السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

جدل حول معنى ومفاهيم "حروب الجيل الرابع" واتفاق على خطورة "الحرب التليفزيونية"

اسامة هيكل
اسامة هيكل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم خلافات ظاهرة بين مثقفين مصريين حول معنى ومفاهيم "حروب الجيل الرابع" فان هناك اتفاقا عاما على ان مصر تتعرض "لحرب تلفزيونية في سياق مخطط اشمل لحرب نفسية".
وتؤكد العديد من الطروحات على خطورة "الحرب التلفزيونية" فيما باتت "التلفزة" تستدعي دراسات ثقافية مصرية عميقة على غرار مايحدث في الغرب حيث تجمع هذه الدراسات بين العمق والجاذبية والتشويق.
وفي كتاب جديد صدر بعنوان "حروب الجيل الرابع..الاعلام وتفتيت المجتمعات" يتحدث وزير الاعلام الاسبق والرئيس الحالي لمدينة الانتاج الاعلامي اسامة هيكل عن مفاهيم حروب الجيل الرابع موضحا ان اول من استخدم هذا المصطلح هو ماكس مانيورانج الأستاذ بمعهد الدراسات الاستراتيجية بكلية الحرب الأمريكية .
غير ان الكاتب والمحلل السياسي الدكتور اسامة الغزالي حرب يقول : "ليس كل مايصدر من الباحثين والمفكرين الأمريكيين من مصطلحات يكون دائما دقيقا خاصة ان تلك المصطلحات تنتشر احيانا وكأنها موضة جديدة تستمر لبعض الوقت لتحل محلها موضة اخرى وهكذا".
ويرى اسامة الغزالي ان هناك بالقطع مصطلحات ومفاهيم ارتبطت بأفكار عميقة وجادة واثبتت بالفعل مصداقيتها مثل مصطلح ومفهوم "صراع الحضارات" الذي ظهر منذ منتصف التسعينيات على يد عالم السياسة الأمريكي الكبير صمويل هنتينجتون الذي صدقت نبوءاته وافكاره على نحو مدهش في العقود التالية غير ان تلك الدقة والعمق لا تنطبق على مصطلح بدأ يشيع "كموضة" هذه الأيام وهو مصطلح "حروب الجيل الرابع من الحروب" الذي يقصد به اساسا الحرب ضد الارهاب على حد قوله.
ويوضح الدكتور حرب في زاويته بجريدة الأهرام انه اذا كان الشكل التقليدي للحرب هو الحرب بين الجيوش النظامية فان الشكل الثاني من الحروب يتم بين جيش نظامي وبين قوات "عصابات" غير نظامية مثلما حدث في الحرب الفيتنامية اما الشكل الثالث فهو الحرب ضد الارهاب الذي تجد فيه الدول نفسها عاجزة عن مواجهة هذا العنف "الفردي" بدباباتها وطائراتها.
والمشكلة-كما يقول الدكتور اسامة الغزالي حرب-ان هذا النوع من العنف اكتسب مع الوقت ومع تطور وسائل التواصل على نحو غير مسبوق في التاريخ فاعلية غير مسبوقة بسبب قدرته على اصابة اهداف كبرى من خلال عمليات فردية والتي كان ابرزها واخطرها بلا شك تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك يوم 11 سبتمبر 2001.
وذهب الدكتور اسامة الغزالي حرب الى ان مواجهة هذا النوع من العنف الفردي او الارهاب الذي ينقله اليوم تنظيم "داعش" المريب الى مستويات جديدة هو التحدي الذي يسمونه "حروب الجيل الرابع".
وحسب تعريف الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" على شبكة الانترنت فان الجيل الرابع من الحروب او "الحرب اللا متماثلة" هو الصراع الذي يتميز بعدم المركزية بين اسس او عناصر الدول المتحاربة من قبل دول اخرى واستخدم هذا المصطلح لأول مرة في عام 1989 من قبل فريق من المحللين الأمريكيين من بينهم المحلل ويليام ستركس لوصف الحروب التي تعتمد على مبدأ اللامركزية.
واطلق اسم حرب الجيل الرابع-وفقا لويكبيديا-على الحرب ضد المنظمات الارهابية حسب المفهوم الأمريكي والتي يكون طرفا الحرب فيها جيش نظامي لدولة ما مقابل "لادولة" او عدو او خلايا منتشرة في انحاء العالم.
اما حروب الجيل الرابع-حسب الكتاب الجديد لأسامة هيكل- فتستهدف استسلام العدو دون استخدام قوات نظامية او اسلحة عسكرية وهذه الحروب تعتمد الى حد كبير على الاعلام وخاصة التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي واختراق النخب ومنظمات المجتمع المدني وصولا لما يعرف "بالافشال الذاتي للدول".
