الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

العالم يحيي بعد غد اليوم الدولي للديمقراطية

الجمعية العامة للأمم
الجمعية العامة للأمم المتحدة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحتفل دول العالم بعد غد الثلاثاء باليوم العالمي للديمقراطية تحت شعار "توفير حيز للمجتمع المدني"، ويهدف الاحتفال هذا العام إلى تذكير الحكومات في كل مكان بأن إحدي سمات الديمقراطيات الناجحة والمستقرة هي وجود قوي وحر للمجتمع المدني، والعمل معًا من أجل تحقيق الأهداف المشتركة ومستقبل أفضل، وفي الوقت نفسه، يحافظ المجتمع المدني على استمرار مساءلة الحكومة.
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت في دورتها 62 القرار رقم 7 لعام 2007 الاحتفال في 15 سبتمبر من كل عام باليوم الدولي للديمقراطية لتشجيع الحكومات على تعزيز البرامج الوطنية المكرسة لتعزيز وتوطيد الديمقراطية، بطرق منها زيادة التعاون الثنائي والإقليمي والدولي مع مراعاة النهج الابتكارية وأفضل الممارسات.
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في رسالته بهذه المناسبة إلى أن المجتمع المدني هو أوكسجين الديمقراطية، قائلًا:"ونحن نرى هذا بوضوح في الديمقراطيات الأكثر حيوية واستقرارا في العالم، حيث تعمل الحكومة والمجتمع المدني معا على تحقيق الأهداف المشتركة، ويعمل المجتمع المدني كعامل محفز للتقدم الاجتماعي والنمو الاقتصادي، ويلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على مساءلة الحكومة، ويساعد على تمثيل المصالح المتنوعة للسكان، بما في ذلك المجموعات الأكثر ضعفا، ولم يكن دور المجتمع المدني في أي وقت مضى أكثر أهمية مما هو عليه الآن".
وأضاف مون أنه عما قريب سوف نبدأ في تنفيذ خطة جديدة ملهمة للتنمية حظيت بموافقة جميع حكومات العالم، ومع ذلك وبالنسبة للمجتمع المدني، فإن حرية العمل آخذة في التناقص أو حتى في سبيلها للاختفاء، فقد اعتمد عدد هائل من الحكومات قيودًا تحد من قدرة المنظمات غير الحكومية على العمل، أو الحصول على التمويل أو كليهما، وهذا هو السبب في اختيار موضوع ”توفير حيز للمجتمع المدني“ ليكون موضوع اليوم الدولي للديمقراطية في هذا العام.
وأوضح مون أن تحقيق التقدم والمشاركة المدنية يسيران جنبًا إلى جنب، والأمة الواثقة من نفسها تفسح المجال لمواطنيها للتعبير عن آرائهم وللقيام بدور في تنمية بلدهم، وبينما تواصل الأمم المتحدة العمل نحو مستقبل ديمقراطي تعددي للجميع، يمكن للدولة والمجتمع المدني بل وينبغي لهما أن يعملا معا كشركاء في بناء المستقبل الذي يصبو الشعب إليه.
