الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"بتروتريد".. والسخرة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جانب كبير من المشكلات الأساسية بشركة الخدمات التجارية البترولية «بتروتريد» يرتبط بوجود لائحتين للعمل يتم بموجبهما تحديد أساس الأجور ونسب الأرباح وحوافز الإنتاج للعاملين.

فى بداية تأسيس الشركة مطلع الألفية الجديدة تم وضع لائحة احتوت على العديد من المزايا المالية، وقد تم تعيين موظفى وعمال الشركة وفقًا لبنودها، وفى منتصف العقد الماضى تقريبًا ومع تشغيل المزيد من العمالة وجدت إدارة الشركة نفسها مضطرة إلى وضع لائحة جديدة تعطى العاملين مزايا مالية تقل عن سابقتها بنحو ٥٠٪.

ولأن الأنشطة التجارية المرتبطة بقطاع البترول كانت الهدف الرئيسى من إنشاء الشركة، لم تتم مراعاة نسب الموظفين الإداريين من أصحاب المؤهلات العليا إلى العمال والفنيين من أصحاب المؤهلات المتوسطة، وبعد التوسع فى مد خدمات الغاز الطبيعى إلى المنازل والمنشآت الصناعية، واجهت إدارة الشركة عجزًا كبيرًا فى عدد المحصلين المعينين بها، والذين من المفترض بموجب القانون ولائحة العمل أن يكونوا من حملة المؤهلات المتوسطة أو فوق المتوسطة.

وكانت المجاملات لأقارب أعضاء مجلس الشعب، وكبار المسئولين بالدولة، سببًا رئيسيًا فى أن تقل نسب أصحاب المؤهلات المتوسطة المعينين بالشركة عن حاجة العمل فى مجال التحصيل ولتتراوح ما بين ٢٥ و٣٠٪ أو أكثر قليلًا بالنسبة لإجمالى الموظفين والعاملين.

قبل العاملون سواء الذين تم تعيينهم وفق معايير الكفاءة والمهارة، أو أولئك الذين عينوا بقوة دفع الوساطة والمحسوبية، بالعمل على اللائحة الجديدة فى ظل وجود زملاء لهم عينوا على اللائحة القديمة ذات المزايا المالية الأعلى، لكن هذه الحالة من الرضى لم تدم سوى بضع سنوات، فقد زادت الأعباء على المحصلين بعد اتساع رقعة خدمات الغاز الطبيعى، ووجد عمال التحصيل أنفسهم يتقاضون حوافز إنتاج وأرباحًا تقل بكثير عن زملائهم، الذين سبقوهم للعمل بالشركة وفق اللائحة القديمة رغم ضخامة الجهد الذى يبذلونه.

فى ذات الوقت بدأت الشركة تجبر الموظفين الإداريين من أصحاب المؤهلات العليا على العمل فى مجال تحصيل الفواتير، وهو ما يُخالف القوانين ولوائح العمل التى تقرها الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»، حتى تتمكن من تغطية العجز فى القوة البشرية المطلوبة للعمل فى مجال التحصيل، لكى ترفع من مستوى كفاءتها فى تحصيل فواتير الاستهلاك الشهرية.

قبل ذلك بسنوات قليلة ونتيجة لتدهور خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية وقيام إدارة الشركة بصرف فائض الميزانية كأرباح لكبار الموظفين بها، نظم آلاف العمال عدة اعتصامات قدر عدد المشاركين فيها بنحو ١٦ ألف عامل، واستمرت فعالياتها ما بين عامى ٢٠١٥ و٢٠١٧، حينها طالب العمال بالمساواة مع كبار الموظفين فى صرف أرباح فائض الميزانية، وتوفيق أوضاعهم على اللائحة القديمة ذات المزايا المالية الكبيرة، وإضافة عامين من فترة التعاقد إلى مدة العمل علاوة على تحسين برامج الرعاية الصحية والاجتماعية.

