الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

ميكنة المحاكم.. حلم مشروع يحتاج إلى استكمال.. مراقبون: تمنع الفساد وتقلل الزحام وتقضي على الروتين.. محامون: بدونها المواطن يلف "كعب داير".. خبراء: السعودية والإمارات نماذج عربية رائدة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم الخطة المعلنة، من وزارتى العدل، والتخطيط والإصلاح الإداري، بشأن ميكنة المحاكم والنيابات، على مستوى الجمهورية، والجهد المبذول، إلا أن البنى التحتية للمحاكم، والقوى البشرية العاملة فيها، لا تزال تسير بخُطى بطيئة «بعض الشيء».
فملايين المصريين ينتظرون اكتمال مشروع «الميكنة»، للتغلب على مشاكل البيروقراطية، خاصة أنه سيكون بمثابة خطوة مهمة للقضاء على الفساد والمحسوبية والروتين، بحسب الخبراء، الذين أكدوا أن النظام الجديد، حال تطبيقه، سيسمح بأن تكون أوراق القضية متاحة عبر الإنترنت، لأطراف العملية القضائية، ولن تكون هناك حيلٌ للتلاعب بأطراف النزاعات القضائية.
خالد عبدالفتاح، مواطن مصري، صدر ضده حكم قضائي، وعندما أراد عمل استئناف على الحكم الصادر، وجد أن الأمر ليس بالسهل، وأنه يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، فى جمع المعلومات الخاصة بالقضية، وبالحكم الصادر ضده، فى أكثر من مكان، قائلًا: «المحاكم مرمطة، وده الوضع السائد»، على حد قوله. ويطالب «عبدالفتاح»، بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة للتخفيف عن المواطنين، داخل المحاكم، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات صعبة، ولا يسلم فيها أى مواطن من الروتين والعراقيل، واصفًا إياها بأنها «سبع دوخات».
خالد عبدالفتاح، ليس الوحيد، الذى يعاني، فهناك الكثير من المعاناة، التى رصدتها «البوابة»، داخل إحدى الدوائر التابعة لمحكمة الأسرة، وهو ما تؤكده «نسمة أحمد»، وهى سيدة كانت لديها قضية بمحكمة الأسرة، ورغم صدور الحكم لصالحها، إلا أن المحامى أبلغها أن الحكم يحتاج إلى وقت، حتى يتم تسجيله رسميًا، والحصول على نسخة معتمدة منه. وقالت «نسمة»، لـ«البوابة»، إنها واجهت العديد من الصعوبات والمعوقات، وعندما طلبت من المحامى سرعة تسجيل الحكم، أخبرها بأن الأمر ليس بيده؛ مطالبةً بإيجاد آليات من شأنها التسريع من عملية التقاضي، وفى مقدمتها عملية الميكنة، التى تم الإعلان عنها منذ أعوام. و«ميكنة المحاكم فى مصر» حلمٌ طال انتظاره وذاع صيته فى مصر، خلال الفترة الماضية، فى ظل توجه الدولة نحو التوسع فى استخدام التكنولوجيا، فى التعامل الإلكترونى بصورة عامة، ليطول قطاع المحاكم، فى ظل تطبيقه فى الدول الأجنبية، والكثير من الدول العربية.

فى ٢٣ يونية ٢٠١٥؛ اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسي، مع وزير العدل السابق المستشار أحمد الزند، للحديث عن ميكنة النظام القضائي، ووقتها استعرض «الزند» ملامح تطوير المنظومة القضائية؛ منوهًا إلى توجه الوزارة نحو ميكنة عملية التقاضي، والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، وذلك لتلافى سلبيات التعامل الورقي، فى القضايا من خلال النظام التقليدي، حيث أكد وقتها على ميكنة ١٠ محاكم. وخلال الفترة الأخيرة؛ صرح المستشار محمد حسام عبدالرحيم، وزير العدل، خلال كلمة له، على هامش افتتاح أحد مشاريع الجيل الثانى من ميكنة المحاكم، بأن مشروع الميكنة يتيح العمل على تطبيق منظومة متكاملة للتقاضى الإلكتروني، من خلال السماح للمتقاضين بالاطلاع على سير إجراءات التقاضى فى الدعاوى الخاصة بهم، عبر الموقع الرسمى لوزارة العدل، الأمر الذى يتيح منظومة قضائية تكنولوجية موحدة، تسهم فى تحقيق العدالة. وفى عام ٢٠١٨؛ أعلن المستشار علاء محمود، مساعد وزير العدل لقطاع التطوير التقنى ومركز المعلومات القضائي، عن ميكنة ٤٦ محكمة، على مستوى الجمهورية؛ مشيرًا إلى أن ميكنة المحاكم استغرقت ٣ سنوات كاملة، لميكنة جميع إجراءات الدعوى، بداية من قيدها وتداولها، حتى الحكم فيها، ثم حفظها، وهو الأمر الذى حاز على استحسان الكثير من القضاة والمحامين.