ويعرف المجتمع المدني بأنه المؤسسات المدنية التي تعبر عن إرادة الناس ومصالحهم ومن أبرزها النقابات العمالية والهيئات المهنية والتيارات السياسية والجمعيات الإنمائية وجمعيات حقوق الإنسان والتيارات الفكرية وغير ذلك، وهذه جميعا تتبلور من خلال المبادرة الواعية والفعل التطوعي الذي يتأسس على رغبة الأفراد في الانضمام والانتساب، فعضوية الفرد في هذه الكيانات المجتمعية لا تستند إلى عوامل الوراثة وروابط الدم والولاءات الأولىة مثل الأسرة والعشيرة والطائفة والقبيلة وإنما تقوم تبعا للغرض أو المهنة أو العمل الطوعي الذي تأسس على أساسه المنظمة، والأساس المعياري لبنية المجتمع المدني يكمن أصلًا في طوعية العمل والإدارة السلمية للصراع بين الجماعات المتنافسة أو المصالح المتضاربة، فإن ذلك يؤكد أن هناك علاقة وثيقة بين المجتمع المدني والتحول الديمقراطي، وتهدف تلك العلاقة إلى إرساء دعائم الديمقراطية بشكل يضمن لأفراد المجتمع تحقيق العدل والمساواة ويكفل احترام حقوق الإنسان، حيث أن الديمقراطية نظام اجتماعي يؤكد قيمة الفرد وكرامة الشخصية الإنسانية ويقوم على أساس مشاركة أعضاء الجماعة في إدارة شئونها، فالديمقراطية منجز حضاري وصل إليه الإنسان بعد كفاح مرير مع الظلم والقهر والتسلط الذي مارسه عليه الحكام سواء كان ذلك إبان الدولة الثيوقراطية "أي حكومة رجال الدين" أو بعد قيام الدولة الحديثة بمكبلاتها الجمة التي تستهدف السيطرة على مقدرات البشر.
وحيث أن المجتمع المدني من خلال تنظيماته الطوعية التطوعية المستقلة عن الدولة يهدف إلى تقديم خدمات اجتماعية للمواطنين لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة في إطار الالتزام بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف، فإن جوهر دور المجتمع المدني هو تنظيم وتفعيل مشاركة الناس في تقرير مصيرهم ومواجهة السياسات التي تؤثر في معيشتهم وتزيد من إفقارهم، ونشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية وثقافة بناء المؤسسات التي تؤكد على إرادة المواطنين في الفعل التاريخي الذي تتطلبه الحياة الحرة الكريمة للأفراد ومساهمتهم في بناء مجتمعاتهم.
إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 عندما ننظر إليه من زاوية الديمقراطية نرى أنه يؤكد على "أن إرادة الشعب هي مصدر لسلطة الحكومة (مادة21 فقرة 3)"، والمجتمع المدني يلعب دورًا حاسمًا في الديمقراطية، وتصب مساهمته في الديمقراطية في مسارين: الأول تسيير حركة المجتمع المدني للديمقراطية ومؤسساتها ؛ والثاني، وقاية المجتمع المدني للنظام الديمقراطي والعمل على تحقيق الرفاهية والتقدم حيث يتم تكريس التغيير في الدولة كاستجابة للقضايا الاجتماعية أولًا وحسب أولوياتها، وغدا المجتمع المدني خلال العقدين الأخيرين من القرن الــ20 صوتًا قويًا في قاموس تطور البشرية وعاملًا مؤثرًا في الديمقراطية.
وإذا ما كان المجتمع المدني بأبعاده المختلفة ووظائفه التي أضحت ضرورة حياتية لا بد منها، والدولة السياسية بمؤسساتها وقوانينها، صنوان متلازمان، فإن الديمقراطية هي القاسم المشترك الذي يؤكد حتمية قيام منظمات المجتمع المدني ليصبغ على الدولة صفة الديمقراطية، وتشكل مؤسسات المجتمع المدني واحدة من الحلقات الرئيسية والفعالة في إحداث التغيير في المجتمع بما يساهم في تطور المجتمع وتقدمه حسب المنهج وأسلوب العمل الذي تتخذه المنظمات تلك، سواء في تطور المجتمع أو تفعيل مشاركتها في صنع وتنفيذ القرار بما يساهم في تعزيز دورها بشكل فاعل.
