الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

فرنسا تُنهى وجودها فى دول الساحل.. مخاوف من توحش التنظيمات الجهادية بعد الانسحابات العسكرية الغربية

تعاون مغربي مع دول
تعاون مغربي مع دول الساحل الأفريقي بعد رحيل فرنسا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بذريعة مكافحة الإرهاب ومواجهة التنظيمات المسلحة المتطرفة، أقام الغرب قواعده العسكرية فى دول الساحل الأفريقى التى تعانى ضعفا وهشاشة فى البناء الأمنى ما جعلها عرضة لهجمات التنظيمات المسلحة المتطرفة، إلا أن تغيرات ضخمة ومتتالية وضعت هذه القواعد العسكرية فى أزمة.
إذ سيطر على الحكم فى البلاد مجالس عسكرية أعلنت رفضها للوجود الغربي، وتحديدا الوجود الفرنسي، على أرضيها، مثل مالى والنيجر وبوركينا فاسو، وهو ما أجبر باريس على الانسحاب لترى بأعينها تآكل نفوذها العسكرى والاقتصادى فى أفريقيا، وسط مخاوف جمة من زيادة النفوذ الروسي. 
فى الوقت نفسه، شن مسلحون تابعون لتنظيم القاعدة الإرهابي، هجوما على نقطة تفتيش تابعة للجيش فى مقاطعة كولبيلوجو فى المنطقة الوسطى الشرقية من بوركينا فاسو، نتج عنه ٦ قتلى وإصابة عنصرين من تشكيلات الجيش التطوعى فى البلاد، وذلك الأربعاء الماضي.
بينما استهدف الإرهاب مالى بهجوم عنيف فى سبتمبر الماضى خلف أكثر من ٦٤ قتيلا، وفى أكتوبر الماضى تعرضت قوات الجيش فى النيجر إلى هجوم نفذه نحو ١٠٠ إرهابى نتج عنه نحو ٢٩ قتيلا فى صفوف الجيش وعشرات القتلى من المهاجمين الإرهابيين. 
ويرى المراقبون أن هذه الهجمات تبعث برسائل ذات مغزى للحكومات الجديدة فى البلاد، وأنها لن تتوقف عن زعزعة استقرار المنطقة، بينما تسعى الدول الثلاث إلى بناء تحالفات وتكتلات سياسية واقتصادية وعسكرية بهدف مواجهة أى عدوان خارجي، خاصة وأن منظمة إيكواس الأفريقية هددت بالتدخل العسكرى ضد الانقلاب العسكرى فى النيجر ما استدعى بناء التحالفات بين الدول الثلاث.

رحلت فرنسا بجنودها من مالى وبوركينا فاسو وأخلت مواقعها، قبل أيام، من النيجر.

فرنسا تغادر النيجر
وكما رحلت فرنسا بجنودها من مالى وبوركينا فاسو فقد أخلت مواقعها، قبل أيام، من النيجر، وسلمت قواعدها للجيش. ووفقا لتقرير لموقع "فرانسا ٢٤" فإن "مغادرة ١٥٠٠ جندى وطيار فرنسيين النيجر التى كانت آخر دولة حليفة لباريس فى منطقة الساحل قبل وصول الجنرالات إلى السلطة فى ٢٦ يوليو، تأتى بعد الانسحاب من مالى وبوركينا فاسو اللتين دفعت فرنسا فيهما إلى الانسحاب من قبل المجموعتين العسكريتين الحاكمتين المعاديتين لها.
وبعد مواجهة استمرت شهرين مع السلطات الجديدة فى نيامى التى ألغت عددا من الاتفاقات العسكرية مع باريس، انتهى الأمر بالرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى الإعلان فى نهاية سبتمبر عن رحيل القوات الفرنسية من النيجر بحلول نهاية العام.
وأضاف التقرير، أن السفير الفرنسى لدى النيجر سيلفان إيتيه الذى طردته السلطات، غادر البلاد فى نهاية سبتمبر بعد أسابيع أمضاها داخل الممثلية الدبلوماسية. وقررت فرنسا إغلاق سفارتها فى النيجر، حيث "لم تعد قادرة على العمل بشكل طبيعي"، مما يمثل قطيعة نهائية بين البلدين".

