رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رحلة إلى أدب سيد قطب وعقل حسن البنا "2-3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونمضى قدمًا مع السيد الحرانى فى كتابه «الإخوان القطبيون» لنجده ويالدهشة يحمد الله أن سبحانه وتعالى قد جعل سيد قطب صداميًا وهدامًا ودمويًا ومباشرًا، هذه الصفات التى عجلت بإعدامه ولم تسمح له بأن يبقى فترة أطول لكى يرى بنفسه كيف أن فكره الذى ضمنه فى كتاباته وخاصة فى كتابيه (معالم فى الطريق، فى ظلال القرآن) أصبح قرآنًا ودستورًا ومنافستو لتيارات العنف وللجماعات الإسلامية التى كان بعضها موجودًا، ولكن لم يكن لديهم غطاء شرعى يبرر إجرامهم وإرهابهم فى حق المجتمع البشرى بشكل عام والإسلامى بشكل خاص، وجماعات أخرى كانت تلك الكتابات والأفكار سببًا فى نشأتها وسببًا رئيسيًا أيضًا فى شلالات الدماء التى لم تتوقف باسم الدين الإسلامى والإسلام منها برىء» (ص١١).
وبغض النظر عن أسلوب الشماتة واستحسان الإعدام إلا أن الحرانى الذى استحسن تسمية كتابه بأنه تحقيق استقصائى مطول قال إن هدفه من هذا التحقيق الاستقصائي «هو الوقوف على الحقائق والملابسات التى أصبحت تحيط بجماعة الإخوان والتيارات المتشددة وتحليل وتوضيح منهج العنف الذى يستخدمونه دون دراسة مشروعيته الدينية والاجتماعية والسياسية محاولًا أن يثبت ذلك بالأدلة التى تركها لنا ولأتباعه ومريديه من بعده» (ص١٢)، ثم ينحو بنا سيد الحرانى نحو تحليل نفسى لسيد قطب، فهو من وجهة نظره كان مجرد رجل ساخط على المجتمع، لأنه عاش دائمًا فى المنتصف ولم يصل فى الشعر والأدب الذى اعتنقه فى بدايته إلى الشاطئ الآخر حتى إن أستاذه عباس العقاد تخلى عنه، (والحقيقة أن هناك تفسيرًا أو تبريرًا آخر لموقف العقاد من قطب وهو أن قطب وبعد احتضان العقاد له ما لبث أن انقلب عليه وانتقد مواقفه وكتاباته)، لكن الحرانى يمضى فى تحليله قائلًا إنه وجد الشاطئ الآخر الذى كان يبحث عنه دائما فى «حضن الجماعات الإسلامية التى يتمتع معظم المنتمين فيها بقصور التفكير الذى قام حسن البنا بتحجيمه بالسمع والطاعة العمياء فاستغل قطب جهل المنتمين للإخوان وعاش فى كنفهم ونقل عن أبوالأعلى المودودى معظم أفكاره التى كان المودودى يناهض بها الهندوس، والتى نقلها المودودى عن ابن تيمية الذى كان يناهض بها الكفار الذين كانوا يغزون الدول الإسلامية مدعين أنهم مسلمون، ليس هذا فحسب لكن السيد الحرانى يلاحظ وهو على حق فى ذلك «أن المنتمين للجماعات التكفيرية لم يفكروا فى مراجعة تلك الأفكار لأنهم وجدوا فيها المبرر الشرعى للإرهاب» (ص١٢)، ثم يضيف المؤلف سببًا آخر فقال «ويبدو أن جماعة الإخوان التى فقدت القيادة فى تلك الفترة، نتيجة قتل المرشد الأول حسن البنا، ثم حملة الاعتقالات الواسعة فى الفترة الناصرية قد وجدت فى شخص سيد قطب القيادة، وفى أفكاره الشرعية الدينية ما يواجه بها النظام الناصرى الذى كانوا يرونه شريك الأمس الذى غدر بهم» (المرجع السابق)، ثم يمضى سيد الحرانى إلى نتيجة أخرى فيقول «وقد تمتع سيد قطب مع الإخوان بكل ما لم يتمتع به مع غيرهم، فقد رفعوه لدرجة المفكر والمنظر والعبقرى، ولكن نتيجة هذا الحلف الغريب بين الكاهن والعبيد كان أن دفع المجتمع بأسره الثمن غاليًا، وإن دخل العالم فى موجة لم تنته حتى الآن». ويمضى الحرانى معتقدًا «إنها لن تنتهى للأبد من الإرهاب واستخدام العنف والتفجيرات التى خلفت وراءها الدم والدمار» (ص١٣)، وينهى السيد الحرانى تحليله النفسى لشخص سيد قطب بتحليل نفسى جماعى لأتباعه الذين تمددوا الآن فى أرجاء مختلفة من العالم فيقول «إن هذه التيارات التى صنعها سيد قطب فى بداية الجزء الثانى من القرن الماضى أصبحت للأسف أحد مكونات العالم الذى نعيش فيه، وأصبحت أحد أضلاعه الذى يمارس دور الشرير فى الحياة البشرية، والذى يستخدمه الغرب أحيانًا فى مواجهة الشرق، وأحيانًا يستخدمه الشرق فى مواجهة الغرب» (ولم يوضح لنا السيد الحرانى ماذا يقصده بكلمة «الشرق» هذه، وإنما يمضى قائلا «ولكن يبدو فى النهاية أن دور التيارات الإرهابية التى جميعها وبلا استثناء آراؤها قطبية لن ينتهى إلا بانتهاء الطمع البشرى، وبانتهاء محاولات البعض السيطرة والاستيلاء على ثروات البعض الآخر»، أو ثمة سيناريو آخر يراه الحرانى وهو «أن يتقبل بعضنا الآخر دون التدخل فى الشئون الاجتماعية والسياسية والعقائدية، فى تلك اللحظات فقط سينتهى الإخوان القطبيون وكل من يدين بدينهم ويؤمن بأفكارهم»، ثم ينهى السيد الحرانى مرثيته للعالم الذى يعتقد أنه سيبقى مهددا أبدًا بوباء التأسلم ذلك أنه ما من أمل فى أن يتقبل الإخوان المتأسلمون هم وكل تلاميذ سيد قطب، الآخر. وهو على أى حال يؤكد ذلك فى ختام مقدمته الدرامية للكتاب قائلا «إلى أن يحدث هذا الأمل المستحيل.. أرجو أن يكون تحقيق هذا بمثابة نقطة فى طريق عودة البعض ممن ينتمون للإخوان القطبيين لإنسانيتهم وبشريتهم وفطرتهم التى فطرهم الله عليها، والتى تنبذ العنف والتخريب والإرهاب».
وهذا ما كان فى المقدمة.. فماذا عن متن الكتاب؟