رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الديمقراطية والإسلام "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وصاحب هذه الدراسة الصارمة والكلمات الحاسمة وإن كانت تستند إلى حجج شكلية أخشى أن تكون فى الجوهر ضد الديمقراطية، الكاتب المغربى صالحى عبدالرازق. يبدأ مباشرة قائلا «الديمقراطية مصطلح غمر الأفواه وملأ الفضاء، وطالما تباهى به الكثيرون، واستخدمته طائفة فى وجه منتقضيها واتهمتهم بخرقه وتعدى أحكامه، وذلك مثل ما فعله العلمانيون فى صراعهم مع الإسلاميين. ومع الوقوف عند ديمقراطية التيار الأول فإننا ننظر إليه من زاويتين.. الأولى تتصل بالأنظمة الحاكمة وأشكال السلطة فى وطننا العربى، والثانية تتصل ببعض مقولات مفكرى العلمانية فى وطننا العربى (ص ٢١٣).
ويواصل صالحى عبدالرازق حديثه: «لكى نقيس نظامًا ديمقراطيًا لا بد من مراقبة سلوكه الرسمى تجاه مبادئ حقوق الإنسان، خاصة ما يكون منها الحقوق السياسية والمدنية كما جاءت فى الإعلان العالمى» (ديسمبر ١٩٤٨).. يمضى قائلا: «وتحت ستار المصلحة العامة والنزاهة والدفاع عن الديمقراطية نجدها تجثم على صدور الشعوب العربية المسلمة، ونجدها تكشف عن وجهها الحقيقى وزيف ما تسميه ديمقراطيتها عندما ترفض من ينافسها على السلطة ويناقضها فكرا وفهما ونهجا فتضيق به ذرعا وتحظر نشاطه وتحرمه من شرعية لا تملك هى مشروعية احتكارها، وتحرمه من حقه فى مواجهة الشعب، وليكن البقاء للأصلح، أم أن أنظمتنا العلمانية لا تثق بعلمانيتها؟». ويمضى صالحى عبدالرازق ليكشف عن تأسلمه قائلًا بمنطق يذكرنا بمنطق المعزول محمد مرسى فيقول «وحتى إذا نافقنا نظاما علمانيا فقرر أن يخاطر بديمقراطيته وسمح للجماعات الإسلامية بالمشاركة فى تمثيل الشعب رأيت عجبا، فإن اختار الشعب المؤسسة العلمانية الرسمية فأهلا وسهلا، فماذا لو انتصر الإسلاميون، فإنها لا تقبل الحكم بقانون الله، وتؤكد أن الديمقراطية مهددة، وأن الخصم المنتصر رجعى، وانتحارى، وكأنهم أوصياء على الشعب» (ص ٣١٢). وهذه هى أقصى حجة استخدمها صالحى عبدالرازق ناسيا أمورا مهمة. فالأنظمة القائمة ليست علمانية ولا هى ديمقراطية بأى معيار وربما كانت فى كثير من الأحيان تساند المتأسلمين سرا أو تغمض أعينها عن عمد لتتخذ منهم ومن نشاطهم مبررا لاستمرار استبدادها، وكأنها تدفع الشعب إلى اختيار بائس أمام الإرهاب المتأسلم أنا أحاصركم وقد أسجنكم لبعض الوقت، أما هم فسوف يعلقون لكم المشانق. وأنا شخصيا ما زلت أذكر زمنا كان نظام مبارك يلعب معنا هذه اللعبة إلى درجة أننا قلنا فى وجهه «تقولون هى جماعة محظورة لكنها فى الواقع جماعة محظوظة».