ويتيح نظام ميكنة المحاكم للمتقاضين، الاطلاع على سير إجراءات التقاضى فى الدعاوى الخاصة بهم، من خلال الموقع الرسمى لوزارة العدل، على شبكة الإنترنت، الأمر الذى يقلل المشاكل المتصلة بالروتين، والزحام على المحاكم، وغيرها من المعوقات الأساسية الخاصة بالتعامل التقليدي.
ورغم بدء العمل بنظام الميكنة، داخل العديد من المحاكم، إلا أن هذا لم يتم تفعيله على مستوى الجمهورية حتى الآن، حيث لا تزال العديد من المحاكم تعتمد على النظام القديم، مثل: بعض محاكم الأسرة، والمحاكم داخل الأقاليم المختلفة.
تشير الأرقام المعلنة من وزارتي: العدل، والتخطيط والإصلاح الإداري، فى نوفمبر ٢٠١٨، إلى أنه تم ميكنة ٥٨ محكمة، فى: القاهرة، الإسكندرية، الإسماعيلية، السويس، بورسعيد ومطروح، إضافة إلى ميكنة ٢٥٥ نيابة، فى: القاهرة، الإسكندرية، الإسماعيلية، السويس، بورسعيد، مطروح، البحيرة، الشرقية، الدقهلية، شمال سيناء، جنوب سيناء، الفيوم، بنى سويف، قنا، الأقصر، أسوان، البحر الأحمر، والجيزة، كما تم ميكنة ٧١ قسم شرطة، فى: القاهرة، الجيزة، الإسماعيلية، بورسعيد، السويس، مطروح، والإسكندرية. وتوضح هذه الأرقام، أن المحاكم التى تمت ميكنتها، شملت: ٢٩ محكمة ابتدائية، إضافة إلى محكمة النقض، و٨ محاكم استئناف، و١٩ مأمورية استئناف، تتبعها ٧٠ محكمة جزئية. وحتى يناير الماضي، ارتفع عدد المحاكم التى تمت ميكنتها لتصل إلى ٩٦ محكمة فقط، من أصل ٤٠٨ محكمة، مستهدف الانتهاء من ميكنتها، ضمن مشروع ميكنة المحاكم، وهو ما يعزز القدرة التنافسية لمصر، فى مؤشر التنافسية العالمية، نظرًا لما تحققه الميكنة من القضاء على بطء التقاضي.
وائل نجم، المحامى بالنقض والدستورية العليا، يرى أن الأوراق والملفات المكدسة فى أرشيف المحاكم، تمس حقوق وأرواح المواطنين، ولهذا فمن الضرورى إنجاز مشروع الميكنة، فى ظل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية؛ مشيرًا إلى أن ميكنة المحاكم أصبحت ضرورة، للقضاء على مشكلات كثيرة، ومنها بطء التقاضى وتكدس أروقة المحاكم بالقضايا. وقال «نجم»، إن الميكنة، ستسهم فى سرعة الإجراءات، وإنجاز مصالح المواطنين، وحصولهم على حقوقهم فى أسرع وقت ممكن، خاصةً فى ظل الكم الهائل من الملفات، التى يتم حفظها بطريقة غير لائقة، نظرًا لكثرتها، وعدم وجود مكان مناسب لحفظها. وأضاف، أن هذا يؤدى إلى تلف الأوراق، وفى بعض الأحيان إلى ضياعها، خصوصًا بعد تعرُض الكثير من المحاكم، إلى التخريب والحرائق، والعمليات الإرهابية، أيضًا، الأمر الذى أدى إلى تلف آلاف الملفات؛ موضحًا أن النظام التقليدى فى حفظ الملفات، وتركها بصورتها الورقية، يمكن أن يؤدى إلى سهولة التلاعب بالأوراق والمستندات.
وتابع «نجم»، بأن يجب ميكنة الجهاز الحكومى كاملًا، وليس المحاكم فحسب، وأن بعض المحاكم بدأت فى تطبيق الميكنة بالفعل، مطالبًا بتعميم الفكرة على جميع المحاكم، وميكنة جميع إجراءات الدعوى، لإرساء دعائم العدالة الناجزة، والتى تدخل ضمن أهداف استراتيجية التنمية المستدامة، رؤية مصر ٢٠٣٠. ولفت، إلى أنه فى ظل عدم تطبيق الميكنة، ستتأخر مصالح المواطنين، حيث سيلف المواطن «كعب داير»، بين المحاكم، وربما يكون الاستماع إلى الحكم داخل محكمة أخرى، غير محكمة إعلانه؛ مشيرًا إلى أن الرشوة قد تكون، أحيانًا، هى وسيلة المواطن المتاحة للحصول على المعلومة من الموظف.

