الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

قطاع الأسمنت.. 4 سنوات من «تخمة المعروض» وقلة الطلب.. «كورونا» ووقف تراخيص البناء.. أزمتان تعصف بالقطاع في 2020.. 30 مليون طن «فائض» سنويًا.. وتوقف خطوط إنتاج وتصفية شركات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نحو 4 سنوات، وأزمة قطاع الأسمنت ما زالت قائمة حتى الآن. تلك الأزمة التى أرجع خبراء ومتخصصون بداية ظهورها إلى تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، ما أدى إلى زيادة تكاليف إنتاج الصناعة، تبعتهُ زيادة في الأسعار وتراجع في الطلب، مرورًا بدخول طاقات إنتاجية جديدة في السوق، ووصولًا بأزمة انتشار فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19-» الذى أرهق القطاع الاقتصادى ثم قرار وقف تراخيص البناء في مايو 2020.

تفاقم أزمة «زيادة المعروض» من الأسمنت في السوق دفعت بعض الشركات، التي يبلغ إجمالى عددها 19 شركة بينها 18 شركة قطاع خاص، إلى وقف مصانع وخطوط إنتاج تابعة لها، وأخرى اضطرتها تخمة المعروض من الأسمنت إلى التصفية، لوقف نزيف الخسائر، وهو ما حدث مع الشركة القومية للأسمنت خلال العام قبل الماضى 2018. والبعض الآخر، ما زال يقاوم، كإعلان شركة «السويس» استمرارها في السوق.
التقارير الرسمية، تُشير إلى أن مصر تحتل الترتيب الـ١٤ عالميًا من بين الدول المنتجة للأسمنت، بإجمالى طاقة إنتاجية تبلغ ٨٤ مليون طن سنويًا، وبمتوسط مبيعات يصل إلى نحو ٥٤ مليون طن سنويًا، ما يعنى وجود فائض في الإنتاج يبلغ ٣٠ مليون طن، وذلك بالرغم من انخفاض حجم الاستيراد الذى يكاد يقترب من الصفر، فضلًا عن ارتفاع تكاليف الطاقة اللازمة للإنتاج خلال السنوات الأخيرة بنحو ٤٠٪ مُنذ نهاية ٢٠١٦.
ووفقًا لمذكرة بحثية أصدرتها "فاروس" القابضة، فإن العام الماضى، كان شاقًا على صناعة الأسمنت بعد زيادة الفجوة بين العرض والطلب، حيث شهد ٢٠١٩ إنخفاضًا في إجمالي مبيعات الأسمنت، المحلى والتصدير، بنسبة ٠.٨٪ على أساس سنوى. فيما أكد محللون اقتصاديون، أن الاستهلاك المحلى وحده، انخفض بنسبة ٣.٥٪ ليبلُغ ٤٨.٧ مليون طن، بينما بقيت الطاقة الإنتاجية للبلاد على حالها ما بين ٨٠ إلى ٨٥ مليون طن.
وجاءت أزمة انتشار فيروس كورونا، بداية العام الجارى ٢٠٢٠، لتُعمق من أزمة سوق الأسمنت في مصر، نتيجة لتسببها في مزيد من "تُخمة المعروض"، مما يعود بالخسارة على الشركات، ويجبرها إما على خفض الأسعار، أو تسريح العمال، وذلك في محاولة منها للبقاء قيد العمل. في الوقت الذي استجابت فيه الحكومة إلى نداءات الشركات، وقامت بتخفيض أسعار الغاز الطبيعى للمصانع، لمواجهة تداعيات الوباء "كوفيد-١٩".
وفى يونيو الماضى، كلّف الرئيس عبد الفتاح السيسي بتوفير المناخ الداعم لقطاع الصناعات الوطنية الثقيلة، وفى مقدمتها صناعة الأسمنت والحديد والصلب، وذلك لدورهما المهم في النهوض بالاقتصاد القومي وعمليات التنمية في أنجاء الجمهورية. ثم جاء إعلان حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، بتخصيص مبلغ ٣٠٠ مليار جنيه لقطاع البناء في ٢٠٢٠/٢٠٢١، ضمن خطة التنمية الاقتصادية للعام المالى الجديد.
في المُقابل، تُشير بيانات البورصة، إلى زيادة في خسائر شركات الأسمنت المُقيدة بها، وصلت إلى ٩٧٪ بالنسبة لبعض الشركات، وذلك خلال النصف الأول من ٢٠٢٠.

