الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

وثائق تفضح تشكيل "إخوان تونس" تنظيما سريا لاختراق المؤسسات الأمنية

 حركة «النهضة» التونسية
حركة «النهضة» التونسية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يجمع معلومات عن الصحفيين.. ويرتبط بـ«أنصار الشريعة».. ويحاول استقطاب القضاة ويتتبع العسكريين والتعاون مع الجماعة الأم فى مصر 
ماهر قعيدة: «الإرهابية» ساعدت 10 آلاف تونسى على الذهاب إلى سوريا عبر الجهاز الخاص

تواجه حركة «النهضة» التونسية، المحسوبة على «الإخوان»، أوقاتا عصيبة هذه الأيام، على خلفية إعلان الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى نهاية التوافق بينه، وبين الحركة، وتجدد الاتهامات لها بالمسئولية عن قتل المعارضين اليساريين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى فى ٢٠١٣.
ويبدو أن الأسوأ لا يزال بانتظار الحركة، إذ فشل رهانها على تفاقم الانشقاقات داخل حزب «نداء تونس»، الذى يقود الائتلاف الحاكم فى البلاد، بعد نجاح الحزب فى تجاوز أزمته الداخلية سريعا، بل واصطفاف أحزاب، أبرزها «الاتحاد الوطنى الحر»، مع دعوته لتغيير حكومة يوسف الشاهد، التى تدعمها النهضة.
وجاءت العملية الانتحارية، التى نفذتها امرأة قرب دورية أمنية فى شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية فى ٢٩ أكتوبر، والتى أسفرت عن إصابة ٢٠ شخصا بينهم ١٥ من رجال الأمن، لتضاعف من مأزق النهضة، فى ظل اتهامات البعض لها بأنها السبب الرئيس فى تزايد العمليات الإرهابية فى البلاد، لأنها عندما قادت أول حكومة بعد ثورة ٢٠١١، لم تكن جادة فى ردع الجماعات السلفية المتشددة، ما شجع هذه الجماعات على تحدى سلطة الدولة ورفع السلاح فى المناطق الغربية من تونس على طول الشريط الحدودى مع الجزائر.
ولم يستبعد البعض أيضا أن تنقلب الطاولة تماما على «النهضة» وتخسر الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة فى تونس، فى حال نجحت الجبهة الشعبية المناوئة لها، فى تقديم أدلة قوية تثبت وجود تنظيم سرى داخل الحركة، يسعى إلى اختراق المؤسستين العسكرية والأمنية، وتشكيل قوة أمنية موازية.

ففى ٤ أكتوبر ٢٠١٨، عقدت هيئة شكلتها الجبهة الشعبية لمتابعة قضية اغتيال شكرى بلعيد ومحمد البراهمي، مؤتمرا صحفيا فى العاصمة التونسية، أشارت فيه إلى تورط حركة النهضة عبر «تنظيم سري» فى اغتيال هذين المعارضين بعد سنتين على الثورة التونسية وتحت حكم «النهضة»، وكشفت الهيئة عن وجود «وثائق خطيرة» تتعلق بحادثة الاغتيال والتنظيم السرى مودعة فى «غرفة سوداء» بوزارة الداخلية، حسب تعبيرها.
واغتيل بلعيد «٤٨ عاما» المعارض لحركة النهضة وعضو الجبهة الشعبية، بالرصاص فى ٦ فبراير ٢٠١٣ أمام منزله بحى المنزه شمال العاصمة التونسية، ما سبب حينها أزمة سياسية حادة فى البلاد استقال على إثرها رئيس الوزراء القيادى فى النهضة حمادى الجبالي، وبعد ذلك، وتحديدا فى ٢٥ يوليو ٢٠١٣، فوجئ التونسيون باغتيال عضو آخر فى الجبهة الشعبية، هو محمد البراهمي.
وذكرت وكالة «فرانس ٢٤» أن الهيئة المختصة بمتابعة قضية اغتيال بلعيد والبراهمى تحدثت فى مؤتمرها الصحفى فى ٤ أكتوبر عن مضمون الوثائق التى حصلت عليها ولم تكشف مصدرها، ويتمحور فحواها حول دور شخص يدعى مصطفى بن خضر تقول الهيئة إن له ارتباطات بحركة النهضة ولعب دورا فى جمع معلومات ذات طابع استخباراتى عبر «تنظيم خاص» و«سري» تابع للحركة.
وحسب هذه الوثائق، فإن «التنظيم السرى يسعى إلى اختراق المؤسستين العسكرية والأمنية، وأيضا جمع معلومات حول الصحفيين، وله ارتباطات بتنظيم «أنصار الشريعة» المحظور، إضافة إلى علاقات خارجية، كما أن من أدوار هذا «الجهاز الخاص» بناء منظومة أمنية موازية واستقطاب القضاة وتتبع العسكريين، إضافة إلى التعاون مع «الإخوان المسلمين» المحظورة فى مصر، والحصول على معلومات عن المؤسسة العسكرية الجزائرية، ومحاولة اختراق سفارة الولايات المتحدة فى تونس بهدف التجسس.

