الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

نصرالدين كُشيب: فكر الإسلاميين سبب انفصال شمال السودان عن جنوبه

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

· المعارض السوداني نصرالدين كُشيب : الأمين العام للحركة الشعبية: العرب لا يعتبرون السودان دولة عربية ولولا عبدالناصر ما انضم للجامعة العربية
· قوانين سبتمبر للبشير لا تختلف عن إعلان مرسي الدستوري بحثًا عن لقب أمير المؤمنين
· الإخوان في مصر وتونس يكررون سيناريو “,”البشير“,” الذي أهدر دم الشعب السوداني
· الربيع العربي مر علينا منذ فترات طويلة وفرغ أنظمة ديكتاتورية
· الدول العربية لا تهتم سوى ببترول وغذاء وذهب وحيوانات السودان وتتجاهل شعبه
· الهوس الديني للتيار الإسلامي لا يورث إلا الفتنة الدينية والحرب الأهلية
· والتنظيم العالمي للجماعة يبحث عن الخلافة الإسلامية بدمج القوميات المختلفة
· تقسيم الأوطان والحروب الأهلية والفقر أعظم إنجازات “,”الجماعة“,”
· والجماعة أصبحت أشبه “,”بالثقوب السوداء“,” تأكل الأخضر واليابس
· الإسلاميون حولوا الجزائر والسودان وباكستان وأفغانستان إلى بلاد فاشلة وفقيرة
· البشير يحكم السودان وكأنه “,”أمير المؤمنين“,” وحلم الخلافة يداعب أحلام الإخوان المسلمين.. والإسلاميون يهددون دارفور وكردفان والنيل الأزرق بالانفصال

· كل من يعارض الإسلاميين كافر وعميل وخائن ويحل دمه.. و1.5 مليون سوداني راحوا ضحية شريعة الجماعات الإسلامية
· الشيخ طه كشف زيف الإخوان المسلمين فأمر “,”الترابي“,” بإعدامه

أكد المعارض السوداني نصرالدين كُشيب الأمين العام للحركة الشعبية السودانية على أن تقسيم الأوطان والقوميات والحروب الأهلية والفقر والفشل والأمية أعظم إنجازات جماعة الإخوان المسلمين في السودان، وأن الإسلاميين الذين وصلوا إلى الحكم في باكستان وأفغانستان والسودان والجزائر وحماس نجحوا فقط في تحويل تلك البلاد من بلاد غنية منتجة إلى بلاد فاشلة وفقيرة.
وقال كُشيب في حواره مع “,” البوابة نيوز “,”: إن قوانين سبتمبر التي فرضها الرئيس السوداني “,”البشير“,” لم تختلف عن الإعلان الدستوري للرئيس المصري محمد مرسي، بحثًا عن لقب أمير المؤمنين وتحقيق حلم الخلافة الإسلامية الذي يداعب جماعة الإخوان المسلمين، موضحًا أن نفس ممارسات الجماعة في معاقبة المعارضين في مصر ارتكبها “,”الترابي“,” عندما أمر بقتل كل معارض لفكر الإسلام السياسي.

وإلى نص الحوار:

** في البداية.. الجميع يعلم جيدًا أن نموذج الإسلام السياسي في السودان كان الأسوأ.. فهل تعتقد أن الإسلام السياسي ساهم بشكل كبير في الأزمة السودانية وانقسامها؟

بالطبع.. كان عاملاً مهمًا فالثورات التي شهدها السودان من أجل الحصول على الديمقراطية دائمًا ما كانت تأتي بعسكر ودكتاتوريين، حتى عام 1989 عندما جاء عمر البشير ولكن في ثوب وإيديولوجية سياسية إسلامية ليطبق الشريعة الإسلامية فقط.

