رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الرقابة والجنس "22"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ضحكنا على خطبة الشيخ الذى تنبأ لى بأنى لن أوظف فى وظائف شرعية أبدا بسبب اسمى. وكنت سعيدا بثقة الأستاذ أبوسيف رغم أنى تخرجت منذ شهور فى معهد الفنون المسرحية وقد اختارنى وقد شاهد لى تمثيليتين بالتليفزيون لأشاركه كتابة السيناريو، ثم أكتب حواره.
كان عمره ضعف عمرى لكنه غاية فى التواضع والدماثة. كانت الجلسات تتم فى منزلي، يناقشنى بهدوء وصبر حول الموضوع الذى يعالج المفاهيم الخاطئة حول الجنس وتسبب التعاسة للأزواج والزوجات، رأيته يشترى مراجع للموضوع ويستشير الأطباء ويأتى بالفتاوى الدينية من الشيوخ، وكأنه يعد لرسالة دكتوراه. لكن عندما هم بدخول الأستديو اصطدم بحائط الرقابة على المصنفات الفنية التى رفضت الفيلم بأكمله. لكنه أصر على أن يعيد المحاولة معهم وبدأ بتغيير اسم الفيلم بعيدا عن كلمة الجنس، ربما كانت هى سبب المنع لكن ظلت الرقابة ترفض.
لم يكن فى الفيلم أى مشاهد جنسية مخلة أو مثيرة على الإطلاق. ولكن كان الجديد مناقشة مشكلة الجنس من ناحية علمية تماما، أما الذعر فكان فى وجود كلمة الجنس على أفيش فى الشوارع، ولا تزال مرفوضة، فالمعروف أن حياتنا تخلو من الجنس تماما! كان الفيلم يتعرض لمشكلة فشل العلاقة الجنسية بين زوجين نتيجة اختلاف تربية كل من الرجل والمرأة فى مجتمعنا، ولم يكن به أى مشاهد عارية لأننا قصدنا أن نخاطب عقل الجمهور لا إثارة غرائزه، وكان التركيز على مناقشة المشكلة من وجهة نظر علمية، وكانت هذه غلطته الثانية! والغريب أن صلاح أبوسيف بدأ بعدها فى إنتاج فيلم آخر هو (حمام الملاطيلي) ورغم أن النقاد انتقدوا مشاهده الفاضحة فإن الرقابة سمحت به! وابتسم أنت فى مصر. لكن الأستاذ صلاح لم ييأس وظل يعيد تقديم الفيلم مغيرا اسمه عدة مرات كلما جاء رقيب جديد، وكان فى كل مرة يرفض كلية. وبعد سنوات كثيرة وافق رئيس خامس أو سادس للرقابة وسمح به أخيرا. وعندما بدأ يستعد لإخراجه كانت قد مرت أكثر من سنة بقليل على الموافقة، وحسب قانون الرقابة كان يجب تقديمه للرقابة ثانية إذا كان مضى سنة، وخطر للأستاذ صلاح أن أكتب مشهدا لشيخ فى جامع يتحدث فى خطبة عن أمر الجنس من الناحية الدينية مسترشدا بحديث شريف، وعبثا حاولت أن أثنيه عن الفكرة خاصة والسيناريو قد تمت الموافقة عليه، ولما كان المشهد لا يستغرق إلا دقيقة فقد وافقته.
وكانت المفاجأة أن رئيس الرقابة الذى صرح بالفيلم فى العام الماضى قد رفض السيناريو وتعلل بالمشهد الذى زاد، فعرض عليه الأستاذ صلاح حذف المشهد لكنه أخبره أنه أرسله للأزهر ليأخذ رأيه فيه. ولم أكن فى حاجة كى أنتظر قرار رقابة الأزهر كما انتظره الأستاذ صلاح، فقد جاء الفيتو من الأزهر كما توقعت. لماذا غير رئيس الرقابة رأيه؟ ربما كان له غرض فى هذا والله أعلم. واقترح الأستاذ صلاح علىّ فكرة نشر السيناريو فى كتاب لكن حالت ظروف انشغالى دون تجهيزه للنشر. وخلال ذلك صرحت الرقابة بعشرات الأفلام التى عرضت مواقف جنسية عارية ومثيـــرة لكـــن ميزتها أنها لم تكن تناقش أى شـــيء إلا مشاهد العرى.
وتقدم الأستاذ صلاح فى السن وعندما جاء الحديث عن الفيلم قال إن البركة الآن فى ابنه كى يخرجه بدلا منه. وظل الأمر هكذا حتى سمحت الرقابة أخيرا بالفيلم. ولكن كان الأستاذ قد تقاعد ثم توفى. وكما تنبأ هو، أقدم ابنه على إخراجه وتم عرض الفيلم بنفس السيناريو عام ٢٠٠٢ وبنفس المشهد المضاف وبدون عرضه على الأزهر لمعرفة رأيه فيه. الشيء الوحيد الذى تغير هو اسم الفيلم الذى غيره محمد أبوسيف دون أخذ رأيى مثل أبيه وجعله (النعامة والطاووس) الذى لا يوحى بأى شيء سوى حديقة الحيوان!. عرض الفيلم بعد مضى ثلاثة عقود بالتمام، فقد انتهيت من كتابته عام ٧٢ وعرض فى ٢٢ فبراير ٢٠٠٢ وحضرت عرضه الأول فى افتتاح فى مهرجان الإسكندرية السينمائى وشاهدته مع عدة صفوف فى المقدمة من أطفال ومراهقين ولم يشك أى أحد من أولياء أمورهم ولم يقل أى أحد من النقاد إنه فيلم «أبيح»!. لكن الفيلم بعنوانه الجديد لم يكن مفهوما للناس.
لكن ما إن اشترته الفضائيات حتى سارعت فى عرضه وعملت ندوات كثيرة حوله تستضيف فيها أبطال الفيلم ومؤلفه ومخرجه وتستطلع آراء المشاهدين، ولكن كل ذلك لم يشاهده المرحوم صلاح أبوسيف. ولم أعرف رأيه فيه لو كان قد شاهده. لكن رحلتى معه لم تقف عند هذا الحد. وبقى أن أقول إن أول فيلم ظهر لى كان هو آخر فيلم يظهر لى. حتى اللحظة فقد توقفت، كالأفلام التى كتبتها، لسبب أو لآخر ولكن هذه قصة أخري!.