الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سامحنا يا "عليّ ابراهيم"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اجتمعنا حوالي 25 من أصدقاء على إبراهيم بينهم صحفيين وسياسيين وباحثين، في حفل تأبين للراحل الصديق، والذي تنوعت صداقاتهم به بين الجميع، ولم يختلف عليه أحد في أن يصادقه، من اللقاء الأول، وكشفت الكلمات من مختلف الحضور عن جوانب إنسانية ومعرفية عن علي إبراهيم، منذ أن كان عضوا في أحد التنظيمات السياسية اليسارية في السبعينيات.

حفل في حد ذاته، جاء الناس إليه حبا في صديق وزميل ارتبطت علاقته بالجميع بحب من نوع خاص، فعلي لم يطمح لشيء في حياته، بل ظل بسيطا في كل شيء، متصالحا مع نفسه، كل أمنياته أن يكون إنسانا في مجتمع ضاعت فيه الإنسانية، وأراد الخير للوطن ومواطنيه، والخير للناس كل الناس.

لم يبخل علي في حياته بأي شيء عن مساعدة أي باحث عندما عمل في وزارة الثقافة، موظفا في أرشيف (الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية)، ومن بعدها مؤسسات عديدة، منها أرشيف جريدة الحياة، وأرشيف جريدة الأهالي، وبعض مكاتب الصحف العربية.

علي (خريج كلية الإعلام) لم يكن مجرد صحفي في أرشيف بل كان باحثا بمعني الكلمة، وإجادته لأكثر من لغة أجنبية، فتح له المجال ليصبح مرجعا لأي باحث، يريد معلومة في أي كتاب، وفي أي صفحة، حافظ لفهارس ومكونات الكتب والوثائق.

عشرات الباحثين استفادوا من خبرات علي إبراهيم في أبحاثهم لرسائل الماجستير والدكتوراه، والأوراق البحثية في مختلف القضايا والعلوم العامة والإنسانية.

ظل علي مؤمنا طيلة حياته بأن الصحفي له مهمة وعليه مسؤوليات، وهو لسان حال الناس والمجتمع، والصوت المعبر عن قضايا البشر، ومؤمنا بأن المعلومة حق للجميع، وتوفيرها بدقة مسؤولية.

تحدث الحضور عن علي إبراهيم من القلب، وكل منا يُحمّل نفسه مسؤولية التخلي عن علي، في أيام كان يحتاج إلى من يساعده، خصوصا في سنواته الأخيرة، وكل منا يرفع لافتة "سامحنا يا عليّ"، فقد تقطعت بنا السبل، وانشغل كل منا بهمومه وقضاياه، وضاع عليُّ منا في الزحام، ولا يمكن أن ننكر كلنا أننا أهملنا في حق عليّ إبراهيم الذي توارى عن الأنظار لأكثر من 15 عاما، أو أكثر، لا يعرف مكانه وعن أي شيء بشأنه، سوى عدد قليل جدا من أصدقائه.

لم يفكر أي منا في زيارته بمسكنه البسيط في الجيزة، ليسأل عنه، ومن سأل سأل مرة، أو عن بُعد، دون تمحيص، حتى أن من التقاه مرة بالصدفة في انتخابات نقابة الصحفيين، سلم عليه، وسار في طريقه، ليذهب عليّ مرة أخرى إلى المجهول.

وضاع عليّ منا أو على الأقل "مني"،.. وأعترف شخصيا أني أهملت في حق علي، ولم أسعَ للبحث عنه، ولا يمكن إلا أن ألوم نفسي على ذلك، فعلي الذي عرفته عن طريق صديقي المرحوم سيد زهران في أوائل الثمانينات، لم يكن مجرد صديق عابر، بل توطدت علاقتنا، ولم يختفي من بيتي، إلا عندما أخذتني الدنيا للسفر خارج مصر للعمل، واللقاءات أصبحت متناثرة، حتى جاء الاختفاء الأكبر، ولم اُكلف نفسي بجهد البحث والسؤال.

ما أحزنني وكسر ضميري، هو يوم وفاة علي، عندما أبلغتني الزميلة والصديقة والكاتبة الصحفية أمينة النقاش، بأن نقابة الصحفيين تبحث عن أهل علي إبراهيم، لاستلام جثمانه، حيث اكتشف أهل البيت الساكن فيه وفاته وحيدا، بعدما فقد الجزء الأكبر من بصره في سنواته الأخيرة.

وبدأت رحلة البحث عن مجهول آخر في حياة علي إبراهيم، ولكن دون جدوى، فكان الرأي أن يتم دفن الجثمان في مقابر "الصدقة"، ويأتي الوفاء هنا من ناس أحبت علي "الإنسان"، فتطوع صاحب البيت أن يفتح مقبرة عائلته في السيدة نفيسة، لدفن جثمان علي إبراهيم، ليعكس هذا الموقف من رجل عاش مع علي "الساكن" تعبيرا عن أن علي إبراهيم، شخص لا يمكن أن يختلف على حبه إنسان.

رحمة الله عليك يا علي إبراهيم.. وسأظل أرددها "سامحنا يا علي للتقصير في حقك".. اللهم اغفر لنا غفلتنا عن كل من نحبهم.