** جميع دول الربيع العربي وعلى رأسها مصر ذهبت إلى الدولة الدينية والسودان لديه خبرة مع الدولة الإسلامية.. هل تعتقد أن التجربة السودانية ستتكرر مع دول الربيع العربي؟

هناك اختلاف كبير بين الإسلاميين في مصر أو في الجزائر عن السودان، فالإسلاميون القادمون إلى السلطة في السودان جاءوا بانقلاب عسكري وتوغلوا على السلطة المدنية، ولكنهم أساءوا للدين الإسلامي، ولكن الإسلاميين في تونس ومصر وصلوا إلى السلطة بانتخابات رئاسية وبطريقة ديمقراطية، وأتمنى ألا يكرروا خطأ إسلاميي السودان الذي أدى إلى انقسام السودان، بالإضافة إلى تحولها إلى بلد فقير وثالث أفشل دولة في العالم، وإن كان للأسف الشديد من التوجه العام الذي تنتهجه جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس وحتى سوريا سنجد أنهم أصبحوا مثل “,”الثقوب السوداء“,” في الفضاء تأكل الأخضر واليابس وتحولها إلى أرض لا تصلح إلا للحروب الأهلية، وهذا يؤكد على أنهم يصرون على إعادة نفس السيناريو القبيح الذي أهدر دم السودانيين.

** كل الجماعات الدينية التي حكمت في أفغانستان والجزائر والسودان قدمت بلادًا فاشلة.. هل تعتقد أن المنهج المطبق كان بعيدًا عن الإسلام؟

في القرون الماضية كانت الكنيسة تتحكم في كل شيء فكانت الدول الأوروبية من أفشل الدول وأفقرها لأن الكنيسة كانت تتحكم في كل شيء، وحتى يتطورا فصلوا الكنيسة عن الدولة، لذلك طالبنا في السودان بضرورة فصل الكنيسة عن الدولة، وحتى تنهض الدول الإسلامية عليها أن تفصل الدين عن الدولة أو تصبح دولاً مدنية بمرجعية إسلامية.

** إذن لماذا انتهج السودان مبدأ الإسلام السياسي.. ولماذا لم يثر ضده طالما أنها واجهته منذ سنوات طويلة؟

من قال إن السودان لم يثر ضد الدولة الدينية، على العكس تمامًا فالسودان كان أقدم الشعوب العربية ربيعًا وثورة ضد الأنظمة الدكتاتورية الدينية، وإذا تحدثنا عن الربيع العربي أعتقد أن الربيع العربي قد مر على السودان منذ فترات طويلة ولكن دائمًا ما يعود بأنظمة دكتاتوريه، فقد انتفض الشعب السوداني في سنة 1964 وكان هناك نظام حكم ديمقراطي وانتخابات جاءت بحكم عسكري بعده سنة 1969 وأعاد السودان للدكتاتورية من جديد، كما انتفض في 1985 وكانت هناك سلطة مدنية وانتخابات، وعادت المؤسسة العسكرية أيضًا بانقلاب عسكري في 1989 وجاء بعمر البشير.

** ولماذا في رأيك تخشى الشعوب العربية الإسلام السياسي وحكم تطبيق الشريعة الإسلامية؟

الشريعة الإسلامية ليست هي السبب في ذلك، ولكن من يطبقون الشريعة مسئولون مسئولية كاملة عن ذلك، فقد ارتكبوا جرائم يندى لها الجبين في الجزائر والسودان وأفغانستان والصومال وإيران، وهم يعتقدون أنهم بهذه الجرائم سيعيدون المسلمين إلى صوابهم ويعيدون إحياء الخلافة الإسلامية بالاستيلاء على القوميات ودمجها من خلال تنظيمات عالمية.

** وإذا تحدثنا عن التجربة السودانية هل تعتقد أن أزمتها كانت مرتبطة بفكر الإسلام السياسي؟

من الوهلة الأولى ستعلم أن الفكر الذي طبقوه كان سببًا في الكثير من الكوارث، ويكفي أنه كان أحد عوامل الانفصال بين الشمال السوداني والجنوب السوداني، وكان سببًا رئيسيًا في الكثير من المذابح في دار فور وكردفان وايبي، فالنظام الإسلامي لا يريد أن يسمع إلا صوته هو فقط، ولا يريد أن يعارضه أي منهج سياسي آخر، وكل من يعارض فهو خائن وعميل وكافر ولا بد أن تقطع رقبته.