ويذهب البعض إلى أنه خلال العقود الثلاثة الأخيرة أخذ مفهوم المجتمع المدني حيزًا مهمًا وارتبطت مكانته بالتحولات الديمقراطية فيها، ونشأت علاقة جدلية بين تطور المجتمع المدني وتطور الحالة الديمقراطية وبين نكوصهما أيضًا، فإذا تجذرت أسس الديمقراطية في الدولة قويت منظمات المجتمع المدني والعكس صحيح، وتستند عملية التحول الديمقراطي في الدولة على أساس إبراز أهمية دور المجتمع المدني في صيانة الحريات الأساسية للمجتمع، ومن هذا المنطلق فإن هناك دورًا هامًا ورائدًا يجب أن تقوم به مؤسسات المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي في الدولة، وتتلخص بعض مهام تلك المؤسسات في نشر ثقافة حقوق الإنسان بين الجماهير، وتوعية المجتمع بأفراده وتشكيلاته المحلية وأطره الجماهيرية والنقابية بمزايا نظام الحكم الديمقراطي، ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، وفضح الممارسات غير القانونية في مؤسسات الدولة.
ويؤكد البعض على أن هناك صلة قوية بين المجتمع المدني والتحول الديمقراطي، فالديمقراطية هي مجموعة قواعد الحكم ومؤسساته التي تنظم من خلالها الإدارة السلمية للصراع في المجتمع بين الجماعات المتنافسة أو المصالح المتضاربة، وهذا هو نفس الأساس المعياري للمجتمع المدني، حيث نلاحظ أن مؤسسات المجتمع المدني من أهم قنوات المشاركة الشعبية، ورغم أنها لا تمارس نشاطًا سياسيًا مباشرًا وأنها لا تسعى للوصول إلى السلطة السياسية، إلا أن أعضاءها أكثر قطاعات المجتمع استعدادًا للانخراط في الأنشطة الديمقراطية السياسية، وبالإضافة لهذا فإن الإدارة السلمية للصراع والمنافسة هي جوهر مفهوم المجتمع المدني كما استخدمه منظرو العقد الاجتماعي، وكل ما فعله مستخدمو المفهوم من المحدثين هو تنقيته أو توسيع نطاق مظاهره في المجتمعات المعاصرة المعقدة.
ويلاحظ الدارسون والمراقبون أن تعثر التحول الديمقراطي في الوطن العربي يرجع إلى غياب أو توقف نمو المجتمع المدني، وما يتبعه من تعزيز القيم الديمقراطية وازدهار ثقافة مدنية ديمقراطية توجه سلوك المواطنين في المجتمع وتهيئهم للمشاركة في الصراع السياسي وفق هذه القيم، ويمر الوطن العربي حاليًا حسب ما يرى البعض، بعمليتي بناء المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في نفس الوقت والصلة بين العمليتين قوية، بل إنها أقرب إلى أن تكون عملية واحدة من حيث الجوهر.
ففي الوقت الذي تنمو فيه التكوينات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة وتتبلور، فإنها تخلق معها تنظيمات مجتمعها المدني التي تسعى بدورها إلى توسيع دعائم المشاركة في الحكم، لذلك فإن طبيعة المجتمع المدني وبنيته الأساسية وما تقوم به منظماته من دور ووظائف في إطار بناء المجتمع الحر الديمقراطي، كل ذلك يعد أساسًا متينًا لبناء قاعدة مهمة وبنية تحتية للديمقراطية باعتبارها نظام للحياة وأسلوب لتسيير المجتمع الحديث.
ولا يمكن تحقيق الديمقراطية السياسية في أي مجتمع ما لم تصبح منظمات المجتمع المدني ديمقراطية بالفعل باعتبارها البنية التحتية للديمقراطية كنظام للحياة في المجتمع بما تضمه من نقابات وتعاونيات وجمعيات أهلية وروابط ومنظمات نسائية وشبابية..الخ، حيث توفر هذه المؤسسات في حياتها الداخلية فرصة كبيرة لتربية ملايين المواطنين ديمقراطيًا، وتدريبهم عمليًا لاكتساب الخبرة اللازمة للممارسة الديمقراطية في المجتمع الأكبر بما تتيحه لأعضائها من مجالات واسعة للممارسة والتربية الديمقراطية من خلال التالي:المشاركة التطوعية في العمل العام ؛ ممارسة نشاط جماعي في أطار حقوق وواجبات محددة للعضوية؛ التعبير عن الرأي والاستماع إلى الرأي الآخر والمشاركة في اتخاذ القرار ؛ المشاركة في اختيار قيادات المؤسسة أو الجمعية والقبول بنتائج الاختيار ؛ المشاركة في تحديد أهداف النشاط وأولوياتها والرقابة على الأداء وتقييمه.