وأشارت الهيئة إلى أنه تم العثور فى ديسمبر ٢٠١٣ على مجموعة وثائق فى المكان الذى كان يسكنه خضر آنذاك، وأشارت إلى أن جزءا من هذه الوثائق موجود فيما وصفته بـ«غرفة سوداء» فى وزارة الداخلية، داعية إلى فتح هذه الغرفة، وتمكين الهيئة من الاطلاع على ما أودع فيها.
وتساءل عضو الهيئة رضا الرداوى «ألا تستحق هذه الوثائق أن تكون جزءا من ملف شكرى بلعيد؟ ألا تفتح حتى للقضاء؟ فقط حتى لنجزم ما إن كانت هذه الوثيقة أو تلك تابعة للملف».
وأضاف «وزارة الداخلية فى مأزق، لسنا ضد الوزارة ولا نحاول إسقاطها بل نقدم لها مخرجا»، وتابع» المخرج الوحيد المشرف لوزارة الداخلية وقياداتها الحالية هو فتح (الغرفة السوداء)، بحضور النيابة العمومية وقاضى التحقيق المختص».
وبدوره، قال مؤسس حركة «تونس إلى الأمام» ماهر قعيدة لـ«فرانس٢٤»، إنه يعتقد بوجود اختراق لأجهزة الدولة، وأضاف «١٠ آلاف تونسى ذهبوا للقتال فى سوريا، هناك جهاز ساعدهم»، وتابع «لا أدلة ملموسة على صلة هذا الجهاز الموازى المفترض بحركة النهضة، لكن هناك شبهات كبرى، لأن شكرى بلعيد تحدث علنا قبل اغتياله عن وجود عناصر تتدرب على القتال فى جبل الشعانبى فى غرب تونس، فرد الناطق باسم وزارة الداخلية آنذاك التى كان على رأسها على العريض (النهضة)، بالقول إنهم يمارسون الرياضة». واستطرد قعيدة «هذا الرد حينها كان استهزاء بالشعب ونحن شعب ذكي، وسنحارب الخونة ومخترقى أجهزتنا مهما كلف ذلك»، داعيا وزارة الداخلية إلى الشفافية وكشف حقيقة وجود أجهزة سرية موازية، وإخفاء وثائق خطيرة تتعلق باغتيال بلعيد والبراهمي.
وفيما نفت النهضة وجود أى جهاز سرى داخلها، واتهمت الجبهة الشعبية بالاستثمار فى دماء بلعيد والبراهمى للتغطية على فشلها المتكرر فى الاستحقاقات الانتخابية، إلا أنها سرعان ما تلقت ضربة قاصمة جديدة، عندما أعلن «حزب الاتحاد الوطنى الحر» فى ١٤ أكتوبر عن اندماجه مع حزب «نداء تونس»، الأمر الذى ساعد «النداء» على تجاوز أزمته الداخلية، التى تسببت فيها «النهضة» عندما استمالت رئيس الوزراء يوسف الشاهد إلى جانبها، بعيدا عن حزبه «نداء تونس»، بالتلميح أنها ستدعمه فى حال قرر الترشح فى الانتخابات الرئاسية المقبلة فى ٢٠١٩.

