الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ليست فتنة!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل حقًّا ما حدث في الخصوص وعلى أعتاب الكاتدرائية كان فتنة طائفية وقعت بين مسلمين ومسيحيين؟
هل يقدِّم المصريون الطبيعيون أنفسهم لبعضهم البعض طبقًا لعقائدهم؟
المؤكد أن ما جرى في الخصوص والعباسية لم يكن فتنة، تمامًا كما أن المصريين الطبيعيين -وهم السواد الأعظم- لا يعرّفون أنفسهم كمسلمين أو مسيحيين.
أقول “,”الطبيعيين“,”؛ لأن الشواذ فقط من يقدمون عقائدهم الدينية على هويتهم الوطنية؛ لذلك لا تقع الفتن في المجتمعات إلا بين الشواذ نفسيًّا، وهؤلاء قلة في مصر، لاحول لهم ولا قوة، ولا يقدرون حتى على حرق شارع واحد.
ما حدث إذن ليس سوى مؤامرة، دبرها أخساء خونة، يعرّفون أنفسهم كأبناء عشيرة واحدة، تشكل هويتهم، وتصنع مصالحهم وجميع ارتباطاتهم حول العالم، ومصر بالنسبة لهم ليست إلا مطية قد تساعدهم على تحقيق أحلامهم المريضة.
إن تأمّل تفاصيل أحداث اليومين الماضيين، سواء في مدينة الخصوص أو أمام الكاتدرائية، يؤكد أننا لسنا بصدد فتنة طائفية، لا سيما وأن الروايات المتواترة حول أحداث الخصوص، والتي أشارت إلى قيام مسلمين برسم وكتابة رموز مستفزة للمسيحيين على جدران معهد ديني إسلامي، ثم اشتعال أحداث الكاتدرائية في اليوم التالي، عبر جماعات ملثمة قامت بمهاجمة المشيعين بالخرطوش والمولوتوف، كل ذلك يؤشر إلى أن الأمر برمته كان مدبرًا ومتفقًا عليه.
ويكفي أنَّ المصريين، سواء في الخصوص أو العباسية، قد حرصوا عقب الأحداث الدامية على تأكيد وحدتهم، إما بالتظاهر سويًّا مسلمين ومسيحيين، كما حدث في الخصوص، وإما بالصلاة معًا داخل محيط الكاتدرائية فجر الإثنين.
كلنا يذكر حادثة كنيسة القديسين بالإسكندرية، وقبلها وبعدها عشرات الحوادث، ومع ذلك لم يعقب واحدة منها قيام مجهولين بمهاجمة المقر الرئيسي للباباوية المرقسية، بل على العكس خرج الشباب المسلم والمسيحي في شبرا عقب فاجعة القديسين في تظاهرات ترفض الحادث، وترفض استغلاله طائفيًّا، ولو أننا شعب مؤهلٌ للفتنة وقابل للقسمة على اثنين، أحدهما مسيحي والآخر مسلم؛ لاندفع آلاف المسلمين إلى شارع ماسبيرو لذبح المسيحيين، بعد ما أذاعه التليفزيون المصري -العامر بالتخلف- من قيام المسيحيين بالاعتداء على ضباط الجيش.
كل حوادث الفتنة كانت مدبرة، ولم يتفاعل معها سوى الشواذ نفسيًّا؛ ولأنهم قلة فسرعان ما كانت تُوأد كل فتنة قبل أن تشتعل.
ويبقى أن نتأمل بعض الحقائق.. وزارة الداخلية، التي تم “,”تدجينها“,” بعد أن تولى أمرها اللواء محمد إبراهيم، “,”المؤتمِر“,” بأمر مكتب الإرشاد، تنشط لحماية مقر المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين بالمقطم ومقرات ذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة، بينما ترفع يدها عن حماية الكاتدرائية أثناء تشييع جثامين ضحايا الخصوص عقب أحداث ساخنة، بل إن شهود العيان يؤكدون أن طلقات الخرطوش وقنابل المولوتوف كانت تقذف على مرأى ومسمع قوات الداخلية.
