رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"إيجابية" الإعلام لا تصنعها الشعارات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع زخم المقالات والآراء التى تناولت مظاهر فوضى الإعلام وأزماته حتى بات يشكل حالة «صداع مزمن» بالنسبة للحكومة والمشاهد.. فى مقابل كل التحليلات ظهرت مؤخرا «تقليعة» الإعلان عن تأسيس تجمعات تزعم لنفسها عناوين وأهدافا براقة مثل حركة «إنقاذ الإعلام» و«من إجل إعلام إيجابي».
جرى العرف أن يقترن تدشين المبادرات بتقديم عدة ضمانات أساسية تضفى الجدية على هذه الأنشطة وقدرتها الفعلية على المشاركة فى التغيير الإيجابى.. إذ أنه دون هذه القواعد لن تخرج عن كونها مجرد «مناسبات استعراضية» للتجمع أمام كاميرات وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية المختلفة.
المثير للدهشة أن البيان الذى صدر عن مجموعة أطلقت على نفسها «من أجل إعلام إيجابي» لا يتضمن سوى نقاط إنشائية مكررة حول المكانة التى يتمنى الجميع لمهنة الإعلام الارتقاء إليها، سواء على صعيد القنوات الرسمية أو الفضائيات الخاصة. إشكالية إصلاح ماسبيرو قضية معقدة ومتشابكة.. أزماته أعمق من مجرد «تجمعات إعلانية».. بل إن أشد القيادات صلابة وحزما -حاليا هى صفة مفقودة فى هذه القيادات- ستجد نفسها أمام قرارات مؤلمة وصادمة إذا ما كانت جادة فى إجراء إصلاح جذرى يعيد إلى ماسبيرو بريقه.. مثل تقليص آلاف العاملين الذين يشكلون عبئا إداريا على هذا الجهاز الإعلامى دون قيامهم بأى عمل يذكر داخل مبناه.. أو إعادة تقييم المستوى المهنى للإعلاميين والعاملين به، بما يضمن اقتصار العمل فى ماسبيرو على أساس قاعدة المهنية الإعلامية، وليس وفقا لاعتبارات أخرى أصبحت مكشوفة ومعروفة للجميع.. كلمة «الهيكلة» التى تقابل بنظرات التحفز والغضب داخل ماسبيرو رغم أن العديد من إعلامييه أكدوا لى أنهم حتى الآن لا يعرفون أى معلومة توضح الملامح العامة لهذه الخطة ولا الآلية التى ستنفذ على أساسها هذه «الهيكلة»!.. وهل تحويل القنوات المتخصصة إلى شركة استثمارية سيضعها تحت سيطرة رأس المال الذى يحكم القنوات الفضائية الخاصة؟ وإذا ما كانت الهيكلة هى فقط مجموعة إجراءات إدارية فإن ماسبيرو أكثر احتياجا إلى هيكلة مهنية للقضاء على الترهل الإعلامى والبيروقراطى بين قياداته، لذا الحديث بجدية عن فتح أى ملف من ملفات قطاعات اتحاد الإذاعة والتليفزيون هو بمثابة اقتحام «عرين أسد».. و«الأسود» الكامنة داخل ماسبيرو كثيرة ومختلفة.
بصراحة.. كل «العناوين البراقة» التى ترفعها هذه التجمعات لا تتجاوز مظاهر «العبث الاستعراضي» خصوصا أن أجواء تدشين حركة «من أجل إعلام إيجابي» حفلت بمظاهر الفوضى وعدم احترام الضيوف.. فإذا كانت هذه التجمعات عاجزة عن إظهار أبسط قواعد الترحيب والتنظيم تجاه الضيوف الذين تتم دعوتهم، ثم ضربوا –منذ لحظة البداية- عرض الحائط بكل الشعارات الإيجابية التى زعموا تبنيها.. هل يمتلك من مارسوا أسلوب العشوائية والفوضى على ضيوفهم مصداقية الدعوة إلى إيجابية الإعلام؟! بدلا من تسابق معدى ومقدمى برامج ماسبيرو على الوقوف أمام كاميرات الفضائيات والمواقع الإخبارية من أجل أن يحظوا بشرف التصوير مع قياداتهم.. كان الأجدى بهم تقديم مبادرات إلى هذه القيادات لانتزاع برامجهم التى عفا عليها الزمن خارج دائرة البيروقراطية، حتى إنها عجزت عن تقديم متابعة إعلامية متطورة للمشاهد حول طبيعة الأحداث الهامة والخطيرة فى المنطقة العربية والعالم.
للأسف، هذا التدنى لا يقتصر على القنوات الرسمية، لكنه أيضا سمة مميزة للفضائيات الخاصة، يكفى نموذج واحد من إحدى القنوات «الإكسترا» وبرنامجها الذى يطرح قضايا مصر والعرب والذى يحفل بسقطات ينطبق عليها «شر البلية ما يضحك»! ففى تناول الشأن العراقى تحديدا مع كل حلقة تزداد مشاعر الدهشة والاستياء التى تنتقل لى من داخل العراق عبر كبار الكتاب السياسيين والمثقفين أصحاب الآراء المستقلة عن حجم تزييف الحقائق الذى يرد على لسان ضيوف هذا البرنامج حول ما يدور فى العراق.. بل إنها تقدم للمشاهد عراقا آخر يقع فى كوكب بعيد تماما عن الواقع كما يعيشه العراقيون! هذا مجرد نموذج واحد من بلد يشهد حاليا تغييرات جذرية. إنقاذ الإعلام – الرسمى والخاص- يشترط خطة جادة للإصلاح الجذرى بصرف النظر عن التضحيات، وما قد يراد بها من إجراءات حازمة ومؤلمة فى نظر فئة.. وإذا كانت الاستقلالية التى ننشدها للإعلام تنسجم مع الجملة التى ذكرها الرئيس السيسى فى اجتماعه بالمثقفين مؤخرا (لن أحاكم الإعلام.. وسأترك التجربة تضبط الموضوع)، وهى لا تحتمل سوى تأويل واحد يمنح الإعلام فرصة التنظيم الذاتى.. بالتالى أى مبادرة عن الإعلام تهدف إلى التغيير الحقيقى لا بد أن ترتقى فوق مستوى العناوين الإنشائية ورغبات الباحثين عن شهرة مؤقتة، فمن المؤكد أن مظاهر التردى فى الإعلام تجعله فى غنى عن المزيد من مغامرات الباحثين عن الشهرة.. حتى لو كانت على حساب الجسد المريض.