاص من إبراهيم، الذى أهان أصنامهم واحتقرها، وأخذوه إلى مجلس الملك النمرود، ورأى سيدنا إبراهيم أن هذه فرصة أخرى ليقيم على قومه الحجة وبطلان ما يعتقدون، وليظهر لهم بأنها لم تملك نفعًا ولا ضرًا ولا تغنى عنهم شيئًا.
وبدأت محاكمة سيدنا إبراهيم.. وأصدر القوم الحكم بإحضاره، ومحاكمته أمام الناس، وأحضروا إبراهيم، وأوقفوه، وجمعوا له الناس ليروه بأعينهم وينظرون إليه، وليزدادوا كرهًا له، لأنه هو الذى حطم آلهتهم، وليشهدوا وليشاركوا فى إصدار الحكم عليه، فكان الملأ من قومه يريدون أن يهيجوا الناس على إبراهيم، وأن يجندوهم ضده، وأن يشركوهم فى إدانته وعقابه، فقد هجموا عليه متهاجين صاخبين مسرعين، وهيجوا الآخرين معهم، وأسرع الجميع إليه يزفون. 
ولم تنفع مناقشة سيدنا إبراهيم عليه السلام، فلم يستطع استخدام العقل والموضوعية، أن تقنعهم بأنهم على خطأ، فلم يفلح معهم المنطق أو الحجة، واستمروا فى عنادهم وهجومهم، فلم يستمع القوم لمنطقة الموضوعي، وأصروا على محاكمته، وأرادوا اعترافه بارتكاب الفعل، ليدينوه باعترافه ويعاقبوه، لكن إبراهيم تغلب عليهم بمنطقه وحجته وبرهانه، وبدل أن يحاكموه حاكمهم هو، ورغم أن سيدنا إبراهيم فوت عليهم الفرصة فى أن يعترف على نفسه، وبيَّن لهم بالحجة والمنطق بأنه على صواب، ورغم أنهم تيقنوا جيدًا من حجة ومنطق إبراهيم، إلا أنهم كذبوا أنفسهم من جديد، ليعود سيدنا إبراهيم ويسألهم وهو فى قمة انتصاره عليهم كيف تعبدون هذه الأصنام الضعيفة العاجزة؟ وها هى أمامكم محطمة مكسرة، فلو كانت آلهة لدافعت عن نفسها، وإذا كانت عاجزة عن جلب نفع لها أو دفع ضرر عنها، فهل تقدر على جلب نفع لكم؟
ورغم نجاح حجة سيدنا إبراهيم إلا أن قومه قد أصدروا حكمهم الجائر بحرقه بالنار، ولكن الله أنجاه منها وجعلها بردًا وسلامًا عليه، فأعدوا له جحيمًا من نار مشتعلة، وأقاموا بناءً خاصًا، وأن يكون ممتلأ بالنار، ثم يلقى فيه، وهم فوقه على حافة البناء يتفرجون عليه.
ولما اشتعلت النار فى بنيانهم وجحيمهم، أخذوا إبراهيم وألقوه فيها، ولم يستنجد إبراهيم عليه السلام بأحد من البشر، ولم يتوسل إلى الظالمين من قومه، ولم يتخل عن الحق الذى معه، فقد لجأ إلى الله وحده لا شريك له، فهو القوى القادر القاهر، فدعاه واستنجد به وفوض أمره إليه، وتوكل عليه، فقد سلب الله نارهم وجحيمهم خاصية الإحراق، وجعلها مجرد نار شكلية خارجية ظاهرية، لكنها لا تحرق، وبعدما هدأت النيران، خرج إبراهيم منعمًا سعيدًا سالمًا راضيًا، ولم يمسه سوء، ولم يصيبه أذى.