الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بشار أمر واقع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شون سبايسر، المتحدث باسم البيت الأبيض، ألقى قنبلة مدوية، «بالنسبة للأسد، فإنه يوجد واقع سياسى علينا القبول به». السبب؟ أنه توجد للولايات المتحدة أولوية أهم، ألا وهى محاربة تنظيم داعش فى العراق وسوريا. هذا التبرير الرسمى للمتحدث الرئاسى الأمريكي. فى الواقع، الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بإعلانه الخطير هذا، لم يخرج عن خط تعهداته التى أعلنها خلال حملته الانتخابية. حينها انتقد ترامب سياسة سلفه الرئيس باراك أوباما، لأنه ترك إيران تستولى على العراق وسوريا، لكنه قال إنه عند توليه الرئاسة سيركز على محاربة التنظيمات الإرهابية بالتعاون مع الروس. عمليًا، اليوم ينفذ ما قاله حرفيًا بالأمس.
السؤال الصعب كيف يستطيع ترامب محاربة النفوذ الإيرانى و «داعش» وفى الوقت نفسه يتعاون مع نظام دمشق؟
قبل الحرب الأهلية فى سوريا كانت علاقة دمشق بنظام طهران استراتيجية، وتسببت فى تدهور علاقة نظام الأسد بدول معسكر الاعتدال، مثل الخليج ومصر آنذاك، كما أن الولايات المتحدة التى كانت غارقة فى أزمتها فى العراق، بعد الاحتلال، اتضح لها أن إيران استخدمت سوريا كمركز استقبال الإرهابيين من أنحاء العالم وتأهيلهم للقتال فى العراق تحت علم «القاعدة» طوال ست سنوات دامية.
ومنذ بداية الانتفاضة فى سوريا كان معظم دول الخليج راغبة فى تفاديها، لولا أن دمشق فضلت الطريق الصعب؛ التعاون مع إيران لمواجهة الانشقاقات الواسعة ومحاربة المعارضة المسلحة. والحقيقة فشل دعم إيران العسكرى فى إنقاذ النظام، وما كان له أن ينجو إلى هذه المرحلة الحالية، أو ما سماه سبايسر «الواقع السياسى الجديد، لولا التدخل الروسى الضخم عسكرياً. روسيا، وليست إيران، هى التى أعطت دمشق قبلة الحياة سياسيًا وعسكريًا. وإذا قبلنا بهذه الحقيقة، فإنه ينبغى على النظام السورى أن يقبل بها أيضًا. إيران هى المشكلة بالأمس وهى المشكلة غدا، وإيران سبب نزاع دمشق مع دول المنطقة العربية التى هى فى حالة دفاع عن نفسها ضد التمدد العدائى والتخريب الإيرانى الذى لم يتوقف. هذا النزاع العربى مع نظام آية الله، لا علاقة له بالخلافات العربية مع نظام بشار الأسد الذى لم يحسن إدارة علاقاته مع الدول العربية بخلاف ما كان يفعله الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذى أبقى على شعرة معاوية مع الجانبين، وكان وسيطًا إيجابيًا فى كل الخلافات بين ضفتى الخليج العربية والإيرانية.
من المحتمل أن تتحول الدول الخليجية نحو التعامل بإيجابية مع «الواقع السياسى الجديد»، وهو الأمر الذى سبقتها إليه تركيا منذ عزل أحمد داود أوغلو وتعيين بن على يلدرم رئيسًا للوزراء. هنا السؤال الأول، هل يرغب نظام دمشق فى إنهاء الوجود العسكرى الإيرانى من على أراضيه أم لا؟ والسؤال المكمل له، هل حقًا يستطيع لو قرر التخلص من فيلق القدس الإيراني، وميليشياته اللبنانية والعراقية والباكستانية والأفغانية، التى تقدر مجتمعة بنحو خمسين ألفًا على الأقل؟
الرغبة فى حل سياسى للأزمة السورية هو مشروع المعارضة السورية منذ أكثر من ثلاث سنوات، منذ أن اتضح أن أيا من الطرفين لن يكسب الحرب بقوة السلاح. الخلاف كان، ولا يزال، يدور على صيغة الحل ويمكن أن نقول اليوم إنه فشل، فالأسد استأثر بكل شيء، أو يظن أنه كذلك. إنما الحقيقة أن سوريا صارت إناءً مكسورًا، ولنرَ كيف يستطيع إصلاحه سياسيًا وإداريًا وأمنيًا دون دعم الدول العربية المعتدلة.
المعادلة الصعبة المقبلة، فى حال تم الاتفاق على بقاء نظام الأسد، هى فى إخراج إيران من القصر الرئاسى فى دمشق. باستمرار نظام آية الله يسيطر على مفاصل الدولة السورية أتوقع أنه لن تشهد سوريا استقرارًا مهما أجمعت قوى العالم، ولا أقول هذا من باب الإنكار الأخلاقى على ما يحدث، بل أيضً،ا لأن الواقع السورى نفسه أكبر من إيران وروسيا ونظام دمشق. الواقعية تتطلب فهم هذا الجانب، وهو أن وجود إيران وميليشياتها على الأرض السورية سيفشل أى اتفاق يوقعه أى فريق.
نقلا عن «الشرق الأوسط»