رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

رفض الحديث عن السياسة واقترب من وزارته السابقة بحذر.. فاروق حسني: الدين مجرد جزء من الثقافة.. وكنت أجلس مع وزير الأوقاف عشان آخد منه فلوس فقط (2)

فاروق حسني
فاروق حسني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
** رفض الحديث عن السياسة واقترب من وزارته السابقة بحذر..
** فاروق حسنى: الدين مجرد جزء من الثقافة.. وكنت أجلس مع وزير الأوقاف عشان آخد منه فلوس فقط
** لا أرى سياسة الآن.. أرى عملًا فقط والقيادة السياسية لديها رغبة في التفوق 
** أتابع أخبار الوزارة دون اهتمام
حرص فاروق حسنى طوال الحوار ألا يقترب من أسماء بعينها، أراد أن يتحدث بشكل عام، حاول الوزير أن يبتعد عن الحديث حول الوضع السياسي، كان صادقا مع نفسه ومعنا، عندما وضع أمامنا قصته الكاملة مع قطر، لم يتهرب من شيء، ولم يدع بطولة ما، قال إن الدكتور جابر عصفور عمل معه لسنوات طويلة، وكان عنده كل الحق في رفض الوصاية الدينية على الثقافة، لكن كانت لفاروق ملاحظة على أدائه، فلا يجب أن يكون هناك صدام مع رجال الأزهر.
هكذا كان إطار الحوار الصريح جدا مع فاروق حسني الوزير السابق والفنان.. والى نص الحوار،،
قلت له مباشرة: هل تتابع أخبار وزارة الثقافة وما يحدث فيها الآن؟ 
رد: أتابع لكن دون اهتمام. 
كانت الإجابة القصيرة الواضحة فاتحة لما بعدها، سألته: ولماذا المتابعة دون اهتمام؟ قال: عندما تريد أن تصف مصر، فلا بد أن تقول إنها دولة الثقافة، ولذلك فالمشروعات التي قمت بها لم تكن أبدا للتسلية، بل كانت اقتصاديات ضخمة جدا، وأنا عاتب على الدولة التي ذهبت إلى شرم الشيخ في المؤتمر الاقتصادى، دون أن تضع مشروعى المتحف الكبير ومتحف الحضارة على قائمة المشروعات الاستثمارية التي قدمتها للمستثمرين. 
توقفت عند ذكر فاروق حسنى لهذين المشروعين تحديدا، سألته، فقال: المتحف الكبير مشروع استثمارى بالدرجة الأولى، ويمكن أن يكون أكبر مشروع استثمارى في مصر، مصدر دخل عظيم، وسيأتيه السياح من كل مكان، صحيح هو يسير بشكل بطيء، لكنه في النهاية يتقدم، هذا المشروع يقال عنه في الصحف العالمية إنه أكبر مشروع ثقافى في القرن الـ٢١، وقد انتهيت من ٧٠ بالمائة منه قبل ما أمشى، ويحتاج الآن إلى شركة تسويق عالمية. 
ومشروع متحف الحضارة بمنطقة عين الصيرة وملحقاته، وقد عرضته على حكومة الدكتور نظيف، واقترحت أن يكون مركزا ماليا وتجاريا لمصر في المنطقة، فكروا وقتها يعملوا المنطقة جنينة، وساعتها سخرت من هذا الطرح، وتوقف الكلام.
خرج فاروق من المشروعات التي تركها دون أن تكتمل إلى المشروعات التي تركها كاملة، يقول: عندما توليت الوزارة لم تكن هناك إلا مكتبة عرب المحمدي، وحضرت افتتاحها مع حرم الرئيس، تركت الوزارة وهناك ١٤٥ مكتبة، معظمها في القرى والنجوع، رممت ١٨٠ أثرا إسلاميا، وأنشأت ٤٢ متحفا تخصصيا. 