لم تستجب إدارة الشركة سوى لمطلب تحسين برنامج الرعاية الصحية وقامت بتوفير خدمات صحية جديدة لا يزال العمال يرونها دون المستوى، فيما رفضت الاستجابة لباقى المطالب وإن كانت قد امتنعت فى السنوات اللاحقة عن صرف أرباح فائض الميزانية لكبار المسئولين.
بعد سلسة من الوعود بتوفيق أوضاع العمال الوظيفية والنظر فى مسألة مساواتهم مع زملائهم المعينين وفقًا لللائحة القديمة هدأت الاعتصامات وانتظر العمال خطوات إيجابية تتخذها إدارة الشركة نحو مطالبهم العادلة حرصا منهم على مصلحة الشركة العليا خاصة بعد تكبدها خسائر قدرت بنحو ١٠٠ مليون جنيه بسبب إضراب ما يقرب من ٩٠٪ من عمالها.
من الناحية العملية ليس بوسع الشركة مساواة جميع العمال وتمكينهم من المزايا المالية التى تمنحها اللائحة القديمة، كما أنها لا تستطيع حرمان الموظفين القدامى من المزايا التى اعتادوا الحصول عليها، علاوة على عدم استطاعتها إضافة سنتين من فترة التعاقد قبل التعيين لما يترتب على ذلك من التزامات مالية قد لا تتمكن من إيفائها.
وبدلا من البحث عن حل جذرى للمشكلة لجأت إدارة الشركة السابقة إلى ما يمكن تسميته بمنهج السخرة فى تشغيل عمالها، حيث بدأت تجبر أصحاب المؤهلات العليا على العمل فى مجال تحصيل الفواتير دون الحصول على موافقتهم طبقًا للقانون، وراحت تتوعد كل من يرفض، بالنقل والفصل والحرمان الكامل من حوافز الإنتاج والأرباح، ليس ذلك فحسب بل جرى إجبار أصحاب الحالات المرضية على مواصلة العمل رغم التقارير الطبية الصادرة من مستشفى الشركة القابضة للغازات الطبيعية الذى يوصى إما بالراحة وإما بالتكليف بأعمال خفيفة.
وهناك العديد من الحالات التى تم التعسف فى حقها بالإيقاف عن العمل أو الفصل النهائى ليكونوا عبرة لزملائهم، من بينها حالة المحامى والإخصائى القانونى خالد سعد الدين عبدالودود الذى أشرت، فى هذه الزاوية، إلى تفاصيل ما جرى معه من وقائع انتهت بالفصل، ونتج عن ذلك تشريد أسرته ودخوله فى عدة أزمات أدت إلى إصابته بمرض فى القلب.
ولدينا عشرات الحالات التى ينتظرها مصير المحامى خالد لن نفصح عما نمتلك من وثائق ومستندات تخصها خشية التعجيل بقرار فصلها، فى ظل وجود قرار إدارى لمساعد رئيس الشركة للشئون الإدارية عادل حسين يتوعد العمال بالفصل والملاحقة الجنائية حال قيامهم بقصد أو دون قصد بالتفاعل مع صفحات التواصل الاجتماعى الخاصة بشركة «بتروتريد» والتى تنشر مشاكل العمال ومعاناتهم وجانب من المخالفات المالية والإدارية الجسيمة التى كشفت عنها تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات.
ليس مقبولًا أن يستمر نهج الإدارة بالسخرة لرفع كفاءة الشركة فى مجال تحصيل الفواتير، بينما ملايين الجنيهات تهدر بفعل فاعل طبقًا للتقارير الرقابية، وليس مقبولًا استمرار هذه الأوضاع، بينما مصر تستعد لتكون مركزًا إقليميًا للطاقة.
ونقلًا عن عدد من خبراء البترول بوسع وزير البترول مهندس طارق الملا القضاء على جميع الأوضاع المختلة بتأسيس شركة جديدة تكون مهمتها تحصيل فواتير الغاز تتم فيها مراعاة نسب العاملين فى الوظائف الإدارية إلى المحصلين، لتتفرغ شركة «بتروتريد» لتقديم كل الخدمات التجارية والتى تشمل تسويق منتجات مصر البترولية، وتنظيم المعارض المحلية والإقليمية والدولية لتسويق أنشطة شركات قطاع البترول المختلفة، وذلك اسوة بما فعله وزير البترول الأسبق سامح فهمى الذى أسس عدة شركات وطنية فى معظم المجالات التى يحتاجها قطاع البترول من إنشاءات هندسية واستشارات فنية، وأخرى لإنتاج الطرمبات، وحتى ملابس العاملين فى حقول البترول والغاز، وصولًا إلى إنشائه شركة «بتروسبورت» الرياضية.. ولحين إنشاء شركة خاصة بتحصيل فواتير الغاز بوسع الوزير الاستعانة بإحدى الشركات الخاصة للعمل فى هذا المجال أسوة بتجربة وزارة الكهرباء.