الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هزيمة بلفور في عقر داره

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شاركنا السبت الماضى مع عشرات الآلاف من النشطاء والمواطنين البريطانيين فى تظاهرة مهيبة شقت شوارع لندن ضد وعد بلفور وما ألحقه من ظلم تاريخى بالشعب الفلسطيني، وضد ما سببه من جرائم وتطهير عرقي، وللضغط على الحكومة البريطانية كى تعتذر للشعب الفلسطينى عن هذا الوعد، وتعوضه، وتعترف بدولته الحرة المستقلة. جموع المشاركين جاءوا من كل أنحاء بريطانيا، رجالا ونساء، شبابا وشيوخا، ومعهم أطفالهم، وهتفوا بصوت واحد نصرة للشعب الفلسطيني. وعلى مدار خمس ساعات احتل المتضامنون مع فلسطين ونحن معهم شوارع لندن الرئيسية مثل شارع أكسفورد، وشارع ريجنت، وساحة الطرف الأغر، ومن ثم ساحة البرلمان البريطانى وغطوها بالأعلام الفلسطينية والشعارات المناصرة لفلسطين والداعية لمقاطعة نظام الأبارتهايد الإسرائيلي. حاول الصهاينة اعتراض المظاهرة، لكنهم بدوا فى غاية التفاهة؛ حيث لم يزد عددهم على الثلاثين شخصًا مقابل خمسين ألف متظاهر مع فلسطين. وشاركت فى تنظيم المظاهرة لجان التضامن مع فلسطين، وممثلو النقابات العمالية التى تضم ملايين الأعضاء، ولجان لمقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل، وطلاب الجامعات، وكتاب وفنانون، ورجال دين مسيحيون ومسلمون، وأعضاء من البرلمان البريطاني، وقادة من حزب العمال البريطانى المعارض، والذى يبدو أنه فى طريقه لتسلم الحكم فى بريطانيا. وسبق المظاهرة لقاء فى البرلمان البريطانى استمع خلاله أعضاء البرلمان، ومنهم عدد من وزراء الظل، لروايتنا الفلسطينية، فى الوقت نفسه الذى كانت فيه تيريزا ماى تستقبل نتنياهو. لم يقتصر نشاط المتضامنين الداعمين لفلسطين على التظاهرة الكبرى، بل امتد على مدار أشهر لمنع الحكومة البريطانية من الاحتفال المعيب بذلك الوعد المشئوم، وقد أثمر ذلك، إذ تقلصت برامج المحتفلين، لتنتهى بلقاء عشاء هزيل وانعدم صداها بشكل كامل؛ حيث طغت على المشهد مقالات وخطابات وأنشطة المعارضين لذلك الوعد والداعين إلى تصحيح مسار بريطانيا من خلال الاعتراف بفلسطين وبالمسئولية عما لحق بشعبها من الظلم. وكان من أبلغ الأمور مشاركة السيدة «جوينيث» حفيدة بلفور نفسه فى التظاهرة التى تعارض وتدين ما قام به جدها. وليست مصادفة أن حكومة السيدة تيريزا ماى التى أصرت على التعبير عن فخرها بوعد بلفور تترنح بفعل الفضائح المتتالية لوزرائها بعد أن تلقت ضربة قاصمة فى الانتخابات الأخيرة، وأصبحت تعتمد فى بقائها على أصوات حزب أيرلندى متطرف، فى حين يواصل حزب العمال المعارض تقدمه بقيادة جيرمى كوربن صديق الشعب الفلسطينى، والذى يشن اللوبى الصهيونى الحملات ضده دون فائدة، وقد خاطب المظاهرة دون تردد. وزيرة خارجية الظل البريطانية إيميلى ثورنبرى التى التقيت بها أول من أمس، استمعت على مدار نحو ساعتين لتفاصيل معاناة ونضال الشعب الفلسطيني، وستزور خلال الأسبوع المقبل فلسطين، وستشاهد بأعينها معالم نظام الأبارتهايد الذى شرحته لها بالخرائط والصور. وهو نظام الأبارتهايد نفسه الذى وضع وعد بلفور أساسه العنصرى وغدا علامة إسرائيل الفارقة والمعيبة فى القرن الحادى والعشرين. مواقف شعب بريطانيا من القضية الفلسطينية تتغير، ومواقف معظم شعوب العالم تتغير لمصلحة النضال الوطنى والإنسانى الفلسطيني، وما يحدث هو تكرار لتجربة جنوب إفريقيا فى إسقاط نظام الأبارتهايد أخلاقيا وإنسانيا. بعد مئة عام على وعد بلفور يلاحق الفلسطينيون والمتضامنون البريطانيون معهم تلك الجريمة على الأرض التى ارتكبت فيها، ويسمعون بأصوات عشرات آلاف المتظاهرين حكومة بريطانيا احتجاجهم على سياستها، ويستعدون لجعل العام المقبل عام فلسطين بامتياز، وعام فضح وتعرية نظام الأبارتهايد الإسرائيلي.
ولم يكن لكل ذلك أن يتحقق لولا صمود وبسالة وتضحيات الشعب الفلسطينى الذى لن يسمح لأحد باستدراجه للتنازل عن حقوقه، وأولها حقه فى الحرية والعدالة. نبوءة نيلسون مانديلا تتحقق بتحول فلسطين إلى قضية الإنسانية الأولى فى عصرنا.
نقلا عن «الجريدة» الكويتية