** وهذا حدث في السودان؟

بنفس السيناريو الذي حدث في الدول التي طبقت الإسلام السياسي، وهناك بالفعل ما يقرب من 400 ألف قتيل تم إبادتهم في دار فور التي أحرقت بمن فيها من سكان، وقد اعترف عمر البشير وقال إنهم فقط 10 آلاف، ولكنه قتل أكثر من 1.5 مليون سوداني في جنوب السودان وجنوب كردوفان والنيل الأزرق، كل تلك الجرائم للأسف تمت باسم الشريعة الإسلامية التي لا يعرف عنها شيئًا، ويكفي أن البشير سخر من الذين روعهم مشهد الفتاة السودانية التي يتم جلدها علنًا على قارعة الطريق بواسطة رجال الأمن لأنها ترتدي زيًا غير مناسب، ونصح من قالوا إنهم خجلوا من هذا المشهد أن يغتسلوا ويصلوا ركعتين ويعودوا للإسلام، وقال إن الحدود في الشريعة تأمر بالجلد والقطع والقتل، وأنه لن يجامل في حدود الله والشريعة الإسلامية ، وهذا يؤكد على أنه لم يكن ينقصه سوى أن ينصب نفسه أميرًا للمؤمنين.

** الإعلام العربي لم يتحدث على الإطلاق عن تلك المذابح؟

هناك تعتيم إعلامي عربي مقصود، فالعرب للأسف يهتمون بأرض السودان ومواردها وبخيراتها من بترول وذهب ولكنهم لا يهتمون بشعب السودان، والدليل على ذلك أن الشعوب العربية لا تعلم أن هناك مجاعة أقاليم كردوفان والنيل الأزرق ولم نجد أي إعلامي ذهب إلى السودان لتغطية هذه الكوارث بعكس الإعلاميين الأجانب الذين جاءوا إلى السودان وقاموا بتصوير المقابر الجماعية والتطهير العرقي.

** وبعيدًا عن الإشكالية التي فرضها الإسلام السياسي.. لكن هذه المشكلة كانت نتيجتها حرب إبادة وقتل الشعب السوداني.. هل هناك إحصاء بعدد ضحايا كردوفان؟

الإحصاءات الرسمية بالطبع لا تعبر عن الحقيقة، ولكن هناك إحدى الجمعيات الأهلية استطاعت أن ترصد نزوح ما لا يقل عن 700 ألف سوداني، وهم السودانيون الذين يعيشون بالمنطقة الشرقية ما بين حدود النيل الأزرق حتى دولة جنوب السودان، وهناك معسكرات يوجد بها أكثر من 40 ألف لاجئ لا يجدون لقمة العيش أو التعليم أو الرعاية الصحية، بالإضافة إلى القتلى الذين راحوا ضحية الإبادة العرقية، ونتيجة المجاعة، خاصة وأن الحكومة تضرب الشعب السوداني بطائرة الأنتونوف، وفي موسم الأمطار يريدون أن يذهبوا إلى الزراعية لا تتركهم، ورفضت أن تدخل المنظمات الدولية تدخل لتقديم خدمات إلا بعد ضغوط دولية.

