الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صلاح زكى "5"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ولم يزل فى جعبة صلاح زكى الكثير فى كتابه «الفكر العربي- عصر الليبرالية العربية»، فهو يأتى بنا إلى مفكر آخر يجدد فى أمر الدين وفى أمر التحرر الوطني. وكالعادة كانت دعوة التجديد الدينى جزءا من معركة شاملة ضد الخلافة العثمانية.
نحن الآن مع المفكر محمد كرد على فهو يرى «أن بداية مرحلة الانحطاط الثقافى والتخلف الاجتماعى والاقتصادى تزامنت مع ضم العرب إلى الامبراطورية العثمانية، وهو يرى أن العثمانيين عجزوا عن مواجهة الغرب لأنهم لم يستطيعوا تفهم جوانب الحضارة العربية وتطويرها بروح إسلامية، وهو يقول فى صراحة صارمة «إن العثمانيين كانوا على نحو موروث عاجزين عن التعقل، وكانوا يعارضون كل شكل من أشكال الحضارة» (ص٢١٧).
ومحمد كرد على يرفع صوته مناديا «بالثورة على القديم الفاسد والدعوة إلى إحياء التراث العربى الإسلامى الصحيح والنافع، مناشدا الأجيال العربية الجديدة معرفة ماضى أمتهم والتعمق فى دراسة آدابها ومعارفها وتفهم التاريخ العربى مجردا من التعصب والجمود».
ونتوقف أمام هذه العبارة، ونضع خطوطا لتمييز كلمات بذاتها «الثورة على القديم الفاسد» و«التراث العربى الإسلامى الصحيح والنافع»، «التجرد من التعصب والجمود» وهو إذ يتحدث عن ضرورة النهضة ونقد عصور التخلف يقول «منذ فقدنا استقلالنا وقبض على زمام إدارتنا أغراب ليسوا من جنسنا، فيسن قوانيننا غيرنا وقد يسنون ما لا يلائمنا، وضعفت فينا خلال هذه القرون الطويلة ملكة العلم وتخلفنا فى أخلاقنا وتفكيرنا وصناعتنا، وانفجرت مسافة الخلاف بين الطبقات وابتعدت كل طبقة عن أختها لا تشاركها عواطفها، وفى هذا المجتمع المتخلف يكون طبيعيا أن يأكل القوى الضعيف وأن تغرق البلاد فى بحور الجهل، وإن هبت الدنيا تتلمس سبل النجاة لا تهتدى إلى النجاة» (ص٢٢٣).
والحقيقة أن كرد على كان على طريق أستاذه محمد عبده، لكنه ربما كان أكثر صراحة، فقد كان معنيا بقلب ظاهرة التردى بعنف، فيقول «إن المعرفة فى الأمة الإسلامية تحت تأثير الملوك والسلاطين الجهلة الذين خربوا الديانة والعلم لكى يصبغوا ارتقاءهم اللاشرعى بصبغة الحكم الشرعى والدائم. إن المعرفة قد فقدت حيويتها وأصالتها، فكان العلماء وهم أهل المعرفة يعظون امتثالا لأوامر أسيادهم السياسيين ويأمرون الناس بتسليم أمورهم للسلطان، ويحرمون عليهم استعمال العقل استعمالا حرا، وهم يقيدون دعوتهم هذه بقيد التقلد الأعمى لا غير، وبالتوسع فى مسائل الفروع التى هى مجردة من العقل والحكمة والمنفعة على حد سواء».
وفى عام ١٩١١ كتب محمد كرد على مقالا شهيرا بعنوان «أعداء الإصلاح» هاجم فيه هجوما شديدا تلك الطائفة من الرجال الذين الذين تصدوا بغير حق لتبرير السياسة الاستبدادية للسلطة العثمانية.
والوقوف بإصرار ضد أى دعوة للإصلاح سواء فى أمور الدين أو أمور الدنيا ، وأكد الموقف الذى سبق أن أكده أسلافه العظام الافغانى والكواكبى ومحمد عبده وهو «أن الانحطاط والتخلف السائدين لم يسببهما الدين الإسلامى بذاته، كما أشاع بعض المستشرقين بل إنه نشأ كنتيجة للإدراك الناقص والتطبيق المعيب لسنته المقدسة».
وكان كرد على قد كتب مقالا آخر فى ١٩٠٩ بعنوان «الإسلام والحضارة» مؤكدا «أن الإسلام لابد له أن يتحرر، فكره وشروحه، من الخرافة الدخيلة، والهرطقة الوافدة، وبعبارة أخرى أن يستعيد ذاته نقية خالية من الشوائب حتى يظهر دينا لا يناقض روح العصر وروح الحداثة ويتفق فعليا معها.
فالإسلام بعيد كل البعد عن أن يكون ضد العلم والمعرفة ورعاية الآداب والفلسفة والعلوم العصرية» (ص٢٢٥). ويقول كرد على «كان العلاج بالنسبة للمصلحين السابقين باطنيا أى بالبحث عن الإسلام الأصلى الصحيح الذى سيترتب عليه تجديد فورى فى كل مناحى الحياة، بينما يرى هو أن التجديد عملية يجب أن تستحث خارجيا، فالحضارة العربية راكدة على وجه التحديد وغير قادرة على إحداث التحريك والنهوض بنفسها، لكن من الممكن للمسلمين عامة وللعرب خاصة إيجاد نظام ثقافى متجدد الحيوية وذلك بشرط إقرارهم واعترافهم بحتمية الاستفادة من الغرب فلا قيام لأمرنا بغير الأخذ من مدنية أوربا».
ويبقى بعد ذلك أن نوجه تحية للمفكر العروبى الواعى والمستنير صلاح زكى على كتابه المميز وجهده المتواصل.