 سألته: هل تخاف على ما أنجزته أن يتبدد؟ 
لم يجبنى بصراحة، قال: الذي سيحمى ما فعلته المجتمع، وليس أنا، ولو خفت أن يضيع ما أنجزته يبقى هذا مجتمعا فاشلا، فالمجتمع من المفروض أن يدافع عن هذه المشروعات ويحميها، ولذلك أنا لست مهتما بمن يمسك الوزارة ومن يتركها، ولا أتصل بأحد في الوزارة على الإطلاق. 
لم يمنعنى ما قاله فاروق عن عدم اهتمامه بالوزارة من سؤاله عن رأيه في حالة التداخل التي تجرى الآن بين وزارة الأوقاف ووزارة الثقافة، قلت له: كيف ترى الصورة الآن، ألا تخاف من سيطرة المؤسسة الدينية على المؤسسة الثقافية؟ 
قال: أولا عندما تقول سيطرة الدين على الثقافة، فنحن أمام قضية معكوسة، فالدين جزء من الثقافة، وأنا أذكر أننى تعرضت لهجوم ضخم، عندما قلت إن في مصر ١٢٠ ألف جامع وزاوية، وعندى ٥٣٠ قصر ثقافة فقط، فكيف تواجه القصور المساجد. 
قلت له: عندك الإعلام، لماذا لم تستخدمه؟ 
قال: لو أنا وزير ثقافة الآن، فلن استخدم التليفزيون، التكنولوجيا الحديثة أفضل كثيرا، لكن زمان كنت باشحت من التليفزيون عشان ينقل نشاطى الثقافى، واشتكيت للرئيس، وبدلا من أن يستجيب وزير الإعلام، وضع البرامج الثقافية الفجر حتى لا يراها الناس. 
حاول الوزير أن يأخذ الحديث إلى مساحة أكثر عمومية، فعدت به إلى موقفين طلبت رأيه فيهما بالتحديد. 
الموقف الأول، كان تعامل الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة السابق مع الأزهر، وكيف رفض وصاية المؤسسة الأزهرية على العمل الثقافى. 
يقول فاروق: الدكتور جابر عصفور عمل معى لسنوات طويلة، وكان عنده كل الحق في رفض الوصاية الدينية على الثقافة، لكن كانت لى ملاحظة على أدائه، فلا يجب أن يكون هناك صدام مع رجال الأزهر، وكنت قد اقترحت إنشاء لجنة للثقافة الدينية في المجلس الأعلى للثقافة، تكون مهمتها إدارة مناقشة مع المؤسسات الدينية الإسلامية والأزهرية، ولما وجدت معارضة لها، وعدم فهم لها، صرفت النظر عنها تماما، وقلت: خسارة فيهم بقى. 
الموقف الثانى كان توقيع بروتوكول تعاون بين وزارتى الأوقاف والثقافة، سألت فاروق حسنى: كيف رأى الصورة التي جمعت الوزيرين عبدالواحد النبوى ومختار جمعة؟ 
رد الوزير السابق: والله ما أعرفه أننى عندما كنت أ جتمع مع وزير الأوقاف وأنا وزير ثقافة ووقتها كنت أيضا وزير آثار، كنت أناقش معه ما يتعلق بالمساجد الأثرية، والهدف كان أن نأخذ منهم الفلوس، أما أي شىء آخر فلا أعتقد أنه يمكن أن يكون محل نقاش.
■ ■ ■
حرص فاروق حسنى طوال الحوار ألا يقترب من أسماء بعينها، أراد أن يتحدث بشكل عام، وعندما سألته عن أداء وزراء الثقافة الذين تعاقبوا على الوزارة بعد الثورة، قال: بصرف النظر عما جرى، لا بد أن نبحث عن المثقف (بالكسر) شخص تكون وظيفته الثقافة، حتى يجيد العمل ويقدم إنجازا ملحوظا، وعندما نبحث عمن يمكن لهم القيام بهذا العمل، لن نجد أسماء كثيرة. 