الخبير فى القانون الجنائي، الدكتور عماد الفقي، عميد كلية الحقوق بجامعة السادات، يرى أن المحاكم المصرية كلها، بحاجة إلى التطوير، وليس محاكم القاهرة فقط، والتى هى أفضل حالًا من محافظات الأقاليم، التى تعاني بصورة كبيرة، فعلى سبيل المثال توجد محكمة بأحد الأقاليم، وسط المناطق السكنية، وهو الأمر الذى تترتب عليه مشاكل تتعلق بالعمل القضائى فى مصر، والذى يعمل على تحقيق العدل، وهو ما يشير إلى أن مرفق المحاكم بحاجة لمن ينصفه.
ولفت «الفقي»، إلى أن الميكنة غير مطبقة فى السواد الأعظم داخل المحاكم، فالقضية وأوراقها تكون عند الموظف بالمحكمة، بينما يُقصد بالميكنة أن تكون القضية متاحة عبر الإنترنت للأشخاص المتصلين بالقضية، وهو ما يطبق داخل الدول المتقدمة، التى تطبق الميكنة، بحيث يكون كل فرد أو طرف فى الدعوة القضائية مطلعًا على مجريات القضية، ويكون له حق الاطلاع على مراحلها.
ويشير الدكتور باهر الحضري، خبير القانون التجاري، إلى أن أرشيف القضايا بالمحاكم، يُعد أخطر مشكلة تواجه المحاكم، التى لم تُفَعِّل نظام الميكنة، حيث تواجه الأرشفة مشاكل عديدة، بسبب زيادة عدد القضايا، التى يتم بحثها، والتى تجعل أرشفتها الورقية أمرًا مرهقًا، ويحتمل ضياع الكثير من الورق، فعلى سبيل المثال، يوجد فى مصر حوالى ٦٠ مليون قضية، وهو رقم ضخم جدًا، يصعب أرشفته.
وقال «الحضري»، إن هذا يجعل هناك إمكانية لضياع الورق، وبالتالى حدوث مشاكل تتعلق بتحقيق العدالة، لأن ضياع الورق، يعنى ضياع أصول مستندات، من حق أى متقاضى الحصول عليها؛ لافتًا إلى أن الأرشفة مشكلة موجودة داخل المحاكم الابتدائية والاستئنافية، وحتى دار القضاء، وهو ما يجعل حلها أمرًا ضروريًا.
ولفت، الخبير فى القانون التجاري، إلى أنه يجب الاحتذاء فى ملف الميكنة، بدول أخرى، على غرار المملكة العربية السعودية، أو دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تتم الأرشفة إلكترونيًا؛ بدايةً من كود الدعوة القضائية، وحتى انتهاء القضية، وهو ما يغنى عن ضياع الوقت، ويجعل هناك مرونة.


أما الخبير القانوني، الدكتور عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات القانونية والسياسية، فيرى أن نظام الميكنة، هو إحدى استراتيجيات رؤية ٢٠٣٠، الخاصة بتحقيق التنمية المستدامة، ومواجهة الفساد، خلال عام ٢٠٣٠، بحيث تلبى احتياجات الحاضر دون المساومة، أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.
وقال «عامر»، إن التنمية المستدامة ترتكز على ضرورة وجود توازن بين الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، عند وضع الاستراتيجيات والخطط اللازمة لتلبية الاحتياجات المستقبلية، وهو ما يتحقق فى ظل وجود نظام تقاضى متقدم وعادل، قائم على التكنولوجيا لمواجهة الفساد، فى مجتمع قائم على العدالة والاندماج الاجتماعي، والمشاركة ذات نظام أيكولوجى متزن ومتنوع.
وأشار رئيس مركز المصريين للدراسات القانونية والسياسية، إلى الفوائد الجمة، التى تتمثل فى سرعة الحصول على الخدمات والأحكام، وتلافى الأخطاء البشرية، والناتجة عن العنصر البشري، علاوةً على الدقة فى تنفيذ الأحكام والقضايا المتنوعة؛ موضحًا أن الميكنة بدأت فى مصر، قبل أعوام، وتحديدًا فى عام ١٩٩٨، داخل محكمة استئناف القاهرة، ونجحت الفكرة خلال هذا الوقت.
ولفت «عامر»، إلى أن الميكنة موجودة داخل المحاكم الابتدائية، التى تعد الأكثر تطبيقًا للميكنة، كما توجد بوابة إلكترونية خاصة بمحكمة النقض، يمكن من خلالها الحصول على الأحكام القضائية، من خلال الإنترنت، ورغم هذا فإن هناك حاجة لتفعيل الميكنة، على نطاق جميع المحاكم، خاصةً الجزئية؛ مشيرً إلى أن قرار ميكنة منظومة التقاضى تنفذه وزارة الاتصالات.
رغم إقرار الحكومة الإلكترونية فى مصر، منذ ما يقرب من ١٨ عامًا، ورغم مرور حوالى ١١ عامًا، على التاريخ المحدد مسبقًا، لميكنة جميع الخدمات الإلكترونية، من قبل الحكومات المتعاقبة، إلا أنه لا يزال هناك العديد من القطاعات والمؤسسات الحكومية، التى لم تطبق الميكنة، حتى الوقت الحالي.


