الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

7 آلاف سنة حضارة يرويها متحف مصر الكبير

«ناشيونال جيوجرافيك»: أفضل وجهة سياحية فى 2023

7 آلاف سنة حضارة
7 آلاف سنة حضارة يرويها متحف مصر الكبير
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

المتحف حصل على الشهادة الذهبية للبناء الأخضر والاستدامة.. والمثلثات تهيمن على التصميم لربطه بالأهرامات

عرض متحفى على أحدث التقنيات العالمية.. ويتسع لمائة ألف قطعة مع إمكانية استيعاب المزيد

 

 

 


مشروع قومى عملاق، وحصن من حصون مصر لحماية كنوزها على أعلى مستوى من التأمين وطرق العرض الحديثة، فمنذ فجر التاريخ ومصر تباهى الأمم بما بنته سواعد الأجداد التى كانت وما زالت مهد الحضارة وطريق النور الذى تستدل به الأمم، ولم تكن مصر يومًا لتتخلف عن ركب التقدم والحداثة، لذا شيدت سواعد أبنائها المتحف المصرى الكبير، إحدى القلاع المصرية الحديثة ومشروعاتها القومية للحفاظ على حضارتها، من خلال توفير أحدث الوسائل التكنولوجية فى العرض والتأمين والتوثيق.
مع المتحف المصرى الكبير، تعيش أجواء 7 آلاف سنة حضارة، تراها فى كل جنباته، وتتنفسها مع المعروضات التى تباهى بها مصر الأمم.. صُمِمَ بواجهة تشكلت على هيئة مثلثات متراصة رمزًا إلى الأهرامات، بأسلوب مبتكر، يُعبّر عن ارتباط وثيق بالحضارة المصرية العريقة ورموزها الأبدية لجذب أكثر من ٥ ملايين سائح أو يزيد سنويا، ويتميز موقع المتحف المصرى الكبير بقربه من المنطقة الأثرية الأشهر على مستوى العالم، وهى منطقة الأهرامات، التى تُلقى عمقًا وبُعدًا على المتحف الذى يُعد هرم مصر الرابع.


بدء العمل بالمشروع

فى فبراير 2002، وضع الرئيس الراحل حسنى مبارك حجر أساس المشروع، ليُشيّد فى موقع متميز يطل على أهرامات الجيزة الخالدة، وتنافست العديد من الشركات العالمية على تنفيذ المتحف، لذلك أطلقت مصر تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» والاتحاد الدولى للمهندسين المعماريين، مُسابقة معمارية دولية لأفضل تصميم للمتحف، وتقدّم معماريون واستشاريون من 83 دولة بتصورات ومشروعات معمارية بلغت فى مجملها 1557 مشروعا، وفى يوليو 2003 أُعلن عن التصميم الفائز حيث فاز التصميم المُقدم من شركة «هينجهان بنج» للمهندسين المعماريين بإيرلندا Heneghan Peng Architects، والذى يضم 14 مكتبا استشاريا من 6 دول «أيرلندا، إنجلترا، مصر، هولندا، النمسا، كندا»، والذى اعتمد فى تصميمه على أن تُمثّل أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة عند التقائها كتلة مخروطية هى المتحف المصرى الكبير.
وفازت بتنفيذ العرض المتحفى للمتحف شركة «أتيليه بروكنر»، وفى مارس 2021، أَعّلَن المتحف الكبير التحالف الفائز بتقديم وتشغيل الخدمات بالمتحف الذى يضم شركات مصرية وإنجليزية وفرنسية وإماراتية، ذات خبرات متنوعة فى مجالات إدارة الأعمال والتسويق والضيافة والترويج والجودة والصحة والسلامة المهنية.


