السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بارليف.. نمر من ورق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من تفتح وعيه مثلى على نكسة 67 يعى جيدًا قيمة يوم 6 اكتوبر 73.
فقد تسبب كذب إعلامنا المصرى في الخامس من يونيو 67 وما لعبته “,”صوت العرب“,” في بث بيانات عسكرية مضللة جعلتنا نرقص فرحًا ونحن نستمع إلى صوت أحمد سعيد يزف إلينا أنباء إسقاط قواتنا المسلحة لطائرات العدو الإسرائيلي وهس تحلق فوق شبه جزيرة سيناء لنكتشف، بعد حرب الأيام الستة، أننا كنا مذبوحين، وأن العدو الإسرائيلي هو الذي دمر طائراتنا وهي لا تزال رابضة على الأرض، فنفقد الثقة لسنوات فيما يذاع في إعلامنا المصري.
ولم يتغير موقفي هذا إلا بعد اعتراف العالم حقيقة ما حدث، منذ باغت الجنود المصريون هذا الجيش “,”الذي لا يقهر!“,” بعبور أقوي مانع مائي واختراق خط بارليف، الأسطورة التي برع الإسرائيليون في نسجها، والممتد عميقًا في سيناء لمسافة لا تقل عن خمسة وثلاثين كيلو مترًا، توزعت فيه ألوية الجيش الإسرائيلي وفرقه في ئلاثة خطوط متتالية، تتحرك بمرونة في حالة نشوب حرب وعبورنا القناة.
ما يهمني من كل هذا الخط الدفاعي هو الساتر الترابي، الذي يظن العامة أنه هو خط بارليف؛ لماذا يهمنى؟
لا لأنه كان يمثل عقبة كؤود في وجه قواتنا المسلحة أثناء العبور، وإنما لكونه شكَّل معضلة كبيرة لجيش العدو أيضًا!
فهذا الساتر كان مشيدًا بدشم وقواعد وخنادق تحتاج إلى نحو ثلاثين ألف جندي إسرائيلي كي تكتمل فاعلية الساتر بكل كفاءتها، في حين أن الواقع غير ذلك تمامًا، كان لا يوجد على امتداد الخط كله سوى بضعة آلاف من جنودهم، والسبب طول خط الامدادات بين إسرائيل والقناة، وصعوبته اللامتناهية لمروره في تضاريس صحراوية وجبلية بالغة الوعورة، مما لا يمكن معه وصول إمدادات كافية لثلاثين ألف جندي، ولذلك كانت كفاءة هذا الساتر، واقعيًا، أقل بكثير مما تشيعه إسرائيل عن ضراوته.
وهدف آخر كان من المفترض أن يحققه هذا الساتر، الذي شيد بارتفاع 25 مترًا في بعض المناطق لإخفاء تحركات العتاد الإسرائيلي عن عيون جنودنا في الضفة الغربية للقناة، لكن هذا الهدف هو الآخر لم يتحقق، فقد قام سلاح المهندسين بإنشاء مصاطب ترابية ضخمة على الجانب الغربي من القناة، فاقت في علوها ارتفاع ساتر خط بارليف، وهكذا تمكن الجندي المصري من استطلاع ما يجري من تحركات خلف الساتر الترابي للعدو.
وفي أكتوبر 74 سافرت إلى المانيا الغربية، وأنا بعد طالب في المرحلة الجامعية في أول سفرة لي إلى الخارج، لألمس في فرانكفورت الأثر الذي أحدثته حرب أكتوبر في تغيير نظرة العالم لنا كمصريين بعد أن نجحنا في العبور من ذل النكسة إلى عز النصر، وهنا أدركت أن العالم لا يحترم إلا القوي، وهناك قررت أن أتتبع تجارب مبدعينا التي تسجل بطولات الجندي المصري على جبهة القتال.
والآن، وبعد مرور أربعين عامًا على هذا النصر، أجلس إلى أصدقائي المبدعين الذين أسهموا في صنع هذا الحدث على الجبهة، وسطروه في قصصهم ورواياتهم، لنحتفي به على طريقتنا.