من جانبه؛ أثنى المستشار محمود علاء الدين رمضان، مساعد وزير العدل لقطاع التطوير التقنى ومركز المعلومات القضائى، على تطور علم التكنولوجيا والحاسوب بشكل كبير، خلال السنوات الماضية؛ مؤكدًا أنه إيمانًا من وزارة العدل بتلك الأهمية، تم إنشاء قطاع التطوير التقنى ومركز المعلومات، بموجب قرار المستشار وزير العدل رقم ٦٨٦٩ لسنة ٢٠١٥، بهدف بناء منظومة قضائية تكنولوجية موحدة. وقال «رمضان»، فى كلمة له منشورة على الموقع الرسمى لوزارة العدل، عبر شبكة الإنترنت، إن الهدف من هذا هو ضمان بيئة تتكامل فيها أعمال الجهات القضائية المختلفة، مع بعضها البعض، فى فترة زمنية قصيرة، وهو الأمر الذى يؤدى إلى إحداث طفرة فى مستوى أداء كل الأطراف، وتقديم خدمات تناسب طموح المتقاضين، وإعداد برنامج قومى موحد لإجراءات التقاضى لجميع محاكم الجمهورية، بأنواعها ودرجاتها، لتحويل منظومة التقاضى للميكنة، وهو ما يسهم فى تحقيق العدالة الناجزة.
وتوجد العديد من أسباب انخفاض وتيرة ميكنة خدمات المحاكم فى مصر، إلى جانب الثقافة العامة، حيث يعد استخدام الإنترنت فى الخدمات أمرًا جديدًا على المواطنين، فضلًا عن انشغال وزارة العدل فى ترميم وتطوير الكثير من المحاكم، التى سبق حرقها، خلال الانفلات الأمني، وهو ما جاء فى إعلان الوزارة عن خطة منذ ٢٠١٦ لترميم المحاكم، حيث تم تخصيص ٨٠٠ مليون جنيه لترميمها، على غرار محكمة جنوب القاهرة، ومجمع الجلاء، ومجمع نيابات الجلاء. وبحسب البيانات الرسمية، الصادرة من المسئول التقنى لوزارة العدل؛ فإن هناك نظامين لميكنة المحاكم، أحدهما نظام للأرشفة، والثانى لربط المحاكم إلكترونيًا، وربط تطبيقات المحاكم، وتطبيقات النيابة العامة، بما يعمل على إحالة القضية، واستقبال قرار النيابة العامة، بشكل مميكن.

فيما يرجع الدكتور عادل عبدالمنعم، خبير تكنولوجيا المعلومات، بطء خدمات الإنترنت وضعفها، واحتياج الميكنة إلى تكاليف مادية كبيرة، من أبرز الأسباب التى تؤدى إلى وجود تباطؤ فى عملية ميكنة الخدمات القضائية فى مصر.
ولفت «عبدالمنعم»، إلى أن تطوير قطاع الاتصالات، سينعكس بالطبع على مستوى الخدمات الحكومية، التى يحظى بها المواطن، ويأتى هذا بالتضافر مع تطويع وتسهيل العملية، من خلال وجود إرادة سياسية لهذا، وهو ما بدأ بالفعل على أرض الواقع، عبر اتجاه الدولة لميكنة الخدمات؛ مشيرًا إلى أن الميكنة هى المآل الحتمى لتطوير النظام الادارى فى مصر، الذى يحتاج إلى هذا النوع من الخدمات.