السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بيوتنا العارية وأمننا المنتهك

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل تتخيل أنه يعلم ما لا تعلم عن أبنائك وزوجتك أبيك وأمك، مطلع على ما يدور بداخل كل فرد ومنزل وشارع وقرية ومدينة.. يعلم مشاعرهم وإلى من يتحدثون وعما يبحثون بل وتطورت معرفته إلى حد علمه بحالتك النفسية سعيد أو تعيس وحالتك الجسدية مريض، مرهق أو معافى وكيف تخطط لمستقبلك، وما تريد إخفاؤه عن أقرب الأشخاص إليك؟
هذا الكائن الخرافي الذي تريد مواجهته يمكنه على الأقل تصنيف 36 مليون شخص في مصر كل على حدة اتجاهه السياسي وظيفته، أقرب الأشخاص إليه، مستوى دخله الاقتصادي والاجتماعي، بل وأسراره ونزواته، لقد قضى على تلك النوعية من الأبحاث التي كانت تعتمد على تحليل المجتمع عن طريق عينات عشوائية من البشر أو حتى منتقاة بمعيار معين، ولماذا يلجأ لهذا وهو يمتلك القدرة على معرفة كل شيء من معظم سكان العالم ولديه القدرة على تحليل كل تلك المعلومات وتصنيفها في ثوانٍ.
صديقي وزميلي العزيز على تركى لم تعد المعضلة التي تحدثت عنها في مقالك ببيتنا الكبير "البوابة نيوز" عن إنقاذ الصحافة الإلكترونية باللجوء إلى جوجل بديلا عن فيس بوك فكلاهما أكبر سلاح تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية لمعرفة كل شيء عن أي فرد يحيى على هذا الكوكب دون أن تدفع مليما واحدا لجواسيس تنتشر في كل بيت بأرجاء المعمورة بل أصبحت تحقق مئات المليارات سنويا كأرباح من هذه الوسائل السحرية للتجسس والبحث والتحليل والتجارة.
زميلي العزيز ليس سوق إعلانات الصحف والمواقع والفضائيات فقط هو من تأثر بتغول الكائن العنكبوتي الذى أصبح يسكن كالقرين بداخل كل إنسان فينا الأهم أن أسرارنا وتجارتنا وبيوتنا وأمن بلدنا أصبح يعلم كل شيء عنه هذا الكائن الخرافي.
معذرة يا صديقي أي حديث عن مواجهة هذا الغول واستبداله بمحرك البحث "جوجل" مجرد هراء فالغرض الأكبر من كليهما واحد لصانعه، وحتى على مستوى مهنتنا، فجوجل وفيس بوك شريكين في صنع الأرباح فباختصار أغلب الزيارات للمستخدمين حول العالم من فيس بوك وهى بدورها هي من تحقق الأرباح لإعلانات جوجل، أما بخصوص أن فيس بوك يحصل على محتوى المواقع بطريقة مجانية دون أن يدفع فهذا غير صحيح على الإطلاق فما نقوم بنشره من المواقع الإخبارية مجرد رابط فقط وليس محتوى يؤدي في النهاية إلى الترويج لمنتجنا الإخباري أي أننا فى النهاية نحن من نلجأ إلى فيس بوك وليس العكس.
وبعيدًا عن تلك النظرة التي أراها غير منطقية بل وأنانية فى الطرح لحساب مهنتنا هناك المعضلة الأكبر والأخطر يا صديقي علينا جميعًا أن نعلم أن كل أجهزتنا التي نتصل بها عبر الإنترنت ليست فقط لاستقبال الشبكة وإرسال معلومات لمن نريد مراسلته فقط، بل أجهزتنا جميعها أجهزة إرسال، ترسل للمواقع العملاقة مثل فيس بوك وجوجل كل ما تريده وأكثر أي دولة تتجسس على الأخرى، كل شيء محادثاتنا الخاصة.. الفيديوهات التى نتصفحها الإعلانات التجارية نوعية الأخبار التى يفضلها كل شخص.
هل تذكر يا صديقي حادث استشهاد ضباطنا وجنودنا بكمين كرم القواديس، وكيف أن بعض ضباطنا الشهداء نشرت لهم رسائل خاصة تبادلوها قبل وقوع الحادث بساعات عبر تطبيق "الواتس آب" عن احتمال استهدافهم،  وتم تداول تلك الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
هل أدركتم جميعًا إلى أي مدى أصبحت بيوتنا عارية وأمننا منتهك؟
فالحل يا صديقي ليس أن ندفن رؤوسنا في الرمال، ونستسلم بل علينا ألا نتجاهل تلك الوسائل أو نحاول محاربتها لأنه سيكون دربا من دروب الجنون ومجرد أحاديث في الهواء،  فإما أن تكون لدينا فكرة ليست مجرد مسخا أو تقليدا لهؤلاء نستطيع بها غزو العالم وهو أمر بعيد المنال فى الوقت الحالي، وإما أن نتعلم كيف نستخدم تلك الوسائل فى التحليل والمعرفة مثلما يفعلون كيف ننفتح ونتعلم كيف نروج لصناعتنا ومواقعنا الإخبارية وأفكارنا وحضارتنا عبر نفس الوسائل التي يستخدمونها بدلا من الحديث عن محاربة طواحين الهواء.