** ولكن الجميع يعلم جيدًا أن جرائم البشير لم تكن مبتدعة ولكنه النميري هو الذي بدأ تلك الجرائم باسم الشريعة؟

هذا صحيح.. فالرئيس السابق “,” جعفر نميري“,” حين أصدر في عام 3891 قوانين سبتمبر وألصقها زورًا بالشريعة، لم يكن إلا لملاحقة معارضيه والتنكيل بهم قتلاً ورجمًا وحبسًا واعتقالاً، بعد أن نصب نفسه بمساعدة الدكتور حسن الترابي نائبه العام ووزير عدله “,”أميرًا للمؤمنين“,” وهي نفسها القوانين التي مازالت سائدة، ويجرى العمل بموجبها حتى اليوم .
“,” “,”
المعارض السوداني نصرالدين كُشيب

** وهل تعتقد أن هذا الخطاب الديني المتشدد كان سببًا في انقسام السودان إلى دولتين؟

كان أول الأسباب التي ساهمت في شطر السودان نصفين، وللأسف استمرار نفس السياسة يهدد بنفس الانقسامات المريرة في الغرب والشرق الأوسط، فهناك تجاهل تام للطبيعة السكانية عرقيًا ودينيًا، خاصة في المناطق التي يختلط فيها العرب بالأفارقة والمسلمين بالمسيحيين، وتتنوع فيه المجموعات الثقافية، وتتعدد اللغات والقبائل التي تبلغ في السودان نحو 207 لغة و583 قبيلة.

** هل تعتقد أن التنوع العرقي للسودان كان له دور في الحروب الأهلية؟

ليس صحيحًا.. فلم يعان السودان من قبل بسبب تنوعه العرقي ولكنه التنظيم الإسلامي عندما جاء إلى السلطة أراد أن يطبق الشريعة الإسلامية، ورغم أن الإسلام لم يظلم إلا أنهم ظلموا باسم الدين لتحقيق مصالحهم، بل وتطور الأمر إلى استغلال الإسمية العربية على اعتبار أن العرب هم الأرقى في السودان.

** هذه عنصرية ولكنها لا ترتبط بفكر الإسلام السياسي..؟

مقاطعًا.. أعلم هذا، ولكنهم استقوا بالدين والشريعة على المعارضة، حتى أصبح جزءًا من قاموس الاستبداد السياسي في السودان وفي خارجه، ولعل قضية المفكر الإسلامي الجسور الشيخ محمود محمد طه مؤسس الفكر والحزب الجمهوري في السودان خير شاهد على ذلك، ففي عام 2891 أصدرت الحركة الجمهورية بقيادته، كتابًا عن الهوس الديني تضمن نقدًا لممارسات الحركة الإسلامية في السودان، التي كانت قد بدأت تحالفها بزعامة حسن الترابي مع نظام النميري، فتم اعتقال الشيخ طه وعدد من أنصاره من الرجال والنساء، وحين صدرت قوانين سبتمبر المعروفة بقوانين الشريعة الإسلامية، عارضها الشيخ في سجنه، وأصدر الجمهوريون بعد خروجه من السجن، في 52 ديسمبر عام 4891 بيانهم الشهير في نقد تلك القوانين وتفنيد أهدافها الحقيقية، وكشفها للشعب السوداني الذي قال عنه الشيخ طه إنه “,”لا تنقصه الأصالة.. وإنما تنقصه المعلومات الوافية التي تضافرت شتى العوامل لتحجبها عنه“,”.

** تقصد أن هذا الحادث كان البداية الحقيقية للإسلام السياسي ومأساة السودان؟

هذا صحيح.. فالجميع يعلم جيدًا أن قوانين سبتمبر شوهت الإسلام، وأساءت إلى سمعة السودان، لأنها قوانين مخالفة للشريعة ومخالفة للدين، فقد أباحت قطع يد السارق من المال العام، مع أنه في الشريعة يعزر ولا يحد لقيام شبهة مشاركته في هذا المال ، كما أن هذه القوانين أذلت الشعب وأهانته ، فشريعة الحدود والقصاص، لا تقوم إلا على أرضية من التربية الفردية ومن العدالة الاجتماعية، وهي أرضية لم تتحقق حتى اليوم، وكل هذه المعطيات هددت وحدة البلاد وقسمت الشعب السوداني في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وذلك بما أثارته من حساسية دينية كانت من العوامل الأساسية التي أدت إلى تفاقم مشكلة الجنوب، فمن الجنون الادعاء بأن المسيحي لن يضار بتطبيق الشريعة ، كما أن لجميع المواطنين في كل بقعة الحق في بلادهم مهما اختلف دينهم.

