رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حسن نصر الله و"الخراب العظيم"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يصيب أمين عام «حزب الله» حين يدعو إلى التمسّك بالسلم الأهليّ، وحين يحذّر من الدعايات والشائعات التى قد تسيء إلى هذا السلم. إنّها رغبة أكثريّة ساحقة من اللبنانيّين بطبيعة الحال. لكنّه يخطئ- والخطأ ليس بريئًا- حين يعتبر الوضع القائم، بما فيه سلاحه، معطى طبيعيًّا. هكذا تتحوّل دعوته إلى السلام دعوة إلى سلام مزغول، محروس باستمرار، وضع قائم مفروض بقوّة السلاح. والسلاح هذا، وليس عبارةً تفوّه بها وزير سابق، هو ما يُحسب حسابه فى ما خصّ استقرار البلد وأمنه واقتصاده و«جذب الاستثمارات» التى يبدى السيّد نصرالله الحرص عليها.
فالأخير، والحال هذه، يشبه من يخطف قرية بأمّها وأبيها، ثمّ يشير بإصبعه إلى خاطف دجاجة فيها، متّهمًا إيّاه بالتسبّب فى الخراب العظيم.
لهذا لا بدّ من العودة مرّة بعد مرّة إلى أصل المشكلة التى جاءت استقالة سعد الحريرى من رئاسة الحكومة، لتضعنا أمامها.
فأهمّ ما فى تلك الاستقالة، وبمعزل عن الموقف من الحريرى أو من باقى السياسيّين، تسليط الضوء مجدّدًا على عيشنا فى استحالة الجمع بين السلاح والسياسة: موقع رئاسة الحكومة يصعب أن يشغله أحد، لا سيّما اليوم. موقعا رئاسة الجمهوريّة ورئاسة المجلس يستحيل أن يحتلّهما من يخالف إرادة «حزب الله». «الرئاسة القويّة» التى ازدهر الكلام عنها، مع انتخاب ميشال عون لرئاسة الجمهوريّة، سريعًا ما تبدّى أنّها وهم محض. المعادلة المثلى التى استقرّت عليها أدبيّات الحياة السياسيّة- الطائفيّة، من أن يكون كلٌّ من الرؤساء الثلاثة «قويًّا» فى طائفته، ليست للتطبيق. المؤسّسات الدستوريّة. الانتخابات... كلّها إمّا لاغية أو معطّلة أو، فى أحسن أحوالها، بالغة الشكليّة.
إمّا السلاح وإمّا السياسة: هذه القاعدة الذهبيّة دائمًا وأبدًا صحيحة صحّةً استثنائيّة فى لبنان اليوم، بسبب الوضع النافر الذى يمثّله «حزب الله». وهو وضع نافر فى العلاقات الأهليّة، إذ يشقّ اللبنانيّين إلى مسلّح وأعزل. ووضع نافر فى العلاقات الخارجيّة، إذ يُدرج لبنان فى علاقة تتراوح بين السيّئة والمضطربة مع البلدان العربيّة ومع بلدان العالم المؤثّرة التى يرتبط اللبنانيّون بمصالح معها. ووضع نافر فى الشعور بالأمان؛ لأنّه يبقى البلد على مرمى حجر من حرب مدمّرة. ووضع نافر فى صورة لبنان المسالم وغير المتدخّل فى جواره؛ لأنّ «حزب الله» خاض ويخوض حربًا عدوانيّة فى سوريّا. ووضع نافر فى الأمان الاقتصاديّ المحاصَر بالعقوبات وبطرد العاملين اللبنانيّين. ووضع نافر فى ثقافته وتعليمه؛ حيث تنشأ أجيال تكاد لا تربطها صلة بما ينشأ عليه مواطنوها من طوائف أخرى.
إنّها لائحة لا يكفى «تحرير جرود عرسال» لابتلاعها. كلّ بند فيها سبب للاختناق. هذا لا يعنى أنّ سلاح «حزب الله» هو المشكلة الوحيدة فى لبنان. قبله كانت هناك مشاكل. وبعده ستبقى هناك مشاكل، لا بل إنّ الحزب وسلاحه هما نفسهما من نتائج المسألة التى تُسمّى التركيبة الطائفيّة للبلد.
لكنّ «حزب الله» هو المشكلة الأكبر بين المشاكل الكثيرة، وهو العائق الذى من دون تذليله لن يمكن تذليل باقى العوائق. وليس من المبالغة القول إنّ سلاح «حزب الله»، وكائنةً ما كانت السياسات الإقليميّة التى تستفيد أو لا تستفيد ممّا يجرى عندنا، أصبح التحدّى الأوّل والأكبر لبقاء لبنان أو فرطه. فأكثريّة اللبنانيّين لا تريد العيش الذى يفرضه عليها هذا الحزب الغريب عن التقاليد السياسيّة للبلد، والنافر منها.
إنّه الطرف الذى يطرح على باقى اللبنانيّين السؤال المصيريّ الكبير، عمّا إذا كانوا يريدون لبنان نفسه حين يعجز هذا اللبنان عن ضمان حرّيّاتهم فى أن يتحكّموا بحياتهم وموتهم. وهذا ما ينبغى أن يُقلق «حزب الله» بالدرجة الأولى؛ لأنّ أحدًا لا يستطيع أن يعيش وسط محيط من الكارهين الذين بات بعضهم يتمنّى تدخّل «الشيطان» لكى يرفع عن رأسه سلاح «حزب الله».
نقلا عن «الحياة» اللندنية