ولكن الأمر أكبر كثيرًا من هذا الوزير المتأخْوِن، فمهامه تنحصر في وظيفتين أساسيتين، هما تأمين وحماية الفوضى الممنهجة، وتأمين وحماية مقرات الإخوان جماعة وجمعية وحزبًا.
فاستهداف كاتدرائية العباسية بهذا الشكل المنظم كان محاولة جادة لإشعال نيران الفتنة الطافية، وإجبار المصريين الطبيعيين على خوضها، ليس كما قال البعض لمداراة الفشل الذريع لإدارة الرئيس مرسي، وإنما ليتمكن مكتب الإرشاد من تنفيذ مخططاته وكل ما دبره من شر لهذا البلد؛ فالفوضى التي ستحْدِثها فتنة طائفية تمكنه من تفكيك جهاز المخابرات العامة، الذي صوره مرسي كتشكيل عصابي يضم 300 ألف بلطجي -حسب تأكيدات رئيس حزب “,”الوِسْط“,”- بل وتعطي له فرصة لإعادة فك وتركيب مؤسسة القوات المسلحة، بعد إنهاكها وتشتيت انتباهها بين أنفاق حماس وحرائق الفتنة، وفي غضون ذلك كله تستطيع الجماعة تنفيذ مخطط التمكين من ألِفه إلى يائه، وربما تغيير خريطة مصر وإعادة ترسيم حدودها الشمالية في سيناء والجنوبية بعد ضم حلايب وشلاتين إلى السودان، كما فعل حزب الحرية والعدالة بالخريطة التي نشرها على موقعه الإلكتروني، رغم الاعتذار الذي نشره في اليوم التالي، ونفْي المتحدث الرسمي باسم الرئاسة ما كشفه مستشار الرئيس السوداني، عمر البشير، بشأن وعد مرسي بمناقشة ضم حلايب وشلاتين إلى السودان.
فمرسي وعشيرته دأبوا على إطلاق بالونات الاختبار، وإطلاق التصريحات ثم الاعتذار عنها، ويكفي أن مرشدهم السابق، مهدي عاكف، خرج يكذب تصريحاته في صحيفة الجريدة الكويتية حول ضرورة الأخونة لإحداث النهضة وإزاحة 3000 قاضٍ، بينما ينشر موقع الجريدة الإلكتروني نص حوار عاكف مسجلاً بصوته!! أي أن هذه الجماعة اعتادت الكذب بتبجح وقح؛ فهي جماعة “,”لا بتخاف ولا بتختشي“,”؛ لهذا ليس هناك ما يؤكد أن مرسي لم يعد نظيره البشير بحلايب وشلاتين، لا سيما أن الرئيس السوداني في أول الأمر ونهايته “,”أخ“,” من ضمن “,”الإخوة“,” أعضاء التنظيم.
بقي أن أشير إلى أن الرهان كله على الجيش المصري بأجهزة مخابراته؛ لأنه يخسر كلما طال صمته؛ فليس من المفهوم أن لا يخرج المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع ليؤكد أن العقيدة الدفاعية للجيش المصري لن تسمح بالتلاعب في خريطة الوطن.
إن استمرار صمت الجيش وأجهزة المخابرات، تجاه عبث الإخوان بالدولة المصرية، سيدعم ما لدى البعض من تصورات حول وجود اتفاق وتحالف مصالح مشترك بين قادة الجيش وجنرالات الجماعة، وأن مصلحة الوطن قد سقطت من بنود ذلك الاتفاق؛ وذلك يعني أن غضب المصريين لن يأكل تلك الجماعة وحدها، وإنما سيأتي ليشمل كل من ظن أنه تحالف معها ضد المحروسة.. وتلك هي الفتنة الكبرى.