** ولماذا لا يطالب السودانيون بإلغاء هذا المبدأ والوقوف ضده؟

من قال هذا؟.. هناك بيان خرج به السياسيون وعلى رأسهم الشيخ محمود طه طالبوا بإلغاء قوانين سبتمبر، واللجوء إلى الحل السلمي والسياسي بدلاً من العسكري لحقن الدماء في الجنوب، وحاولوا أن يشعروا النظام الحاكم أن الوقت هو وقت السنة ممثلاً في أصول القرآن ، لا الشريعة الممثلة في فروع القرآن ، خاصة وأن الهوس الديني والتفكير الديني المتخلف لا يورثان إلا الفتنة الدينية والحرب الأهلية .

** لذلك أعدم النميري الشيخ طه لمعارضته؟

هذا صحيح.. ولكن النميري ندم على إعدامه فيما بعد، وهناك تصريح خطير قال فيه بالحرف الواحد، ندم العالم كله لن يكفيني حين أذكر الشيخ محمود محمد طه، ذلك الرجل الشيخ أسير آرائه العجيبة، ولم أكن أريد قتله، ولكن الترابي قال لي إن “,”محمود طه يريد أن يكوّن حلف ً ا مع اليسار ضدي“,”، وقال لي إن “,”الجمهوريين قوة لا يستهان بها“,”، إذا اجتمع هو واليسار، فإني لا محالة هالك، فجاء قرار إعدامه وحمله لي الترابي، وطلب توقيعي عليه، وقتها كان الأمر جد خطير في الداخل والخارج، وحاول الجميع إثناء محمود محمد طه عن آرائه، ولكنه ترك القرار دون توقيع لمدة يومين، وفي صباح اليوم الثالث ذهب إليه بالملابس المدنية، وقال له يحزنني أن تموت، فقط تنازل عن آرائك ولكنه تحدث معه بطريقة فيها شيء من الكبرياء، وقال له تنازل أنت عن آرائك، أما أنا فأعلم أني سأُقتل، وإذا لم يتم قتلي في محاكمة علنية، سيقتلني الإخوان المسلمون سرًا لأنني عارضتهم.

** هنا كانت البداية الحقيقية لحكم الشريعة الإسلامية...؟

مقاطعًا.. ولم يكن العيب في الشريعة الإسلامية بقدر ما كان عيبًا فيمن يطبق الإسلام السياسي بوجهه القبيح، فإعدام الشيخ طه، أدى إلى ارتداء الإسلاميين في السودان لمعارضته للنظام ثوب الشريعة، ليكون هو المفكر العربي الوحيد في الدولة العربية المعاصرة الذي يتم إعدامه بسبب أفكاره ورؤيته الدينية المستنيرة واجتهاده الخلاق، ونتيجة ذلك دخول السودان نفقًا مظلمًا من الحروب الأهلية أدت لانقسام السودان، وأصبح يزداد فقرًا رغم ثرائه النفطي، بينما قيادته تبشر بتطبيق ما تزعم أنه الشريعة، لتبدأ في التنكيل بكل من يعارض.

** السودان دولة لها إمكانيات كبيرة ويطلق عليها الاقتصاديون سلة الغذاء العربية وبها بترول ومعادن ورغم ذلك تنتشر فيها الحروب الأهلية والفقر.. فلماذا وصلت إلى هذا الوضع المتردي؟

ما جعل السودان من أفقر الدول هو سوء إدارة الحكم فتحول إلى نظام شمولي وعنصري وإقصائي لا يؤمن بالتعددية ولا يؤمن بوحدة الشعب السوداني كله ولا يؤمن بسودانية السودانيين أو بمواطنيه، إلا من ينتمون إليه في الحزب، لذلك هم مستعدون لعمل أي شيء في سبيل بقائهم في الحكومة، حتى إنهم أصدروا قرارات تقشفية للشعب السوداني الفقير رغم أن 60% من الميزانية تذهب إلى القوات المسلحة والدعم العسكري، فلماذا لا يوقف الحرب التي فرضها علينا، وهو يعلم أنها ستكون سببًا في انقسام السودان، لذلك سيكون هدف الثورة هو الحفاظ على ما تبقى من السودان للسودانيين.

