رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

غالي شكري.. مرة أخرى "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قرأنا فى كتاب غالى شكرى «العلمانية الملعونة»، رسالة متخيلة من فرج فودة إلى قاتله، والآن نقرأ رسالة متخيلة أخرى من القاتل إلى فرج فودة. «حين قرأت كلماتك أيقنت أنك تستحق القتل لسبب آخر غير الكفر هو الغرور، فأنت تتوهم أن الفقر هو الذى قادنى إلى أشرف الأعمال وهو أن أقتلك. فملايين من الشباب أمثالى أكثر فقرًا. ولم يحظ أحدهم بهذا الشرف، وتتوهم أن أستاذ المدرسة هو الذى غرس فى قلبى نور الإيمان، لكن ملايين التلاميذ من زملائى لم يقطعوا المسافة بين الإيمان والفعل الذى يقتضيه، تتوهم أن التليفزيون هو الذى أوحى لأبى بأن يلبس أخواتى الحجاب، وهناك عشرات الملايين يشاهدون آلة الكفر فيزدادون كفرًا.. البشر ليسوا سوى وسائط للخير أو للشر وصوت الله يختار من يشاء». ويمضى القاتل مخاطبا فرج فودة «إننى أخيب آمالك وأقول لك إنك واحد فقط من أصوات الشيطان، لم تكن أهمها لكنك الأكثر تطاولًا. لم أقرأ حرفًا بالفعل مما كتبت أنت. لست أعرفك بالفعل ولكن ما أعرفه عن أميرى أمير الأمراء يكفى لمعرفتي، فأنت من الدعاة للجاهلية، ترى الإسلام دينًا وليس دنيا، تؤمن بشريعة الإنسان وليس بشرع الله، تطلب أن يكون الدين لله والوطن للجميع، تدافع عن حقوق غير المسلمين، وفى مقدمتها حقهم فى بناء الكنائس، وتطلب لهم الحق فى تولى الوظائف والرئاسات والقيادات، وأنت تستخرج من الكتاب الكريم وسنة الرسول ما يؤيد دعوتك، وتسلط الأضواء المنكرة على تاريخ المسلمين فى عصور تصفها بالتخلف والضعف والانحطاط وتهاجم بلادًا أكرمها الله بطريق الحق وشريعته كإيران والسودان، وتبارك بلادًا حرمها الله من نعمته فراحت فى غمار المعصية إلى حد إرسال الإنسان إلي القمر. أنت أيها الكافر تريدنا على صورتهم، وتريد الشورى التى نادى بها الكتاب العزيز لمن يختاره الناس لا لمن يختاره الإمام من أهل الحل والعقد، وتريد الشورى ملزمة للإمام الذى لا يلزمه سوى شرع الله، أما الذين يسكنون ديارنا من غير المسلمين، فهم لا يحتاجون إلى شفاعتك لأنهم فى ذمتنا طالما لا يخرجون إلى حربنا، ولا بأس عليهم طالما يدفعون الجزية صاغرين لا ينضمون إلى جيوشنا، ولا يولى أحدهم على مسلم». ويواصل غالى شكرى فضح أطروحات التأسلم على لسان قاتل فرج فودة ونقرأ «تتهمنى وإخوانى بأننا نقيم دولة داخل الدولة. خسئت فإنما نحن نقيم الدولة على أنقاض الكفر، وليست الأموال التى تدعون أنها من الخارج إلا أموال دار الإسلام، مهما وفدت من هذا البلد أو ذاك. فالمسلمون إخوة لا قوميات تفرقهم. وليست الأموال التى تأخذها من غير المسلمين بالرضا أو عنوة إلا الجزية، وليس التدخل بالقوة لحل المنازعات بيننا وبين الدولة إلا نهيًا عن المنكر باليد، وليس اضطرارنا للقتل إلا فريضة نؤديها جهادًا. ولم يكن مقتلك بيدى إلا أداء لهذه الفريضة، ولكنك لن تفهم. أمثالك لا يفهمون اللذائذ الثلاث التى نستمتع بها فى أداء هذه الفريضة، فما تسمونه بالألفاظ الكبيرة اغتيالًا وإرهابًا وخروجًا دمويًا على قانونكم أنتم. أما حين نوضع بين الاختبار والاختيار، فإننا لا نتردد فى أداء الفريضة التى نتلذذ بها ثلاثًا». «ص١٢».
وأتوقف هنا لألفت نظر القارئ إلى ذلك التحليل النفسى البالغ الذكاء لمنهج الشخص الإرهابى وكيف يفكر، وكيف يتلذذ بالقتل وكيف يعيش متلذذًا بسفك الدماء. فاللذات الثلاث أولاها كما يتحدث بلسان الإرهابى «إننى أشعر كأننى جزء من كل. أنا عنصر فى كيان يتحرك بمشيئة واحدة، أنا حاضر وحى وكائن فى هذا الكيان وحركته ولا حياة لى خارجه. أنا جزء ولكننى أشعر أننى الكل. أنا عنصر ولكننى أشعر بأننى الكيان بأكمله. إنها لذة لا تضاهى أن أكون داخل هذه الجماعة كل شيء وخارجها لا شيء»، وأما اللذة الثانية، فهى ما تصفونه متأففين السمع والطاعة. نعم أنا أسمع فأطيع، لأننى أسمع دقات القلب وأطيع الهاتف الذى لا يرد». ليس «الأخوة» مجموعة أوامر ولا الأمير بوق تعليمات، وإنما هم وسائط اختارها الله، فمعصيتهم معصية لله. وهل تملك العين أو اليد أو القدم أن تستعصى على إرادة الجسد إذا تحرك من أجل الحياة؟ وهل يتحرك الجسد إلا إذا تلبسته الروح؟ هكذا نحن أعضاء مطيعون فى الجسد الذى تحركه الروح. لذلك نلتذ بالسمع والطاعة التذاذنا بالحياة ذاتها.إننا نطيع صوت الروح فى الجسد، فنحيا. وأما لذة اللذات فهى القتل. إنه ذروة الامتنان بالسمع والطاعة التذاذنا بالحياة ذاتها. 
وأما لذة اللذات فهى القتل. إنه ذروة الامتنان بالسمع والطاعة للعشق الذى لا يباري. وهذا هو الفعل الجامع المانع فلست وحدى الذى يقتل، وإنما استجمع فى قواى الكيان الشامل للجميع الذين صاروا واحدًا الذى هو أنا. أنا الكل فى الكل أحقق ذاتى وذوات الآخرين. أنا أحقق وجودى فى إعدام الآخر. إنه الفرح المجنون باللون القانى الجميل. قد تمسكوا بى حيًا أو ميتًا. هناك سأعود إلى الرحم البكر حيث أولد من جديد وتتوهمون بغروركم أننى فى السجن أو فى القبر. أعرفت لماذا قتلتك؟» «ص١٣». وهكذا يقدم لنا غالى شكرى تحليلًا لشخصية الإرهابى ويغوص بنا فى أعماق النفس الإرهابية، ليؤكد لنا أن أمامنا مهمة حتمية، وهى مواجهة الإرهاب فكرًا لنمحو عن الإرهابى وشمًا غرسه «الأمير». وبدون ذلك سيبقى الإرهابى متلذذًا بالقتل. وحتى تأتيه رصاصة ترديه.
إنها بالأساس مهمة فكرية. هكذا يعلمنا غالى شكرى فى رسالتيه ويسبقنا قبل أن تأتى إلى متن الكتاب.