تصميم الواجهة والشعار

نظرًا لموقعه المتميز أمام أهرامات الجيزة، صُممت واجهة المتحف على شكل مثلثات كبيرة، تنقسم إلى مثلثات أصغر فى إطار رمزى للأهرامات، وذلك طبقًا لنظرية رياضية لعالم بولندى تتحدث عن التقسيم اللا نهائى لشكل المثلث، ما یُتیح الفرصة لزائریه مشاهدة أهرامات الجیزة من خلال تلك الواجهة الزجاجية المُبّهرة ببهو مدخل المتحف.
وصمم شعار المُتحف، اللبنانى الهولندى طارق عتريسى، وهو أحد أشهر المصممين فى العالم العربى، بطريقة تُعبّر عن التخطيط الأفقى الفريد المُمَيّز للمتحف الذى تنفرج جوانبه لتطل على أهرامات الجيزة، ويأخذ الشعار اللون البرتقالى الدافئ الذى يعكس لون أشعة الشمس على هضبة الأهرامات وقت الغروب، وجاء اسم المتحف فى الشعار بخط عربى انسيابى مُسْتلهم من الكثبان والتلال الرملية للبيئة المحيطة، مراعاة لتكوين الشكل الهندسى المستخدم فى الشعار، ليخرج بسيطًا مميزًا أسوة بشعارات المتاحف الكبرى فى العالم.


تنفيذ المشروع

بدأ تنفيذ مشروع المتحف المصرى الكبير فى مايو 2005، وبدأ بتمهيد الموقع وتجهيزه، وفى عام 2006 بدأ العمل فى أكبر مركز لترميم الآثار بالشرق الأوسط، خُصص لترميم وحفظ وصيانة وتأهيل القطع الأثرية المُقرر عرضها بقاعات المتحف، وفى 14 يونيو 2010، تم افتتاح مركز الترميم، ويقع على مساحة ٣٢ ألف متر، تحت مستوى سطح الأرض بـ 10 أمتار تقريبًا، ويضم 19 معملا لترميم مختلف أنواع الآثار لرفع كفاءتها وإعادتها لشكلها الطبيعى.

 


بدء التشغيل التجريبى

جاء العام 2021 يحمل البشارة، حيث اكتملت أعمال البناء بالمتحف الذى تبلغ مساحته أكثر من 300 ألف متر مربع، ليتضمن عددًا من قاعات العرض، والتى تُعتبر الواحدة منها أكبر من العديد من المتاحف الحالية فى مصر والعالم، وبدأ المتحف نهاية العام 2022 فى استضافة بعض الأحداث والفعاليات الخاصة، واستقبال مجموعة من الزيارات الجماعية محدودة العدد، فى بعض الأقسام والمناطق بداخل المتحف، وذلك فى إطار التشغيل التجريبى للخدمات، حيث يتمكن الزوار خلال هذه المرحلة من زيارة بعض أقسام المتحف منها ميدان المسلة المُعلّقة، والصالة الرئيسية المعروفة باسم البهو العظيم، ومتحف الأطفال، وتجربة الواقع الافتراضى، والحدائق، والمطاعم، والمقاهى، والمحلات التى تشمل علامات تجارية مصرية رائدة.

 

تجربة سياحية فريدة

سيقدم المتحف المصرى الكبير عند افتتاحه، فى موعد يجرى تحديده ليكون خلال هذا العام، تجربة سياحية خاصة ومتميزة للغاية لزائريه، والمتوقع أن يكون له دور أساسى وإضافة كبيرة بالنسبة للثقافة العالمية وليس فقط بالنسبة للمقصد السياحى المصرى.
كما سيكون العرض المتحفى على أحدث التقنيات العالمية، ويستهدف العرض المتحفى شريحة كبيرة من الزائرين سواء دوليين أو محليين، وبالتالى سيكون هناك تنوع كبير، وهناك منطقة خدمات جيدة للغاية ستبهر الجميع.
وأول ما يشاهده الزائر عند دخوله المتحف هى المسلة المعلقة للملك رمسيس الثانى، وكانت الفكرة أن يحقق ذلك تجربة مختلفة للزائر من خلال رؤية خرطوش الملك رمسيس الثانى أسفل بدن المسلة الذى ظل مختفيا عن الأنظار أكثر من 3000 عام، وسيجد الزائر فور دخوله المتحف قاعة البهو العظيم، وهى قاعة عرض مفتوحة يصعد من خلالها الزائر لقاعتى الملك توت عنخ أمون وقاعات العرض الرئيسية، وتم تصميم المتحف بمقاييس عالمية على أن يكون المتحف مجهزًا للحماية من الأمطار فى ظل التغيرات المناخية الحالية.