استوقفت فاروق حسنى عند هذه النقطة تحديدا، قلت لك: أنت متهم على أي حال، لأنك لم تمنح الفرصة لأجيال جديدة وللصفين الثانى والثالث في الوزارة ليتدربوا ويتم تأهيلهم للقيادة فيما بعد؟ 
رد بسرعة: إطلاقا، أنا كنت شابا لما رأست المجلس الأعلى للثقافة، وعندما أرأس اجتماعات فيها نجيب محفوظ وزكى نجيب محمود وبنت الشاطئ وإبراهيم بيومى مدكور، وكنت أشعر برهبة وأنا على المنصة، ولما سألت نفسى كيف أتصرف في مثل هذا الموقف؟ كانت الإجابة ببساطة، أننى لا بد أن أستخدم الخيال، ولأننى رجل مبدع وعندى خيالى، كانت المسألة سهلة بالنسبة لى. 

قلت للوزير: هل كان هذ الخيال وراء رغبتك في أن تكون لدى الوزارة جريدة ثقافية عامة، هل عجز الخيال في مرحلة معينة، وأردت أن يكون هناك من يدافع عنك؟ 
قال: لم تدافع جريدة القاهرة عنى على الإطلاق، والأعداد موجودة، وصلاح عيسى نفسه موجود، لكن أنا قلت أريد جرنان ثقافيا يقرأه أي مواطن، قلت لمجلس التحرير أريد أن يتحدث حسام حسن في الثقافة، إن شاء الله يهجص، أريد جرنان وليس مجلة، لأن الناس لا تشترى المجلات حتى لو كانت مجانا، وقد صممت شعار الجريدة بنفسى، وأصبحت منبرا لمختلف الآراء، وقلت لمجلس تحريرها وهم مودجودن جميعا، ليس لكم علاقة بى على الإطلاق، أنا أستطيع أن أدافع عن نفسى، لا أريد أحدا منكم أن يدافع عنى، ولذلك أنا فخور جدا بجريدة «القاهرة»، وأعتبرها واحدة من إنجازاتى، فهى جريدة لم يكن عليها سلطان غير سلطان الصحفيين وضميرهم، وصدقنى عمر ما قلت لهم اكتبوا كذا أو لا تكتبوا كذا، أو امدحوا ده واشتموا ده. 
اعترضت طريق فاروق حسنى، قلت له: تشعرنى أنك كنت زاهدا تماما في كل شيء، وكأن الأمر كله لم يكن يعنيك، قال: صدقنى لما أقول لك لم أبحث عن السلطة أبدا، فلا أنا غاوى مناصب، وقد جلس معى عاطف صدقى ٣ ساعات في بيته ليقنعنى بقبول منصب وزير الثقافة، ولما رفضت، قال لى إنت مجنون، وأكيد فيه حاجة في دماغك، الرئيس كلمنى ٣ مرات، فلا تحرجنى معه، ولذلك وافقت على مضض شديد، فقبل الوزارة كنت فرحان بنفسى جدا، وعندما كنت أزور القاهرة في الإجازات كنت أقضى وقتى بين يوسف شاهين وصلاح عبد الصبور وأحمد بهاء الدين ولويس عوض، فهؤلاء جميعا كانوا أصدقائى قبل الوزارة، كنت أرى وقتها أنى أكبر من وزير، ومن اليوم الأول قلت لهم، أنا أجلس على وسادة هوائية، مش هلزق في الكرسى، وكنت كل يوم أقول أنا ماشى بكرة. 
سألته: قدمت استقالتك أكثر من ثلاث مرات للرئيس مبارك، لماذا لم تصر عليها ولا مرة؟ 
قال: هذا صحيح، وفى كل مرة كان لها ظروفها.
سألت: لماذا كانت المعارك التي دخلها معك سياسيون أو صحفيون أو مثقفون حادة، اتهموك بالتضليل، واتهموك بأنك تعمل لصالح السلطة ضد الثقافة، وطالبوا بأن ترحل عن الوزارة عشرات المرات... هل كان كل من هاجموك على خطأ؟ 
قال: أنا متأكد أن كل من هاجمنى لا يعرفنى بشكل جيد، أو لا يعرفنى من الأساس، ولو كان يعرفنى وهاجمنى فمؤكد أنه كان يريد شيئا معينا، ولم أستجب له، لأنه لم يجلس معى أحد ولم يخرج مقتنعا بما أقوله. 
