رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المسلمون وترامب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دونالد ترامب يسابق ويسبق أكثر افتراضات الخيال سوادًا، وآخر خطواته القرار التنفيذيّ فى صدد الهجرة واللجوء، يستبطن الحرب الدينيّة فى إخلال صريح بالقيم والمعايير التى باتت تعادل التقدّم وتساوى العقل. أمّا الردّة التى يرعاها بخليط من العُظام والخفّة والوضاعة، فلا تعبأ حتّى بالقانون، ناهيك عن الأعراف.
هذا الكلام وغيره قيل مرارًا، بأصوات كثيرة وبلغات شتّى، وهو ما ينبغى أن يقال دائمًا إلى أن ينجلى الكابوس «الترامبيّ» عن صدر أمريكا والعالم.
لكنّ الانتباه إلى مسألة أخرى واجب مُلحّ أيضًا، ذاك أنّ الحملة على المسلمين (والمكسيك والصين...) يواجهها تضامن جبّار معهم، تضامنٌ تعبّر عنه قوى شعبيّة وقيادات سياسيّة وثقافيّة فى الولايات المتّحدة الأمريكيّة وكندا وأوروبا الغربيّة، حتّى رئيسة الحكومة البريطانيّة، تيريزا ماي، التى تطمح إلى أن تكون لترامب ما كان تونى بلير لجورج دبليو بوش، لم تستطع أن تبقى صامتة ومتفرّجة.
فهذا النكوص إلى الوراء لأزمنة الحروب الدينيّة، ليس عمليّة سهلة أو بسيطة. إنّه يصطدم بالكثير من الأفكار والإنجازات والوقائع والمصالح التى نمت عقدًا بعد عقد، والتى تعاند ترامب راهنًا، وسوف تعانده إلى أن يرحل.
وما تنمّ عنه الوجهة هذه، ضدًّا على ما يشتهيه رئيس أمريكا، وما يشتهيه معه المتعصّبون والتكفيريّون الإسلاميّون، أنّ العالم، والغرب تحديدًا، لا «يكرهان» الإسلام والمسلمين. فالمجتمع التعدّديّ الذى بنى فى الغرب، ويُبنى، إنّما يحضّ على التنوّع والاختلاف ويحتفل بهما، والقوانين طُوّعت، وتُطوَّع، لمواكبة هذا المستجدّ الكبير.
والحقيقة هذه تستحقّ أن نتمعّن فيها قليلًا، ليس فقط لأنّها تشحذ نضاليّة المسلمين ضدّ ترامب وقد تربطها بنضاليّة كونيّة عريضة، بل أيضًا لأنّها تحاصر النظرة الغاضبة إلى هذا الكون، وغير السعيدة به، التى ترقى إلى ما قبل ترامب بكثير. فالعالم الغربيّ ليس مجمعًا على معاداة الإسلام والمسلمين. هذا وهم محض وإن كان وهمًا وظيفيًّا يروّج له ويفيد منه مقاولو الحروب الدينيّة و«الحضاريّة».
بهذا، فإنّ المواقف الشعوريّة والردود والتشهير لا تُغنى عن التدخّل والمبادرة الإيجابيّين، وعن طرح سؤال أساسيّ يتقدّمهما: ما هى مسئوليّة العالم الإسلاميّ عن كبح الحرب الدينيّة فى العالم، وكبح الترامبيّة بالتالي؟
غنيّ عن القول إنّ احتفال الغرب بالتعدّد ما كان لينشأ لولا إزاحة الدين عن صدر المواطنة والسياسة فى ذاك الغرب، وهو ما تُعدّ الترامبيّة اليوم، ردًّا عليه، مثلما هى ردّ على كلّ تقدّم وأُحرز فى أزمنة سابقة.
لكنْ، وبالقياس نفسه، يُلاحظ أنّ العالم الإسلاميّ عمومًا، والعالم العربيّ خصوصًا، لم يفعلا على هذا الصعيد ما يُذكر. فعلى رغم أكثر من عقد ونصف العقد على جريمة ١١ سبتمبر لم نتقدّم خطوة على هذا الطريق. واقع الحال أنّ العكس هو ما حصل، بدليل ما نزل بالأقلّيّات الدينيّة فى السنوات الماضية، ممّا يحاول ترامب اليوم استثماره بإعلان تعامله التفضيليّ للأقلّيّات المسيحيّة فى العالم الإسلاميّ.
والحال أنّ المنطقة دخلت طورًا، لا تزال مقيمة فيه، هو أشبه بالحلقة الجهنّميّة: أنظمة الاستبداد تزرع أسباب التديين الشامل للحياة العامّة فتردّ المجتمعات المُستَبَدّ بها بإبداء كلّ الاستعداد لهذا التديين. أنظمة الاستبداد تقمع الأكثريّات فتنتقم الأخيرة من الأقلّيّات التى تنحاز، إلى تلك الأنظمة وتتوسّم الخلاص فيها.
وما لم يبدأ التصدّى للوجهة هذه، ستمتدّ رقعة الكذب والدجل وتتوسّع. هكذا يستطيع الرئيس الإيرانيّ روحاني، مثلًا لا حصرًا، أن يتفاخر بأنّ «زمن الجدران قد ولّى»، فيما هو يتربّع على جدار اسمه الجمهوريّة الدينيّة. أمّا المعجبون بأنظمة لا تقيّد السفر إلى الخارج فحسب، بل تقيّد تنقّل مواطنيها داخل بلدهم، فيستطيعون التباهى بأنّ أمريكا «ظهرت على حقيقتها».
نقلاً عن «الحياة» اللندنية