الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إبراهيم نافع.. وقانون الازدراء! "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تسلم إبراهيم نافع مسئولية النقابة من كامل زهيرى قائد معركة عدم تحويل النقابة إلى نادٍ، حيث اتخذ موقفًا واجه رئيس الدولة أنور السادات الذى أراد أن يكسب المعركة وطرح شعارًا براقًا وهو أنه سيمنح الصحفى حصانة القاضي، وعقد لقاء باستراحة المعمورة وطرح شعارا «ساداتيًا» وهو اعتبار الصحافة سلطة رابعة، وأجرى عليه استفتاء عام ١٩٧٩مـ واعتبر الصحافة من سلطات الدولة، والغريب أن اللجنة المشكلة للنظر فى تعديل الدستور حولت الوصف القانونى «الصحافة» بأنها سلطة من سلطات الدولة ووصفها بأنها «سلطة شعبية» ثم جاء فى التعديل الدستورى وصفًا آخر وهو أن (الصحافة سلطة شعبية مستقلة) وارتباط كلمة سلطة بالصحافة كانت بالمعنة المجازى وليس بالمفهوم الاصطلاحي، فهناك تعبير إنجليزى يصفها بأنها (صاحبة الجلالة) استنادًا إلى مالها من تأثير فى تكوين الرأى العام وتشكيله، وسلطان يحكم توجهاته بقوة، وربما يكون هذا جائزًا فى استعمال العبارة بالمعنى المجازى لكن فيما أعلم أنه لا يجوز استعمالها نصًا فى الدستور سواء كانت سلطة أو سلطة رابعة وجميع التشريعات فى العالم فيما عدا مصر ولسبب غير مفهوم لا تعترف الدساتير سوى بالسلطات الثلاث، فالصحافة لا تقوم بسلطة من سلطات الدولة، فهى مهنة حرة تستمد قوتها من الإبلاغ والإفادة بنزاهة لقارئها وإقناعه والتفاعل والحوار معه، صحيح أن الدساتير كفلت حريتها، أى حمايتها من الحكومة وتعسفها وإساءة استخدام سلطتها، فهى إدارة رقابة على تصرفات رجال الحكم وأجهزتهم، فهى إدارة رقابة على السلطة، لكنها ليست سلطة. وكان الغرض من هذا التوجه لأقلام معينة هو سن الستين يطبق عليها القانون بالهوى وليست بالقاعدة، فهل وصلت بحكامنا الكراهية للصحافة لدرجة أنها تتلاعب فى نصوص الدستور بنصوص غير متعارف عليها دستوريًا وتشريعيًا.
وبدأت هذه الرؤية وتوارثتها النظم والجمهوريات المتعاقبة منذ صدور قانون تنظيم الصحافة أو تأميم أو تكميم الصحافة، وحينما صدر فى عام ١٩٦٠ القانون ١٥٦ لسنة ١٩٦٠مـ بنقل الملكية إلى مايسمى (الاتحاد القومي) وهو التنظيم السياسى الوحيد وقيل إنه ليس فرعًا من جهاز الحكومة لكنه الفرع التنفيذى لإرادة الشعب، وقيل إن هذه الملكية (ملكية معنوية، وليست ملكية مادية) أنه عليك (الحق) فقط مجرد الحق فى إصدار الرخصة، أى ملكية إصدار الرخصة لكن الملكية لما شرح وقتها فهى أشبه بملكية تعاونية، ثم قالوا إنها (ملك الشعب) وهذا لا يعنى سوى ملكيتها للدولة أو الحكومة، فالشعب ليست له ذمة مالة إذن استخدم تعبير الشعب فى غير موضوعه، لأن الدولة وحدها هى التى تملك المال العام، وهى التى تديره، لكن هذا يتصادم كما قال لى الصديق العزيز الفقيه العبقرى المستشار حسن أحمد عمر، حيث ذكر لى أن المحكمة العليا برئاسة المستشار الجليل بدوى حمودة رئيس لجنة وضع دستور ١٩٧١مـ أصدرت حكمًا نهائيًا باتًا بأن المؤسسة الصحفية هى مؤسسات خاصة، وأن الصحفيين لا يمكن اعتبارهم موظفين عموميين، وأن أموال المؤسسات الصحفية هى أموال خاصة بكل المعايير القانونية، والقوانين المتعاقبة فى تنظيم الصحافة بداية من ١٩٦٠مـ وعام ١٩٨٠مـ نقل ملكية الصحف القومية من الاتحاد الاشتراكى إلى مجلس الشورى طبقًا للقانون ٩٦ لعام ١٩٦٩مـ أنه (يمارس) حق الملكية وهذا يعنى أنه ليس مالكًا لكنه ينوب عن الدولة، ثم جاء على التوازى تشكيل المجلس الأعلى للصحافة وقد ضم سياسيين ونوابًا وأصبح المهيمن على شئون المهنة ويؤدى مسئوليات منصوصا عليها فى قانون نقابة الصحفيين، وإذا كانت الدولة جادة فى عدم الهيمنة لجعلت المجلس الأعلى للصحافة هو (مجلس الصحافة الأعلى) بحيث يضم الغالبية من الصحفيين مثل المجالس العليا للسلطات الأخرى.