وبذلك فإن المجتمع المدني يقوم ببناء الديمقراطية على مستويين، أولهما ثقافي وتعبوي يتحقق من خلال نهوض مؤسساته بوظائفها الأساسية في المجتمع، وثانيهما دور تربوي يتحقق من خلال الممارسة الديمقراطية والتدريب العملي على الأساس الديمقراطية في الحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدني.
إن من أهم الوظائف التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني إشاعة ثقافة مدنية ديمقراطية ترسي في المجتمع احترام قيم النزوع للعمل التطوعي، والعمل الجماعي، وقبول الاختلاف والتنوع بين الذات والآخر، وإدارة الخلاف بوسائل سلمية في ضوء قيم الاحترام والتسامح والتعاون والتنافس والصراع السلمي، مع الالتزام بالمحاسبة العامة والشفافية، وما يترتب عن ذلك كله من تأكيد قيم المبادرة الذاتية وثقافة بناء المؤسسات، وهذه القيم في مجملها هي قيم ديمقراطية.
من هنا فإن إشاعة الثقافة المدنية التي تمكن لهذه القيم في المجتمع هي خطوة مهمة على طريق التطور الديمقراطي، حيث يستحيل بناء مجتمع مدني دون توفير صيغ سلمية لإدارة الاختلاف والتنافس والصراع طبقًا لقواعد متفق عليها بين جميع الأطراف، ويستحيل بناء مجتمع مدني دون الاعتراف بالحقوق الأساسية للإنسان خاصة حرية الاعتقاد والرأي والتعبير وما إلى ذلك، ومن ثم فإن دور المجتمع المدني في إشاعة الثقافة المدنية بهذا المفهوم هو تطوير ودعم للتحول الديمقراطي في نفس الوقت.
ويتأكد دور المجتمع المدني أيضًا في نشر هذه الثقافة من خلال الحياة الداخلية لمؤسساته التي ترعى وتنشئ الأعضاء على هذه القيم وتدربهم عليها عمليًا من خلال الممارسة اليومية، إن هذا الدور المنوط بمنظمات المجتمع المدني وما يرمي إليه من تحقيق آمال وطموحات أفراد المجتمع والاستجابة لمطالبهم، ليس كما يتوهم البعض من أن يكون ذلك متناقضًا مع دور مؤسسات الدولة، بل يجب النظر إليه على أنه مكملًا لها حيث يساهم المجتمع المدني مع الدولة في تحقيق الأهداف العامة المتمثلة في تنظيم العلاقات الاجتماعية والسياسية بشكل ديمقراطي فاعل، ويضع القواعد والمعايير التي تحكم سلوك الأفراد والجماعات بالشكل الذي يوفق بينهم رغم مطالبهم ومصالحهم المتنوعة والمختلفة بل والمتعارضة أحيانًا، وذلك عن طريق توفير الوسائل السلمية للتعبير عنها ووضع البدائل المنطقية أمام السلطة السياسية لتحقيق أعلى درجة من التوازن بين الحقوق والواجبات بما يمكن من الحفاظ على الكيان الاجتماعي والنظام الاجتماعي العام.
وأشارت الأمم المتحدة إلى أن المجتمع المدني يلعب دورًا أكثر أهمية هذا العام، حيث يستعد العالم لتنفيذ خطة التنمية الجديدة التي اتفقت عليها جميع حكومات دول العالم، ومع ذلك تتقلص مساحة العمل المتاحة لنشطاء المجتمع المدني والمنظمات في مجموعة من البلدان التي تعمل في كل قارة، وأحيانا تغلق هذه المنظمات بسبب القيود الحكومية التي تحد من قدرة المنظمات غير الحكومية على العمل أو الحصول على التمويل.