الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الشريك المُخالِف المُعَرْقِل للثورة!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


من التناقضات بحجم الفيل التى يقترفها بعض مثقفينا من أصحاب الصوت العالى فى منابر الخطابة والكتابة والحكايات التلفزيونية أنهم يصخبون بما يرونه صواباً فى لحظة ما ويعتبرونه حقاً مطلقاً وتضيق صدورهم عن تقبل، أو حتى سماع، أية وجهة نظر أخرى، فيسفهون صاحبها وقد يحطمونه نقداً وسخرية، ولا مانع من اللمز والغمز فى نزاهة قصده وصلاح وطنيته!
كان سقف مطالبهم أيام مبارك محدوداً ومُحَدَّداً بتعديل المادتين 76 و77 من الدستور، أى بمجرد إتاحة الفرصة لغير مبارك ونجله فى الترشح للرئاسة، وفى حصر بقاء الرئيس لفترتين فقط، كان كل منهما بالمناسبة 6 سنوات! ولم يجرؤ أحد منهم أيامها أن يطالب بمنع مبارك أو نجله من الترشح بعد التعديل، وكانوا يدينون بشدة من يؤمن بأن الظرف ناضج لتحقيق المزيد ويتهمونه بالتهور والاندفاع وفقدان الحنكة العملية وانعدام الخبرة السياسية والحماقة بطرح أفكار قد تفجر الموقف وتزيد من عناد مبارك، بما ينزل على رؤوس الجميع بكوارث، ويؤدى بالمعارضة جميعاً إلى غياهب السجون..إلخ
وحتى عندما اشتعلت ثورة تونس، كانت تعليقاتهم عاقلة رصينة وقالوا بمنتهى الثقة بالنفس إن تونس غير مصر، وإن ما يجوز هناك لا يجوز هنا، وراحوا يعددون الاختلافات فى بنود لا نهائية منها المستويات الاجتماعية ومعدلات الدخول وحدود الفقر والتفاوت فى مضمون التعليم ونسب الأمية!
ولم يتحرج واحد من هؤلاء وهم يرون طوفان يناير 2011 يجرف كلامَهم الأجوف ويثبت ضحالة إدراكهم السياسى ويؤكد أنهم كانوا على خطأ جسيم عندما كانوا عامل تثبيط لعزيمة أصحاب الفكر الثورى، بل لم يطرف لأحدهم جفن وهو يقفز بمنتهى الرشاقة إلى الناحية الأخرى ويشيد، بذات الصوت العالى والثقة المفرطة فى النفس، بالثورة التى كان يسخر من الداعين لها قبل أيام، بل ويكذب على الناس بأنه كان من المبشرين بها ومن المحذرين لنظام المخلوع من أنها آتية لا ريب فيها! وكان على الجمهور البائس أن يقرأ لهؤلاء ويستمع ويشاهد التحليلات المعمقة التى تشرح قانون الثورة الحتمى وتفسر كيف كانت الثورة لازمة واجبة منطقية سلسة جاءت فى موعدها..إلخ إلخ!
ولم يكتف الأداء الأكروباتى الفذ عند هذا، انظر إلى هؤلاء الآن وقد نفد صبرهم من الثوار وتجاوزوا مطالبهم، وراحوا فى صحوة ثورية لم يُؤهَّلوا لها يرمون السهام فى كل اتجاه فى وقت واحد ودون ترتيب الأولويات، واعتبراوا الرضا عما حدث خيانة للثورة لأنها لا تزال حُبلى بالمزيد، وأن من يقنعون بما تحقق أو ما بات ممكن التحقق كنقطة جيدة للانطلاق هم متقاعسون، ولم يعودوا يقبلون أى شيئ إلى درجة أنهم يرون أن الثورة لم تحقق شيئاً حتى بعد الإطاحة بمبارك ونجله ورجالهما ودستورهم ومشروع التوريث، وبعد الخلاص من حُكم الإخوان وحلفائهم، وبعد إجراء تغييرات عميقة على دستور الإخوان، وبعد حُكم القضاء ببطلان تنظيماتهم، وبعد الاعتماد الرسمى كونهم تنظيماً إرهابياً! وبعد فتح كل ملفات المُحَرَّمات والمطالبة بإعادة هيكلة الداخلية ومراجعة النظر فى كيفية الالتحاق بالقضاء ومناقشة جدوى أن تقوم القوات المسلحة بأنشطة اقتصادية مدنية!
ويتهمون الموافقين على مشروع الدستور بأنهم مُفَرِّطون خائنون للثورة! ويقولون إنهم سيعترضون على مشروع الدستور فى الاستفتاء القادم لأنه لا يفى بالمطالب الثورية! ويكفى، فى رأيهم، أن الدستور يتحدث عن "حكومة" مدنية بدلا من أن يذكر صراحة "حُكم" مدنى! ويتظاهرون ضد قانون التظاهر من الآن ويريدون إلغاءه فوراً لأنهم يرونه موضوعاً لتعويق إجراء انتخابات نزيهة! ويهتفون بسقوط حكم العسكر تواً، لأن خطة العسكر، كما يرون، هى القفز على ثورة الشعب والاستيلاء على الحكم.
ومع اللهفة البادية فى تحقيق كل شيئ دفعة واحدة، إذا بهم يعرقلون القطار بتبنى أكاذيب جماعة الإخوان التى صدرت بحقها أحكام قضائية وقرارات رسمية بأنها تنظيم إرهابى، ويطالب الثوريون الجدد بوجوب تقصى الحقيقة ورصد الانتهاكات فى حقوق الإنسان فيما يحدث مع الجماعة! مع اعتماد أكاذيب الجماعة أن تظاهراتها سلمية، مع تبرئتها من كل الجرائم، بل والتشكيك فى وقوع الجرائم من الأصل! وأما القتلى فى سيناء، وأما تدهور الحال إلى أن يجرى القصف بالذخيرة والقنابل وأن تنفجر السيارات المفخخة فى قلب العاصمة وفى مدن القناة وفى عواصم محافظات الدلتا ، وأما أن يجرى استخدام أسلحة ثقيلة ضد أجهزة الأمن من جيش وشرطة داخل المناطق السكنية لأول مرة فى تاريخ البلاد، وأما أن تُضرَم النيرانُ فى أكثر من 60 كنيسة فى يوم واحد، فكل هذا ببساطة ناتج عن تراخى أجهزة الأمن، دون توجيه بادرة انتقاد إلى من استغل تراخى الأمن لتنفيذ عملياته الإجرامية! وكأن الجرائم تتولد تلقائياً عن التراخى دون مجرمين!!
نحن نعيش الآن تكراراً لما وقع فى تاريخ العالم مراراً، عندما يلتقى أصحاب أقصى خطاب تطرف ثورى مع من قامت الثورة ضدهم، ويصير المتطرفون الثوريون مناهضين للثوار الحقيقيين ومعرقلين لمسار الثورة بأكثر مما يفعل أعداء الثورة السافرون!

ahmadtawwab@gmail.com