الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تساؤلات تائهة «1»

يسألونك عن الدولة المدنية الحديثة (32)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عنوان صحيح للدولة المدنية الحديثة، نخطه بوضوح، متى استمسكنا بقيم ومبادئ وأهداف ثورة يناير المجيدة، وما أكدت عليه موجتها التصحيحية الهادرة فى الثلاثين من يونيو. ذلك أن الثورات الشعبية دائمًا ما تنتصر لمنظومة القيم الإنسانية النبيلة القادرة على حمل الطموحات الشعبية المشروعة من آفاقها البعيدة الرحبة إلى أرض الواقع. غير أن الثورات الشعبية لا تحقق أبدًا أهدافها بين ليلة وضحاها، بل هى نتاج تراكمات متتابعة، تستلزم جهدًا متواصلًا من أبنائها.
لا يفصلهم عن «أحلامهم الثورية» كون الطريق شاقًا محفوفًا بكثير من المخاطر، خاصة فى المرحلة الانتقالية الوسيطة، بين إزالة نظام استهدفت الثورة إسقاطه، وبناء وترسيخ نظام يتبنى المطالب الثورية فى حياة كريمة حرة. وليس من شك أن مصر تمر الآن بالمرحلة الانتقالية، التى تستغرق وقتًا أطول مما يظن البعض من مهرجى الثورة، ومن حاملى الدفوف لكل المواكب. والحق أن هؤلاء هم مصدر الخطورة الأكبر على كل ثورة شعبية، أو حتى كل رغبة فى الإصلاح. إذ هم لا يستنكفون معاداة كل منطق سياسى مقبول، ولا يستحقون قلب الحقائق على وجوه شتى، لطالما أرهقت الوطن بما تحمله من أفكار رجعية جامدة لا تلبى مصالح الشعب، ولا تميل بعيدًا عن مصالحها الذاتية الصغيرة بالفعل مهما عظمت فى عيونهم.
ولهؤلاء، ولكل باحث جاد عن الموقع الحقيقى للوطن على طريق بناء «الدولة المدنية الحديثة»، كمعيار حقيقى لقياس مدى نجاح ثورتنا، يناير/يونيو، أُشير بكل الموضوعية إلى الحقائق التالية:
• ما زال الأداء البرلمانى لم يحقق الطموحات الكبيرة التى طالما تعلقت بأهدابه باعتباره المؤسسة المعنية بالتعبير عن «المشاركة الشعبية» فى الحكم، وهو بالمناسبة أحد المعايير الحاكمة لديمقراطية الدولة. وفى هذا الخصوص، لا يصح أن نبنى عاليًا على حجج واهية من قبيل: حداثة عهد الكثير من النواب، أو ثقل مسئوليات المرحلة. ذلك أن الوطن لم يعد يحتمل البقاء أكثر من ذلك فى طور التجارب الشخصية! 
وفى هذا الشأن جدير بنا الانتباه إلى ما يلي: 
ــ دخول البرلمان فى صراعات مجتمعية لا مبرر لها، بل تسحب من رصيده الديمقراطى، سواء مع عدد من نوابه بلغت حد فصل العضو من البرلمان، أو مع وجوه إعلامية لها ثقلها فى الشارع. 
ــ التراخى الواضح والمعيب فى تنفيذ حكم محكمة النقض بشأن إسقاط عضوية أحد النواب، وإقرار عضوية آخر بدلًا منه، مقابل حدة واضحة فى التفاعلات فيما بين القوى البرلمانية، رغم عدم التكافؤ فيما بينها. 
ــ عدم منطقية الأجندة البرلمانية التى تتمهل إلى حد كبير فى إقرار بعض القوانين، مقابل الإسراع بإقرار قوانين بعينها ربما لا تحظى السرعة فيها بأولوية.
ــ الصدام المتكرر مع عدد من مؤسسات الدولة، ربما آخرها مع السلطة القضائية التى رأت تعنتًا وتغولًا من البرلمان فى القانون الخاص بالهيئات القضائية، وكيفية اختيار رؤسائها.
ــ فشل البرلمان فى تقديم مساءلات حقيقية للحكومة، استنادًا إلى الدور الرقابى المهم، الذى أراه متراجعًا أمام الدور التشريعى، الذى أصفه بكل تحفظ بأنه «غير منتظم الخطى».