ويتناول اسامة هيكل في هذا الكتاب طرفا من الحرب التلفزيونية التي تعرضت لها مصر في السنوات الأربع الأخيرة في سياق ما يعرف "بحروب الجيل الرابع" واستهداف الدولة المصرية بالشائعات والأكاذيب ضمن مخطط للحرب النفسية بقصد اثارة الفوضى .
واشار اسامة هيكل في كتابه الى ان هذا النوع الجديد من الحروب يعمد لتوجيه الثورات الشعبية بعيدا عن اهداف ومطالب الشعوب الثائرة وبما يحقق مصالح القوى الأجنبية المعادية فيما يتحدث عن تطور الاعلام من اعلام تقليدي الى اعلام غير تقليدي يصعب السيطرة عليه من جانب الدولة الوطنية.
وفي الاتجاه ذاته تؤكد العديد من الطروحات في الصحف ووسائل الاعلام على ان "حروب الجيل الرابع" تسعى لزعزعة استقرار دول المنطقة العربية عن طريق وسائل عديدة منها نشر الفتن والقلاقل واثارة الاقتتال الداخلي لتفتيت الأمة من الداخل كما ان الارهاب هو احد ادوات واساليب حروب الجيل الرابع.
واصحاب هذا الاتجاه يتحدثون ايضا عن استخدام حروب الجيل الرابع "للقوة الذكية" وهو مفهوم ابتكره المفكر الأمريكي جوزيف ناي الذي تولى من قبل عدة مناصب رسمية من بينها مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية والدولية في ادارة بيل كلينتون وشكلت مؤلفاته مصدرا رئيسيا لتطوير السياسة الخارجية الأمريكية والتي تعتمد على التنوع الكبير والاستخدام الذكي للقوة الناعمة والقوة الصلبة في تناغم عال ومخطط طويل الأمد "حتى تجد الدولة المستهدفة نفسها في النهاية ميتة".
ويقول الدكتور وحيد عبد المجيد رئيس تحرير مجلة "السياسة الدولية" ان اعمال العنف والارهاب تحقق اهم اثارها من خلال تغطية الاعلام لها ويتطرف بعض من يرون ذلك الى حد اتهام الاعلام بأنه يقدم دعاية مجانية للارهاب لأن تغطية عملياته تحقق للقائمين عليه مكاسب تفوق مايترتب عليها فعليا.
واضاف غير ان هؤلاء الذين يتخيلون امكان تجاهل الاعلام عملا ارهابيا او حتى وضعه في مرتبة متأخرة في اولويات التغطية يعيشون في عصر مضى ولم يعد ممكنا اعادته فالعمل الارهابي بالنسبة الى الرأي العام هو خبر من الدرجة الأولى وقصة تحتاج الى استقصاء خلفياتها واماطة اللثام عن مكامن الغموض فيها وغير ذلك مما يدخل في نطاق واجبات الاعلام.
وحتى اذا اطلقنا العنان لخيالنا-كما يقول الدكتور وحيد عبد المجيد- وافترضنا امكان ان تمتنع وسائل الاعلام عن تغطية عمل ارهابي فلن يتكرر ذلك بل قد لايستمر لأكثر من دقائق لأن مواقع التواصل الاجتماعي ستمتليء بأخبار هذا العمل وصوره ولذلك فالمهم هو الالتزام بالقواعد المهنية والسعي الى معالجة موضوعية جادة وعميقة ووضع حد للسطحية التي تسود الاعلام العربي بسبب قلة من يمتلكون فيه المعرفة الكافية لمعالجة ظاهرة معقدة مثل الارهاب او حتى فهم المصطلحات المتداولة في خطاباته المختلفة.
وتنشر الصحف المصرية طروحات تؤكد على ضرورة تطوير تلفزيون الدولة بقنواته المتعددة بما يمكنه من مواجهة "الحرب التلفزيونية التي تتعرض لها مصر في سياق حروب الجيل الرابع" على ان يكون هذا التطوير مرتكزا على "المهنية" في المقام الأول.
ورغم الاختلاف الواضح في تعريف المقصود بحروب الجيل الرابع ومفاهيمها فان هذه الحروب- وان اختلفت معانيها بين من يتحدثون عنها-تستخدم فيها وسائل الاعلام بكثافة سواء مايعرف بالاعلام الجديد او الاعلام التقليدي.
وعلى ايقاع مايعرف "بجبروت التلفزة" كظاهرة لاتفرق بين غرب وشرق ولا بين بريطانيا ومصر تتوالى الاسئلة ومن بينها : هل تحول المصريون الى امة مقعدها الدائم امام الشاشة الصغيرة وماتوصيف هذه العلاقة؟!..آتكون علاقة حب ام استسلام سلبي ؟!..وهل بات المصري مجرد متلقي لما تبثه التلفزة على مدار الساعة؟!.