ولم يقتصر الأمر على خطوة الاندماج، بل إن حزب «الاتحاد الوطنى الحر»، الممثل بـ١٢ نائبا فى البرلمان، دعا إلى تغيير شامل لحكومة يوسف الشاهد، وهو نفس مطلب «نداء تونس».
وكان الاتحاد الوطنى الحر شريكا فى الائتلاف الحكومى بعد انتخابات ٢٠١٤، لكنه انسحب منه فى ٢٠١٦، وسيسمح اندماجه مع «نداء تونس» بتعزيز الكتلة البرلمانية للأخير بعد موجة استقالات لعدد من نوابه، على خلفية الصراع داخل الحزب بين يوسف الشاهد والمدير التنفيذى للحزب حافظ قايد السبسي، نجل الرئيس التونسي، والذى أدى إلى تجميد عضوية الشاهد فى عضوية الحزب فى ١٤ سبتمبر الماضي، بعد اتهامه بتحريض ثمانية من نواب «نداء تونس»، على الاستقالة والالتحاق بكتلة «الائتلاف الوطني»، التى يتردد أن الشاهد أسسها فى بداية سبتمبر الماضي، وتضم ٣٤ نائبا، وتحظى بدعم النهضة، استعدادا لتشكيل تحالف بينهما فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى ٢٠١٩.
وكان عدد نواب «نداء تونس» يبلغ ٥٥ نائبا، وباستقالة النواب الثمانية تقلصت كتلة الحزب إلى ٤٧ نائبا، فى حين ارتفعت كتلة الائتلاف الوطنى إلى ٤٢ نائبا، بينما «النهضة، صاحبة أكبر كتلة نيابية» ٦٨ من أصل ٢١٧ نائبا فى البرلمان التونسي، وبانضمام ١٢ نائبا من «الاتحاد الوطنى الحر»، ارتفعت كتلة «نداء تونس» إلى ٥٩ نائبا، الأمر الذى أعاد التوازن داخل البرلمان، وحال دون نجاح النهضة والشاهد فى اتخاذ إجراءات أو تمرير قوانين من شأنها مساعدة النهضة فى حسم انتخابات ٢٠١٩ الرئاسية والبرلمانية لصالحها.
ويبدو أن إعلان الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى فى ٢٤ سبتمبر الماضى عن نهاية التوافق بينه وبين حركة النهضة، كان كلمة السر فى هذا التحول لصالح «نداء تونس»، لأن مشاركة النهصة فى تشكيل الحكومة، التى أعقبت انتخابات ٢٠١٤، التى فاز فيها نداء تونس، أغضبت حينها أحزابا علمانية، ودفعتها للانشقاق عن «النداء»، بالنظر إلى الغضب الواسع من ممارسات الإسلاميين عندما كانوا فى السلطة، فيما برر «النداء» الخطوة حينها، بالحرص على الشراكة الوطنية وتجنيب البلاد السقوط فى أتون العنف، إذ اتفقا حينها على تشكيل حكومة تكنوقراط وصياغة دستور حداثي.
وكان السبسى أعلن فى مؤتمر صحفى أن علاقة التوافق التى تجمعه بحركة النهضة انتهت بعد أن فضلت الأخيرة تكوين ائتلاف مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، قائلا: «إن التوافق حقق لتونس استقرارا نسبيا، والآن دخلنا فى مغامرة جديدة، انقطعت العلاقة بينى وبين حركة النهضة بسعى منهم، بعدما فضلوا تكوين علاقة أخرى مع يوسف الشاهد».
وتشهد تونس أزمة سياسية حادة منذ تعليق المشاورات بين القوى السياسية فى ٢٨ مايو الماضى حول «وثيقة قرطاج ٢»، التى ستحدد المسار السياسى والاقتصادى والاجتماعى للبلاد خلال الفترة المقبلة، إذ يطالب «نداء تونس» بتغيير شامل لحكومة يوسف الشاهد، لتجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحادة، التى تعيشها البلاد، ويسانده فى ذلك الاتحاد العام التونسى للشغل، وعدد من الموقعين على وثيقة «قرطاج١»، وهى وثيقة سياسية وقعتها تسعة أحزاب وثلاث منظمات تونسية فى ٢٠١٦، وتضمنت خطوطا عامة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية فى البلاد، بينما تتمسك «النهضة» باستمرار الشاهد، بزعم الحرص على الاستقرار الحكومي، بينما تسعى لاستغلال الإخفاقات الحالية لإضعاف فرص العلمانيين فى انتخابات ٢٠١٩.