داعش في أفريقيا

استغلال الجماعات لتغيرات المنطقة
بدوره، أكد المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب بألمانيا، فى تقرير له بعنوان "ما تداعيات الانقلاب العسكرى فى النيجر"، أن خسارة الغرب للنيجر سوف يمنح كل من روسيا والصين وأطراف أخرى للتدخل فى غرب أفريقيا أكثر. وأن حالة عدم الاستقرار فى النيجر سوف توفر فرصة لروسيا لتعزيز نفوذها فى منطقة الساحل التى شهدت سلسلة انقلابات عسكرية أتت بحكومات ابتعدت عن الغرب وتحالفت مع موسكو.
وقال تقرير المركز الأوروبي، رغم أن النيجر دولة حبيسة ذات حدود تصل إلى ما يقارب ٥ آلاف كم، فإنها ذات قيمة كبيرة بسبب موقعها باعتبارها ممر ونقطة عبور بين دول الساحل الإفريقي، وتمتلك ثروات كبيرة خاصة اليورانيوم الذى يمثل ٣٥٪ من حاجة فرنسا لتشغيل مفاعلاتها النووية. وهذا يعنى أن الصراع الدولى والحرب بالوكالة فى النيجر والساحل الأفريقى سوف يشهد تصاعدا أكثر بعدما أزاحت روسيا للنفوذ الفرنسى هناك.
وأضاف "المركز الأوروبي" أن العديد من بلدان الساحل واجه من مشاكل التطرف العنيف بسبب هشاشة النظام السياسى والانقلابات وعدم الاستقرار، والتدهور الاقتصادي، والأثار المتفاقمة لتغير المناخ. تصاعد العنف والصراع والجريمة على مدى العقد الماضي. ومن المحتمل أن تستغل الجماعات المتطرفة الإسلاموية الانسحابات العسكرية للغرب وكذلك الفوضى لتنشط أكثر فى الساحل الإفريقى وخاصة عند حدود نيجريا وبوركينا فاسو إلى جانب معقلها فى منطقة بحيرة التشاد شرق النيجر.
وتشهد دول الساحل الإفريقى الكثير من التطرف والإرهاب وعدم الاستقرار والفساد إلى جانب جذور التطرف والإرهاب منها التغير المناخى والتصحر والفيضانات والكوارث، وأن أى تدخل عسكرى سوف يعطى فرصة اكثر للجماعات الإسلاموية المتطرفة فى غرب أفريقيا.

المغرب يطرح مبادرة دولية للنيجر ومالى وتشاد وبوركينا فاسو للوصول إلى الأطلسى عن طريق موانئه وسككه الحديدية
 

تحالفات اقتصادية مع المغرب
تسعى الدول الثلاث إلى بناء تحالفات جديدة، وإدارة ملفاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية بعيدا عن الهيمنة الفرنسية والغربية التى اتخذت من دول الساحل مركزا لها.
فى ذات الإطار، رحبت كل من مالى والنيجر وبوكينا فاسو وتشاد بمبادرة مغربية تتيح لدول الساحل الوصول إلى المحيط الأطلسى عبر مبادرة مغربية دولية تتيح الفرصة أمام البلاد التى ليس لها منفذ على البحر للولوج عبر البنيات التحتية الطرقية والمينائية للمغرب.
حيث أكد ملك المغرب محمد السادس أن بلاده مستعدة لوضع بنياتها التحتية والطرقية والمينائية والسكك الحديدية، رهن إشارة الدول الأفريقية دعمًا لهذه المبادرة. لافتا فى الوقت نفسه على أن نجاح هذه المبادرة، يبقى رهينا بتأهيل البنيات التحتية لدول الساحل، والعمل على ربطها بشبكات النقل والتواصل بمحيطها الإقليمي.
وكان الاجتماع التنسيقى بين المغرب وأربع دول أفريقية، السبت الماضي، قد ناقش الفرص الكبيرة للتحول الاقتصادى للمنطقة برمتها، بما يسهم من تسريع للتواصل الإقليمى وللتدفقات التجارية ومن ازدهار مشترك فى منطقة الساحل. حيث اتفق وزراء خارجية الدول المشاركة فى هذا الاجتماع التنسيقي، على إنشاء فريق عمل وطنى فى كل بلد من أجل إعداد واقتراح أنماط تنفيذ هذه المبادرة.


اتحاد كونفدرالى جديد
مالى والنيجر وبوركينا فاسو، أبرز ثلاث دول يواجهون الهيمنة الغربية فى أفريقيا، وينظرون لهذه القوى بأنها الامتداد العصرى للاستعمار، ولأنها دول تعرضت لانقلابات عسكرية فإن القوى الغربية تستغل هذه النقطة للضغط عليها بحجة العودة إلى المسار الديمقراطى والمدني. 
هذه الدول الثلاث تنسق فيم بينها، حيث أوصى وزراء خارجية هذه الدول، مطلع ديسمبر ٢٠٢٣، على ضرورة إنشاء تحالف كونفدرالى يمهد لوحدة بين دول الساحل، وجاء فى بيان عن وزراء خارجيتها، أنه "إدراكا للإمكانات الهائلة لتحقيق السلام والاستقرار والقوة الدبلوماسية والصعود الاقتصادى التى يوفرها إنشاء تحالف سياسى معزز، فإن الوزراء مسترشدين بالطموح المتمثل فى تحقيق اتحاد فدرالى يجمع فى نهاية المطاف بوركينا فاسو ومالى والنيجر، يوصون قادة بلدان تحالف دول الساحل بإنشاء اتحاد كونفدرالى للدول الثلاث".
وتحاول دول الساحل تعزيز الروابط السياسية والعسكرية والاقتصادية فيم بينها، والتعهد بتقديم الدعم فى حال تعرضت السلامة الإقليمية لإحدى الدول للتهديد. أى أن الأنظمة العسكرية للدول الثلاثة تكون مستعدة لمواجهة الضغوط الدولية التى تدفع من أجل العودة إلى الديموقراطية، كما تنسق جهودها فى الحرب ضد التنظيمات الجهادية. كما شدد الوزراء على أهمية الدبلوماسية والدفاع والتنمية "لتعزيز التكامل السياسى والاقتصادي" بين دولهم.