وقال المستشار حسن عمر إن هناك قاعدة مستقرة تقول (الخاص يفيد العام) أى أن القوانين الخاصة تقيد القوانين العامة وهذه الفكرة طرحت منذ ٦٠ عامًا حينما تصدى مجلس الأمة برئاسة عبداللطيف بغدادى لقضية انحراف فى مديرية التحرير وعرض الأمر على اللجنة الدستورية التشريعية بالمجلس وجاء تقريرها بأن أموال مديرية التحرير هى أموال خاصة ولا ينطبق عليها صفة المال العام وتم حفظ الواقعة وعدم إبلاغ النيابة العامة لكى تتخذ شئونها، نفس القياس حينما أحيل الدكتور إسماعيل سراج الديم مدير مكتبة الإسكندرية بناء على ما أسند إليه إلى محكمة الجنح بالإسكندرية لأن للمكتبة قانونًا خاصًا، والمال العام يجب أن ينص عليه صراحة المشرع الدستورى أو المشروع القانوني، كما جاء فى أموال التأمينات التى اعتبرت أموالًا خاصة لكنها تستظل بالحماية المقررة للمال العام لأن القضاء الدستورى فى مصر لا يعترف بعبارة (فى حكم المال العام).
إن ما أسند إلى الراحل الأستاذ إبراهيم نافع غير دستوري، ونص بالنسبة للمجلس الوطنى لتنظيم الإعلام والصحافة على أن أمواله أموال عامة، لكن لم ينص على ذلك فى مجلس الصحافة والإعلام، ولكل منهم شخصيته المستقلة وكل من تم تعيينه فى هذه المجالس أدى يمينًا دستورية تحت القبة، حيث يمنحه ذلك حصانة دستورية لكل من أدى اليمين أمام مجلس النواب وهى الحصانة التى كانت تمنح للمدعى العام الاشتراكى بينما رئيس جهاز المحاسبات لم يحظ بهذه الحصانة، وهذا يتطلب إعادة القيد والوصف بالنسبة لقضية الراحل الأستاذ إبراهيم نافع- إذا أردنا أن نعرف الحقيقة- والمهم أن الجهة الوحيدة المسئولة كما نص القانون ٩٦ لعام ١٩٩٦ مـ على مراقبة الأداء المالى والإدارى وفق على الجهاز المركزى للمحاسبات، وهو صاحب الحق الوحيد والأصيل فى الإبلاغ عن المخالفات إلى النيابة العامة للمؤسسات الصحفية، وكل لجان أو جهات غير الجهاز يكون مشوبًا بالعدم والبطلان، وإلا كانت تقاريره موضع شك أمام العدالة.
كنا نقول لك يا إبراهيم عد إلى وطنك، عد وثق، وهى عقيدتك بالتأكيد أن فى مصر قضاة، وأدبيات القضاء تقرر «أعطنى قاضيًا عادلًا وقانونًا ظالمًا يتحقق العدل».. قلنا: عد يا إبراهيم مرفوع الرأس يحيط بك كل أبناء المهنة فأنت رمز عظيم وغال ليس لمصر ولكن للعالم العربى كله، فقد كنت رئيسًا لاتحاد الصحفيين العرب، عد موفور الكرامة أمامك إنجازاتك الإدارية والمهنية والعربية....لكن شاء الله ولا راد لمشيئته فكانت يد الموت أسرع من ندائنا. إبراهيم نافع خلاصة تجربة قاسية دفع ثمنها الصحفيون، وتحققت بفضل التشريعات والقرارات سيئة السمعة.
فى ذمة الله يا أبوخليل.