“,”سمير الفيل“,”، الأديب الدمياطي الذي خدم في الكتيبة 16 مشاة، يؤكد أن رنة فرح ترددت على أرض سيناء وانعكس صداها في شتى ربوع مصر عندما عبرت الأنساق الأولى من جنود المشاة، واعتلت خط بارليف، ودمرت كافة التشكيلات المدرعة للعدو الإسرائيلي، ويذكِّرنا بأنه في جل كتاباته كان حريصًا على أن يعود إلى القرية، والنجع، والحارة، وإلى بيوت الصيادين على شطوط بحيرة المنزلة، ليفهم تلك العقيدة التي رسخت معنى الشهادة.
وفي روايته “,”رجال وشظايا“,” صور تفصيلات العمليات العسكرية، وخلد أبطالًا استشهدوا ودفنوا في التباب الرملية، أو أصيبوا وأخلتهم السرايا الطبية، وفيها تتبع حياة طاقم هاون 82 مم، بعد أن تعرف على حياة متقشفة فقيرة أنجبت هؤلاء المقاتلين العظماء الذين تصدوا لنيران العدو المكثفة في القطاع الأوسط من الجبهة.
وعن محاربين عايشهم في الملاجيء والدشم خلال تحرك كتيبته في: المحسمة، وسرابيوم، والدفرسوار، وفي تبة الشجرة بسيناء، كتب “,”الفيل“,” روايته “,”وميض تلك الجبهة“,” .
يقول: اليوم، وبعد مضي أربعين سنة على تلك الوقائع التي صورت بعضها في ثلاث مجموعات من القصص: “,”كيف يحارب الجندي بلا خوذة ؟“,”، “,”شمال.. يمين“,”، “,”خوذة.. ونورس وحيد“,”، يمكنني القول إننا نعيش في مفترق طرق، وإن الوطن يحتاج إلى أن ندفع به في اتجاه المستقبل، وإن كل رغبة شريرة قصيرة النظر لجذب البلاد إلى هوة الظلام والتخلف محكوم عليها، مقدمًا، بالفشل.
ويتصور “,”الفيل“,” أننا نعيش محنة من نوع ما، وأن جيشنا العظيم منذ عهد إبراهيم باشا الذي حقق انتصارات عبقرية على العثمانلية، مرورًا بأحمد عرابي ومحمد عبيد، وليس انتهاء بعبدالمنعم رياض وأحمد بدوي وأحمد حمدي ومحمد زرد وإبراهيم عبدالتواب.. وغيرهم من جنود مصر الذين شكلوا حائط صد قوي ضد كل محاولات إسقاط الدولة، أوتمزيقها بالإصرار على عودة الحق، وتحرير الأرض ورفض العدوان ودحره.
ويذكر الروائى الدكتور “,”السيد نجم“,”، صاحب مشروع أدب المقاومة، أن تجربة مشاركته فى حرب اكتوبر73 على امتداد سنوات أربع فى جبهة القتال، أثرت كثيرًا في حياته الشخصية والإبداعية، مشيرًا إلى أن النقاد التفتوا إلى ذلك في روايته “,”السمان يهاجر شرقً ا“,”، ومجموعتيه القصصيتين “,” أوراق مقاتل قديم“,”، و“,” عودة العجوز إلى البحر“,”.
ويعترض الأديب البورسعيدي “,”قاسم مسعد عليوة“,” على إطلاق صفة “,”ذكرى“,” على هذه المناسبة، قائلًا: يا ناس.. حرب أكتوبر لم تصبح ذكرى يتم إحياؤها كل عام، لسبب بسيط متصل بجوهرها الذي لايزال ماثلاً في وجدان المصريين الوطنيين الخُلـَّص، حيًا في أذهانهم، وأحسبه سيظل.
هذه القناعة الراسخة في أعماق “,”قاسم“,” هي التي تنهض عليها أعماله الأدبية التي تشكل الحرب تجربة أصيلة فيها؛ ومنها “,”أنشودتان للحرب“,”، “,”لا تبحثوا عن عنوان.. إنها الحرب.. إنها الحرب“,”، “,”500 متر“,”، “,”عربة خشبية خفيفة“,”، و“,”حدود الاستطاعة“,”، و“,”خبرات أنثوية“,”، و“,”نبض المرايا“,”، و“,”الغزالة“,”.
هذه، يا سادة، هي روح أكتوبر التي صنعت المعجزة ..ولا تزال.