الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حواديت عيال كبرت «61».. صديقي ونعيمة ونزار والحب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان صديقي قد فقد شعره واحدة تلو الأخرى؛ حتى باتت رأسه جرداء لا زرع فيها ولا ماء وهو على مشارف الأربعين؛ إلا أن قلبه كان ما زال طفلا صغيرا يبحث عن الحب؛ ويختلق حكايات كثيرة يضع فيها نفسه موضع «الدنجوان» حتى وصل به الحال أن يحفظ كل قصائد «نزار»؛ ذلك الأمر أعطاه فرصة لأن تنجذب إليه بعض الفتيات؛ إلا أنه ما زال يحرص على عادته اليومية.. وهي أنه يرسل خطابات بريدية للكثير من الفتيات؛ الغريب أنه لم يكن يضع عناوين على تلك الخطابات فقط اسمه وعنوانه كراسل؛ احتارت هيئة البريد في الأمر.. واستهوى الأمر أحد الموظفين فبات يفتح الخطابات ويقرأها.. لا أعرف إذا كان أحس بلوعة صاحبنا فأراد أن يساعده؛ أم أنه مثله ومثل الكثير يبحث عن الحب ولم يجده؛ أو أنه من ذلك الفصيل الذي يقول على كل شعور «قلة أدب»، المهم في الأمر أن موظف البريد بعدما قرأ أحد الخطابات وضع عليه عنوانا للوصول؛ وكان صديقي بعد أن افتتحه باسم الحب وسطره بـ«أجاهد قلبي ليكتم حبك فيبدي العلامة بعد العلامة».. واختتمه بأمات الحب عشاق وحبك أنت أحياني.. ذيله باسم حازم بيه صاحب شركة عقارات، ومع أنه كان «دبلون صنايع»؛ إلا أنه لم يستطيع كبح جواد خياله؛ بعد أسبوعين جاءه رد أول خطاب له في حياته.
كان أمرا عجيبا فلكم أرسل من خطابات على مر السنوات؛ أخيرا وجد ضالته.. أخيرا اهتدى لحبيبته التي لا يعلمها.. أخيرا تعاطفت معه الحياة.
لمع رأسه وحاول أن يغطي أكبر قدر من مساحة الصلع؛ وخلع الجلباب وارتدى قميص وبنطال؛ وأخذ يبحث عن حذاء فلم نجد أمامنا غير «بنص» كان قد اشتراه صديقنا؛ حشوناه أوراق لنضبط المقاس وانطلقنا إلى حيث الميعاد.. تواريت ووقف هو يردد بعضا من قصائد «نزار».
من بعيد هلت علينا الفتاة.. أطول منه قليلا لا بأس.. نحيفة.. أردد أنا له من خلف الجدار لا بأس.. يبدو أنها سمراء اللون.. أقول له لا بأس السمار نصف الجمال.
عشر دقائق ونحن على هذا الحال حتى اقتربت وسمعته يصرخ: ده نعيمة الوحشة جارتنا في الغيط.. التفت ولم أتمالك نفسي من الضحك.. وصديقي يردد «أسألك الرحيل».. حكت نعيمة عن حازم لكل العيال ولم تزال تحكي حتى كتابة هذا المقال.. لكن صديقي كف عن كتابة الخطابات وأدرك أن الحب لا يحتاج ساعي بريد.. لا يحتاج إلحاح ومراسلات.. لا يغريه حفظ الكلمات ولا الأشعار.. الحب صاحب قرار.. يهب نفسه لمن يشاء.. لا يحب من يتسوله.. بل يبهره من يطلبه بإباء.. فلا تكونوا ضعفاء في طلب الحب.. هكذا كانت وصية صديقي الأخيرة قبل أن يتزوج «نعيمة جارته في الغيط الذي رأى في روحها شيئا جميلا».