اذا كان الأمر كذلك فلا مناص من التسليم بالقوة الجبارة للتلفزيون ولا بد من محاولات جادة لتوظيف هذه القوة بما يخدم التطور الثقافي للمصريين ويضمن امنهم القومي.
ويقول المفكر المصري الدتور السيد يسين ان هناك مدرسةغير تقليدية في الأمن القومي ظهرت منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين تظهر اهمية التهديدات الداخلية كما تعتمد على ابعد الاقتصادي والتنموي فيما ينقل عن احد الباحثين تعريف الأمن القومي باعتباره "جملة المباديء والقيم النظرية والأهداف الوظيفية والسياسات العملية المتعلقة بتأمين وجود الدولة وسلامة اركانها ومقومات استمرارها واستقرارها وتلبية احتياجاتها وضمان قيمها ومصالحها الحيوية وحمايتها من الاخطار القائمة والمحتملة داخليا وخارجيا مع مراعاة متغيرات البنية الداخلية والاقليمية والدولية".
ويعيد السيد بسين للأذهان ان روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وسع من مفهوم الأمن القومي وكان في الواقع رائدا في " صياغة المفهوم الثقافي الجديد للأمن القومي الذي يعني بمصادر التهديد الداخلية في المجتمع" ومن بينها الأفكار المتطرفة.
وفيما يرى الدكتور السيد يسين ان مفهوم الأمن القومي اصبح جزءا من منظومة متكاملة هي الثقافة الاستراتيجية والتي تعيد صياغة نظرية الأمن القومي لتعبر عن التغيرات الكبرى التي احدثها عصر العولمة فانه ينقل عن توماس بارنت الذي يصفه بأنه من المع المفكرين الأمريكيين المعاصرين قوله ان نموذج الأمن القومي الجديد يقوم على مفهومين جديدين تماما هما "الحروب الفضائية وحروب الشبكات الالكترونية".
ومن الواضح لكل ذي عينين ان هناك اطرافا بعينها تستخدم القنوات الفضائية في شن حرب تلفزيونية ضد مصر وشعبها وتهديد الأمن القومي المصري وعلى نحو يعيد للأذهان في الجوهر مع اختلاف التفاصيل الاذاعات السرية والعلنية التي كانت تستخدم ضد مصر في سنوات الستينيات وضمن مخطط شامل للحرب النفسية.
فالقوى الكارهة لمصر او الراغبة في تعطيل مسيرة المصريين نحو التقدم استغلت وتستغل امكانات التلفزة في سعيها الحاقد ولو اتخذ زي المهنية الكاذبة وادعى انه يعبر عن الرأي والرأي الآخر!
وفي كتاب صدر ا بالانجليزية بعنوان :"امة على مقعد: تاريخ حميم لبريطانيا امام شاشة التلفزيون" يكشف المؤلف جوي موران عن سبل قد لايتصورها البعض عن كيفية تعامل الدولة البريطانية مع التلفزة في اوقات التهديدات الجسيمة للأمن القومي.
نعم هذا الكتاب يؤكد على ان هناك في بريطانيا من يعتريهم القلق حيال تأثير المتغيرات كما يظهرها التلفزيون على التماسك المجتمعي كما ان هناك اهتماما "بتعزيز التلفزة البريطانية عبر البحار في الحروب الاعلامية العالمية والتنافس بين الثقافات ".
في تلك الحروب وسواء بالأصالة او بالوكالة باتت التلفزة السلاح الجبار في سياقات معولمة وسواء رضى البعض ام لم يرضوا فان الكثير من نتائج هذه الحروب يتوقف على مدى كفاءة النخبة التليفزيونية..وغني عن القول ان غياب التكوين الثقافي الراسخ لهذه النخبة لا يعني سوى الانحطاط والهزيمة في حروب تفرض فرضا على الأمم.
فهل حان الوقت لمراجعة ثقافية شاملة لتلك القضية في مصر بجد لا هزل فيه؟!..هل حان الوقت ليقوم التليفزيون بالدور المأمول في بناء الغد الأفضل للمصريين والدفاع عن امنهم القومي..نعم التلفزيون قوة جبارة لكنها يمكن ان تكون قوة للبناء او قوة للهدم!..ومن هنا فالشأن التليفزيوني شأن مجتمعي بامتياز وقضية ثقافية بالدرجة الأولى.
مصر روحها لن تكون رمالا ولن تسير من موت الى موت كما يتمنى اصحاب الحرب التليفزيونية وفضائيات الفتن والاثارة!....سينكسر الشر المتلفز وتفوز مصر بالفرح المرتجى والنهار.