القدرة الاستيعابية للمتحف

المتحف بتصميمه الحالى يعرض لحضارة واحدة، وهى الحضارة المصرية القديمة، حيث يتم عرض 50 ألف قطعة فى العرض الدائم، و50 ألف قطعة أخرى موجودة فى المخازن للدراسة والإفادة منها فى المعارض المتغيرة.
إذًا، المتحف يتسع لمائة ألف قطعة مع وجود إمكانية لاستيعاب المزيد، والمشروع العملاق بهذا الشكل لن يقتصر على كونه متحفًا، ولكنه سيكون مكانًا للبحث العلمى والتوعية بالنسبة لأطفال وشباب مصر بتاريخهم، ولذلك يضم المتحف فى جنباته متحفًا للطفل ومركز تربية متحفية موجهًا لكل الأسرة المصرية، ومن أراد أن يتعلم بعض المعلومات عن الكتابة فى مصر القديمة أو صناعة الفخار والنسيج والنحت والفلك والحساب فى مصر القديمة، فيمكنه الالتحاق بمركز التربية المتحفية بالمتحف المصرى الكبير فهذه المؤسسة المتحفية لها أكثر من دور، ومنها المحافظة على آثار مصر والتعريف بها محليًا وعالميًا وزيادة الوعى لدى الأجيال المصرية الواعدة بتاريخهم المصرى، الذى يتفردون به فى العالم أجمع.
ورغم الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة، التى مرت بها مصر منذ ثورة يناير 2011، وما تبعها من تقلبات اقتصادية، ومع كل الصعوبات، فقد تكفلت مصر بتنفيذ هذا المشروع الحضارى الضخم إيمانًا منها بأن عليها دورًا كبيرًا فى حماية آثارها القديمة التى تعد جزءً مهمًا للغاية من التراث الإنسانى، وبالتالى مصر مهتمة قيادة وشعبًا بتنفيذ هذا المشروع، والقيادة السياسية مهتمة بتوفير الإمكانيات والدعم لهذا المشروع والذى وصل لمداه بقبول رئيس الجمهورية، ليكون على رأس مجلس أمناء المتحف المصرى الكبير، بما يعطى ويضفى على هذا المتحف أهمية عالمية كبيرة ووزنًا عالميًا كبيرًا، ومساحة الأرض المقام عليها مشروع المتحف المصرى الكبير ككل 117 فدانًا، وهى 490 ألف متر، ومساحة العرض المتحفى 50 ألف متر مسطح، غير المخازن والمناطق الخدمية والمتنزهات والساحات، وتأتى أهمية المتنزهات فى جعل الزيارة للمتحف يومًا متكاملًا للأسرة المصرية والزائر الأجنبى، علاوة على الرئة الخضراء فى هذه المنطقة.