** لذلك انطلقت جمعة “,”لحس الكوع“,”؟

اسمها “,”لحسل كوا“,” وهي لغة محلية في السودان تعني “,”أعلى ما في خيلكم“,” ومن أطلقها مساعد رئيس الجمهورية “,”نافع علي نافع“,” عندما يتحدث لكل من يريد أن يغير النظام “,”لحس كمهم“,” أسهل من تغير النظام، فالشعب أراد ان يقول له إننا مستعدون نلحس الكوع وستتركون النظام.

** ثورات الربيع العربي انطلقت في البداية بحثًا عن إصلاح سياسي ثم تحولت لثورات ضد الأنظمة لخلعها.. ولكن في السودان ما حدث كان العكس.. خرج الشعب من أجل خلع النظام؟

لأن الثورة في السودان لم تبدأ بجمعة لحس الكوع ولكنها بدأت قبل انقسام السودان وبداية الحرب في كردوفان، والجبهة الثورية وقعت اتفاقية مع أربع حركات وتم الاتفاق على ضرورة تغيير النظام من خلال عمل عسكري بالتكامل مع الانتفاضة الشعبية، وبهذه الانتفاضة اكتملت الثورة.

** كثيرًا ما تؤكد على أن الثورة في السودان يمكنها أن تؤدي إلى تقسيم السودان إلى دويلات...؟

مقاطعًا.. المجتمع السوداني يختلف جذريًا عن المجتمع المصري، ففي مصر يوجد مسلمون وأقباط ولا يوجد تاريخ صراعات أهلية، بعكس السودان بها عرب وأفارقة ومسيحيون ولاجئون من أكثر من عرق لذلك تجد الصراعات العرقية، والبشير نفسه قال إنه إذا لم يتحد العرب الذين يعيشون في السودان سيكون آخر رئيس عربي، رغم أن جميع الثائرين لم يتحدثوا عن عرقية أو دين من يحكم السودان ولكننا تحدثنا عن عدله.

** وما دور الحركة الشعبية؟

الحركة الشعبية كتنظيم تم تأسيسه سنة 1983 من أجل تغيير النظام، وبناء سودان جديد يضم كل طوائف الشعب السوداني، وكان هناك بند خاص بتحقيق المصير لشعوب السودان، وللأسف الشديد سياسة القمع والإبادة التي كان يتبعها يجعلنا نتخوف من خروج قوميات جديدة وانفصالها مثلما فعل الجنوب وعلى الأخص في دارفور وكردوفان والنيل الأزرق، خاصة وأنه لضرب الحركة الشعبية قام بالاتفاق معهم في 1991 ووعدهم بتقرير المصير.