• تتمتع «الشفافية» بأهمية كبرى فى عملية بناء «الدولة المدنية الحديثة»، كإحدي الدعامات المؤكدة للحكم الرشيد. والواقع أننا مللنا الحديث عن عدم معرفتنا عن أسباب اختيار أو رحيل وزير ما أو محافظ بعينه. غير أن الزخم الإعلامى الهائل الذى حظيت به منطقة محور قناة السويس فى منظومة الاستثمار القومى، لا يترك لنا حرية التغاضى عن الحق فى معرفة الحقائق المحيطة بالرحيل المفاجئ للدكتور أحمد درويش عن موقعه، وإضافة أعباء منصبه على كاهل الفريق مميش المثقل بأعباء جسام كرئيس لهيئة قناة السويس. والواقع أن الموضوع يتجاوز حدود شخص الدكتور أحمد درويش، مع كامل الاحترام له، إلا أن الأمر وثيق الصلة بمدى ما نملكه من قناعات صادقة بكثير من القيم المتراصة إلى بعضها فى بناء حكم رشيد قادر على النهوض بمتطلبات بناء «الدولة المدنية الحديثة». فلا بديل عن الشفافية، والمساءلة، والمحاسبة، وحرية الرأى والتعبير، وغيرها من الأمور التى تنتظم تحت سيادة القانون لتشير إلى قدرتنا الحقيقية على حمل أعباء «الدولة المدنية الحديثة».
• بمناسبة «الشفافية»، وما تجره على الحكومة من مسئوليات غير محببة قطعا، متى تطالعنا الحكومة بالأعداد الدقيقة للمصانع المعطلة، وأسباب تعطلها، ورؤيتها إن كانت موجودة لحل مشكلاتها؟!. وهل من دراسات جدوى، علمية وليست إعلامية، تُبين الأولويات الحقيقية للاقتصاد المصرى بين الجديد من المصانع، واستنهاض المصانع المتعثرة؟!. وفى الطريق ذاته، متى يعلم الشعب بحقيقة المشروعات الحكومية التى تراكم عليها الإهمال والنسيان فتوقف العمل بها منذ سنوات طويلة بعد ما أُنفق عليه من ملايين كثيرة؟!. 
• من الناحية النظرية، لا شك أن الرأى العام يُعد أول الرابحين من كل ثورة شعبية استهدفت العدالة الاجتماعية والمساواة ونيل الحقوق الأساسية. من هنا فإن الإعلام، وهو أحد أهم العناصر المنوط بها تكوين وتشكيل وتنوير الرأى العام، يُعد بالفعل معيارًا حقيقيًا يمكن القياس به بدقة عالية على مدى ما بلغناه من تقدم على طريق «الدولة المدنية الحديثة». وهنا أجد لزامًا علينا أن نبحث بصدق فى التساؤلات التالية:
ــ ثلاثة أعوام مرت على الدستور حتى أنجزنا قانون الهيئات الإعلامية التى نص عليه الدستور!. هل يشير ذلك إلى إدراك حقيقى لأهمية الإعلام فى بناء «الدولة المدنية الحديثة»؟!. أم أننا لا نريد له أن يغادر موقعه كتابع للنظام؟!
ــ كل التقدير لشخص الأستاذ مكرم محمد أحمد، مع الاختلاف فى توجهاته السياسية المعروفة منذ أمد بعيد، لكن هل يصلح رجل تجاوز الثمانين بأعوام أن يقود عملية ثورية تستهدف تنظيم وتصحيح مسار الإعلام ليعبر عن تطلعات ثورية؟!
ــ هل نحن راغبون بالفعل فى إعلام حر مستقل؟!. وهل نحن جادون حقًا فى البحث عن إبداع إعلامى حقيقى، تعبر عنه سياسات مبتكرة؟!. وهل نحن عازمون صدقًا فيما ننتظره من قدرة الهيئات الإعلامية الجديدة على تجسيد قيم الدستور بعد ملئها بوجوه قديمة شاخت على ولائها للنظم التى أسقطتها الثورة!، والظن عندى أن نظام مبارك ونظام الإخوان ما هما إلا وجهان لعملة واحدة ألغتها الثورة وأبطلت مشروعيتها. فلطالما شاركت بقوة وجوه شتى من الهيئات الإعلامية الجديدة على مدى أعوام طويلة فيما بلغه إعلامنا الحكومى من تراجع مشهود!. وهل نأمن على صدق التعبير عن الطموحات الثورية المشروعة من وجوه قديمة لطالما بذلت كل مجهوداتها فى الدفاع عن نظام مبارك، وتحسين صورته بالباطل، على مدى سنوات بقائها تحت يد صفوت الشريف ومن خلفوه من أتباعه؟!. وحتى تكتمل المنظومة فإن نقابة الإعلاميين فى الطريق إلى أحد رموز إعلام مبارك!. لاحظ أن هؤلاء العجائز والشيوخ منوط بهم التبشير بمستقبل واعد للشباب!. وهم قطعًا من سيديرون دفة الترويج لمؤتمرات الشباب المتتابعة!!. وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله، معًا على الطريق إلى «الدولة المدنية الحديثة»؛ إذ لم تزل أقدامنا به تتشبث، والتساؤلات حوله تائهة، تلفنا ولا تجد لها عنوانا.