دور الجايكا واليونيسكو

منذ بداية الإعلان عن هذا المشروع، سارعت دولة اليابان بالتعاون مع مصر بتقديم قرض بقيمة 300 مليون دولار لتسهيل ودعم تنفيذ هذا المشروع، وبعد ارتفاع الأسعار بصفة عامة تطلب الأمر زيادة التمويل، وبعد مفاوضات مع الجانب اليابانى تمت الموافقة على تقديم قرض ثانٍ بقيمة 450 مليون دولار.
وإلى جانب القروض الميسرة التى قدمتها اليابان لمصر لتنفيذ هذا المشروع الحضارى، قدمت مجموعة من المنح المتعلقة بتدريب المرممين والمتخصصين فى نقل وتغليف الآثار والآثاريين والإداريين مساهمة منها فى إعداد الكوادر البشرية، التى ستعمل وتدير هذا الصرح العملاق، إضافة إلى دور منظمة «اليونيسكو» التى تابعت المشروع عن كثب، وتابع مطابقته للإرشادات العالمية فى مجال المتاحف. كما عبّرت منظمة «اليونيسكو» عن إعجابها بمصر بصفة مستمرة لإصرارها على استكمال المشروعين الحضاريين الكبيرين وهما مشروع المتحف المصرى الكبير، ومشروع متحف الحضارة الذى افتتح العام الماضى فى حفل مهيب شهده العالم، وتزامن مع موكب نقل المومياوات الملكية، من المتحف المصرى بالتحرير، لمقرها الدائم بالمتحف القومى للحضارة المصرية، الذى يعرض الإسهامات الحضارية المصرية على مر العصور، فيما قبل التاريخ حتى الوقت المعاصر، مع التركيز على الإسهامات الحضارية فى كل المجالات فى الزراعة والفلك والتجارة والصناعة، علاوة على كونه أكبر مخزن للآثار فى مصر، لأنه لا يقتصر على الآثار المصرية القديمة ولكن من كل الحقب التاريخية حتى يومنا هذا، وروعى فى متحف الحضارة والمتحف المصرى الكبير أن يكون هناك تكامل بينهما فى معامل الترميم.


كنوز المتحف


سيشهد المتحف المصرى الكبير لأول مرة فى التاريخ عرض آثار الملك توت عنخ آمون كاملة «5 آلاف قطعة»، والتى كان يعرض ثلثها منذ اكتشاف المقبرة عام 1920، وسيتم عرضها على قرابة الـ 20 ألف متر ضعف مساحة العرض بمتحف المصرى بالتحرير الذى يبلغ مساحة العرض به 10 آلاف متر مسطح.
وإن كان المتحف سيعرض لكنوز مصر الأثرية، فكنز المتحف الكبير هو كوادره، حيث يضم المتحف حوالى 100 مرمم مصرى يقومون بترميم كل الآثار التى ستعرض بالمتحف، بمستوى عالمى يحوز على إعجاب جميع الزائرين لمعامل الترميم، وهو مدعاة للفخر أن يتم ترميم هذه الآثار بأيدٍ مصرية خالصة.
وفيما يتعلق بسيناريو العرض وإعداد بطاقات التعريف يتم أيضًا بمعرفة آثاريين مصريين من الشباب الذين تم تدريبهم لرفع كفاءتهم، وإعدادهم ليكونوا نواة فريق العمل لهذه المؤسسة العالمية، والذين استفادوا تمامًا من التدريب مع الجانب اليابانى، وكان ثمرة ذلك أنه تم نقل آلاف القطع الأثرية بشكل آمن إلى معامل ومخازن المتحف المصرى الكبير، وهذا الأمر إنجاز عالمى بكل المقاييس، ولكن قبل أن تظهر للزوار يعيدها كما كانت فى عهد المصريين القدماء مجموعة من مهرة الترميم، هم أطباء الحضارة وحفظة التاريخ، حيث تنتظر مصر وينتظر العالم معها افتتاح المتحف المصرى الكبير، كصرح عملاق.


أفضل وجهة سياحية

وضعت مجلة «ناشيونال جيوجرافيك» المتحف المصرى الكبير على رأس أجمل الأماكن للزيارة فى 2023، كما حصل المتحف المصرى الكبير، على الشهادة الذهبية للبناء الأخضر والاستدامة وفقا لنظام الهرم الأخضر المصرى، وقد نظم المتحف احتفالية بهذه المناسبة تسلم خلالها عاطف مفتاح المشرف العام على مشروع المتحف والمنطقة المحيطة، شهادة الهرم الأخضر من المركز القومى لبحوث الإسكان والبناء، نظرًا لتبنى المتحف خلال الآونة الأخيرة استراتيجية واضحة للتنمية المستدامة مما أهله للحصول على عدة شهادات وجوائز فى هذا الصدد وآخرها جائزة المبانى الخضراء والتى فاز بها خلال المنتدى العربى للمياه فى سبتمبر الماضى.