** ولكن الحركة الشعبية هي الأخرى تبنت مسألة تقرير المصير؟

هذا صحيح.. فحتى قبل استعمار السودان كانت المشاكل تبدأ من منطقة جنوب السودان وجنوب كردوفان وتم إعطاؤهم ما يسمى بالمنشورات الشعبية، فهل هذه الاتفاقية لبت طموحاتهم أم لا، فإذا لبت طموحاتهم تعتبر اتفاقية نهائية يتم بموجبها توقيع بروتوكول نهائي، وإذا لم تلب طموحاتهم يدخلون في مفاوضات جديدة مع النظام الحاكم في منطقة جنوب كردوفان والنيل الأزرق، ولكن بمجرد أن صوت الجنوبيون على الانفصال، قام النظام بتزوير انتخابات إقليم كردوفان بتزوير عملية الإحصاء السكاني وجعلوه مليونًا و600 ألف نسمة، بينما هو 2 مليون و500 ألف، وقبل الانفصال رفض وماطل النظام وجود أي ترتيبات أمنية لأنها كانت تريد أن تقضي على تلك المنطقة لوجود احتياطي البترول وتريد السيطرة عليه، وبعد انتهاء انتخابات جنوب كردوفان اكتشفنا تزويرها، وقد كان من المفروض أن يكون الفائز هو رئيس الحركة عبدالعزيز آدم، ولكنهم أعلنوا فوز أحمد هارون ليكون حاكمًا للإقليم رغم أنه مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، والحركة الشعبية رفضت هذه النتيجة وأعلنت أنها لن تشارك في كل المؤسسات التي ستنتج عن هذه الانتخابات.

** وماذا عن المعارضة في السودان.. أين هي.. وما هو دورها فيما يحدث للشعب السوداني؟

للأسف لا توجد معارضة حقيقية في السودان، وقد تكون هناك معارضة ولكنها مكبلة وليس لديها صلاحيات، فلا وجود للمعارضة داخل البرلمان فالغالبية داخل البرلمان السوداني هو لحزب المؤتمر الوطني، وخاصة بعد خروج الحركة الشعبية بعد الانفصال والحركة الشعبية كانت في جنوب كردوفان وولاية النيل الأزرق 100% البرلمان من حزب المؤتمر الوطني.

** أقصد أين المعارضة مما يحدث من مجازر وإبادة؟

المعارضة داخل السودان ضعيفة جدًا، هناك فقط الترابي وصادق المهدي، لكن المعارضين الحقيقيين يمكن أن يمثلهم المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي.

** وهل لهم دور؟

هم أيضًا مكبلون، ففي كل مره يتم القبض على رئيس الحزب ويودع في السجون عده أشهر.

** وماذا عنكم؟

نحن نقاتل من أجل أن يبقى ما تبقى من السودان موحدًا لكن الحكومة على استعداد أن تصل لو وصل الأمر إلى دارفور ومن ثم تفصل جنوب كردوفان، ويتبقى لها مثلث حمدي، وهو أحد رجال الأعمال أتباع البشير اسمه حمدي عبدالرحيم حمدي وكان قد تقدم للبشير بمشروع اقتصادي في نقطة محددة في شمال السودان، ومن الممكن أن يزيح البشير كل مشاكل السودان في مقابل الاحتفاظ بهذا المثلث الذي سيتم تركيز الثروة به.

** وهذا يؤكد أن هذا المشروع سياسي وليس اقتصاديًا؟

راقبه جيدًا لتعلم.. فقد انفصل الجنوب، ودارفور في طريقه للانفصال، وكردوفان والنيل الأزرق، إذا هم يريدون من هذا المثلث أن يكون له كيان منفصل، على أن يكون للسودان مصير مختلف.

** جامعة الدول العربية تمثل الحكومات والشعوب الآن أصبح لها دور بعد ثورات الربيع العربي.. فهل تعتقد أن الشعوب العربية يمكن أن تؤثر في الأحداث داخل السودان؟

العرب حكومات وشعوب لم تهتم على الإطلاق بالشعب السوداني، هم ينظرون فقط إلى أرضه وموارده وغذائه وبتروله وحيواناته ولكنه لا يهتم بشعبه، للأسف هناك نظرة عنصرية، والكثير من العرب لا يعتبرون السودان دولة عربية، ولك أن تعلم أنه لولا جمال عبدالناصر لما دخل السودان جامعة الدول العربية، فقد رفضتنا الدول العربية لأننا سود البشرة وعلى رأسها لبنان، لكن جمال عبدالناصر قال لهم “,”إذا السودان لم تنضم لجامعة الدول العربية لن تنضم مصر هي الأخرى“,”.
“,” “,”