ونواصل لنتواصل مع ادعاءات «صالحى»: «لقد رمى العلمانيون (مرة أخرى يقول إن الأنظمة العربية علمانية، وما هى كذلك ولو بأقل قدر) الإسلاميين بعديد من التهم منها أنها جماعات تمثل خطرا على الديمقراطية وتتعصب لأفكارها وتخلط بين المقدس والمدنس وتجهل علاقة التوازى بين الدينى والتاريخى. وتغفل الخلفية التاريخية والحالة الزمنية عندما تطالب بتطبيق الشريعة، فهى لذلك تحمل لواء الظلامية والرجعية والجهل، وهى لا تقدم برنامجا سياسيا ولا تجيد إلا التكفير والتجهيل وسفك الدماء وهدفها السلطة والحكم لا الشريعة والدين». (ص٢١٦). ثم يواصل «إن العلمانيين (قلنا إنهم ليسوا علمانيين) فى رميهم الإسلاميين بالسعى وراء السلطة والحكم إنما يكشفون عن لا ديمقراطية فكرهم، لأن الأحزاب العلمانية (!) تهدف هى الأخرى للسلطة والحكم». ثم هو يقول عبارة شديدة الخطأ والخطيئة فيقول نقلا عمن قال إنه أحد المفكرين «إن الدين من غير سلطة فلسفة محض»، ناسيًا رأى الإمام الغزالى وكثير من المتكلمين القدامى فى أن الفلسفة خطأ وخطر، وما كتاب الغزالى «تهافت الفلاسفة» بغريب عن عقولنا. ثم هو يفسر سلطة الإسلام تفسيرا جافا وعنيفا ومدمرا للمواطنة، فيقول «إن الدعوة الإسلامية بعد قيامها فى صدور الناس بحثت لنفسها عن إطار سلطوى يمكنها من الحفاظ على الدعوة وحمايتها كما يمكنها من تطبيق مبادئها وجعلها محترمة من طرف الجميع»، ثم يسأل سؤالا سخيفا ومخيفا ومهددا لوحدة الوطن والمواطنين ولحقوق المواطنة فيقول: «فكيف نفرض مثلًا على غير المسلمين أن يدفعوا الجزية من غير أن نفرض ذلك عليهم فرضا بسلطة الدولة الإسلامية؟ أم أن من فرضت عليهم الجزية سيحترمون روحانية الإسلام ويعطونها عن طيب خاطر؟». (ص ٢١٨). ويواصل «صالحى» تبريراته «أما الزعم بألا تطابق بين الشريعة (القديم) والواقع الذى نعيشه (الجديد والمعاصر) إنما يقصد تضليل الجهود، لأن تطبيق الشريعة ليس خلع الماضى على الحاضر وكأننا بصدد تغيير الثياب، وإنما يكون تطبيقها بالحفاظ على الثوابت والبحث فى المجهول، فالأهم هو عدم ضرب القرآن والسنة بعرض الحائط وعدم مناقضه مقاصد الشريعة». ثم أن «صالحى» يندفع فجأة إلى عبارة لعله كتبها دون ترو فيقول «إن العلمانيين ينفون عن الإسلاميين العقل ويقولون إنهم ضد العقل. ولست أدرى ماذا يقصدون بالعقل؟ أهو التحلل من مبادئ شريعتنا؟ أم هو التقدم العلمى والتكنولوجى الذى مكن أعداءنا من التفوق علينا؟»، وأتوقف محاولًا أن أتفهم معنى ومغزى الجملة الأخيرة «عن التقدم العلمى والتكنولوجى الذى مكن أعداءنا من التفوق علينا. فماذا يقصد بذلك؟ وهل هو موقف ضد العلم والتكنولوجيا؟ وقبل أن نختتم هذا الجدل أسجل على «صالحى» قوله الذى يدين فيه محاولة مساندة مواطنى جنوب السودان إزاء مذابح ينظمها الشمال فيقول إنها مناصرة للكفار على المسلمين السودانيين المتكتلين فى الجبهة الإسلامية، فكيف تستحل العلمانية ضرب الإسلاميين السودانيين بيد الكفار؟! ولعل هذه العبارات تكفى وتزيد لتكون كاشفة لوجه التأسلم. ولعلها تكون غير مساندة لنا فى وقوفنا الحازم الحاسم ضد التأسلم والظلامية، ويبقى لمجلة الناقد أنها أوردت هذا الرأى دون تعليق تاركة للقارئ تقييم ما فيه. ونواصل.