أنا كنت وما زلت لا أريد شيئا على الإطلاق، لا توجد لدى رغبة في أن أحصل على شيء، كل ما أريده هو أن أخدم البلد، ولم تكن لدى وظيفة أخرى، وظيفتى كانت أن أقدم الثقافة كما يجب، لقد تعلمت في أوروبا، وكنت مدير قصر ثقافة الأنفوشى وأنا صغير في السن، وتوليت رئاسة الأكاديمية المصرية في روما وأنا صغير السن أيضا، وكنت أدرك تماما حقيقة الشعب المصرى، وكنت أريد أن أفتخر به أمام العالم، وكنت أعرف أنه يمكننى أن أقوم بأشياء تحدث في أوروبا وأمريكا دون عناء. 
كنت أعرف أن هذا الشعب عنده الكثير، لديه كنوز مدفونة تحتاج لمن يخرجها، ربما ينقصه الإخلاص في بعض ما يعمل، لكنه قادر على أن ينجز. 
والسؤال: كم دولة عربية أنشأت وزارة الثقافة بعد تجربتى في مصر؟ كل وزير ثقافة كان يتم تعيينه في بلده، كان يأتى إلىّ أولا قبل أن يتولى منصبه، ليسمع ما قمنا به في مصر، يأتى ليأخذ الوصفة، وعرضت دول عربية كثيرة أن أذهب لأعمل معهم، سواء قبل الثورة أو بعدها، كل هذا كان يؤكد لى أننا كنا نسير في الاتجاه الصحيح. 
■ ■ ■
ظلت محطة أخيرة في هذا الحوار، قلت لفاروق حسنى: أحترم بالطبع حالة العزلة التي اخترتها، وأحترم النمط الذي تتابع من خلاله ما يحدث في وزارة الثقافة، وهو متابعة غير المهتم، لكن هل هذا هو أداؤك في كل شيء؟
قال: لا بالطبع، أنا أتابع باهتمام ٣ ملفات أساسية، الملف الأمنى، والملف السياسي، والملف الاقتصادى، لأن هذه الملفات الثلاثة هي الأهم الآن. 
سألته: بشكل عام كيف ترى الوضع السياسي في مصر، ما الذي تراه في الأفق؟ 
قال: الحكم على الوضع السياسي الآن خطأ جدا بالطبع، لأن المولود في أيامه الأولى لا تستطيع أن تقول إنه سيكون مهندسا أو دكتورا أو ضابطا، ثم إننى الآن لا أرى سياسة، أرى فقط عملا، والسياسة شيء والعمل شيء آخر تماما، ستسألنى عن الوضع السياسي، سأقول لك: أنا لا أرى الوضع السياسي بشكل كامل، إنما أرى لدى القيادة السياسية رغبة في التفوق، وهذا يكفى جدا الآن. 
حاول الوزير أن يبتعد عن الحديث حول الوضع السياسي، فأخذته إلى العمل الثقافى مرة أخرى وأخيرة، سألته: وكيف ترى مستقبل وأفق العمل الثقافى؟
قال: العمل في وزارة الثقافة في الأساس غير مريح، فالعمل فيها ليس عملا في مصنع، له أدوات وآليات معروفة ومحددة سلفا، ولكن أنت تتعامل مع حالة متوترة وحالة مبدعة ورافضة، وقد يكون هذا التوتر هو سبب التغييرات الحادة التي تحدث في الوزارة، فلا بد لمن يقود العمل الثقافى أن يجمع حوله الجميع، أن يكون لواء يجتمع الكثيرون حوله، وإلا فلن ينجح أبدا. 
كان فاروق حسنى صادقا مع نفسه ومعنا، عندما وضع أمامنا قصته الكاملة مع قطر، لم يتهرب من شيء، ولم يدع بطولة ما، أصر على أن النظام القطرى لم يسئ إليه هو بشكل شخصى، لكنه قطع علاقته بهم جميعا، بعد أن شعر أن أمير قطر السابق الشيخ حمد منحاز إلى الإخوان المسلمين، ويعتقد أنهم أغلبية، بل يرى أن مصر ضاعت.