 وقال أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء بغرفة القاهرة التجارية، إنه كان لأزمة كورونا، وقرار وقف تراخيص البناء، تأثيرها السلبى على مبيعات الأسمنت خلال العام الجارى.
وأضاف الزينى، أن ضعف الطلب على الأسمنت بسبب وقف البناء، إضافة لأزمة فيروس كورونا، وأيضًا تكاسل الشركات عن البحث عن حلول، وعدم توجهها للتصدير، كُل هذا فاقم مشكلات القطاع. مُشيرًا إلى أن الدولة المصرية تقدم الكثير من التسهيلات لشركات الأسمنت لفتح أسواق في الخارج، وخاصة أفريقيا، لمواجهة الأزمات التى تعصف بالقطاع، ولكن الشركات حتى الآن لم تستغل هذه التسهيلات، وتقوم بالتصدير.
ويقول أحمد عبد الحميد، عضو غرفة البناء والصناعة، باتحاد الصناعات المصرية، إن الإنتاج الفائض نتيجة الطاقات الإنتاجية الكبيرة خلال الـ ٣ أو ٤ سنوات الماضى، وأزمة انتشار "كورونا" ووقف تراخيص البناء، كلها أسباب أدت لاستمرار أزمة الفائض. 
وعن أسباب عدم اتجاه الشركات لخفض أسعار الأسمنت بصورة أكبر لزيادة الطلب عليه في السوق، أوضح "عبد الحميدد" أن تكاليف الإنتاج تحول دون ذلك، خاصة وأن تلك التكاليف تزيد بصورة شبه يومية كالمواد المحجرية. مُضيفًا أن قلة الإنتاج تدفع الشركات إلى تحميل تكاليف الإنتاج على المعروض في السوق، مما يجعل السعر شبه ثابت.
ورغم التسهيلات التي تقدمها الدولة لشركات الأسمنت، لتخفض تكاليف إنتاجها، والتى من بينها قرار خفض سعر الغاز لمصانع الأسمنت إلى ٦ دولارات للمليون وحدة حرارية، بدلًا من ٨ دولارات، إلا أن ذلك لم يُساهم بصورة كافية في تحسين أحوال تلك الشركات، كونها تعتمد أكثر على مزيج من الطاقة، ولا يمثل فيه الغاز نسبية كبيرة.
ويقول مجدى عباس، رئيس مجلس إدارة الشركة المتحدة لتجارة الأسمنت، إن فائض إنتاج الأسمنت يتخطى حد الاستهلاك بنحو ٣٠ مليون طن، ما يتطلب وجود دعم مباشر للشركات المصدرة، ومساعدتها في التصدير، كطريقة رئيسية للتخلص من الفائض.
وأكد عباس، أن اللجوء للتصدير حل ضرورى لتخطى الأزمة، بجانب تحديد حجم الإنتاجية لكل مصنع بشكل سنوى وذلك للحفاظ على الكيانات الاستثمارية الموجودة، خاصة في ظل المنافسة من قِبل العديد من الدول العالمية التي تمتلك قد كبير من الإنتاج ومنها السعودية والهند وباكستان، وهو ما يتطلب دراسة وبحث مستفيض للخروج من الأزمة.
وأرجع الدكتور عبدالرحمن عليان، الخبير الاقتصادى، السبب وراء فائض إنتاج الأسمنت في السوق إلى انخفاض القدرة التصديرية، بالإضافة لتراجع حركة البناء في مصر خلال ٢٠٢٠ بعد إصدار قرار وقف تراخيص البناء الذى أدى إلى تراجع الاستهلاك.
وأضاف عليان، أن الأزمة تتطلب اتجاه المنتجين إلى التسويق لمنتجاتهم خارجيًا، بجانب دعم الدولة للتصدير والمصدرين، والترويج والتسويق للمنتج المصرى في الدول الأوروبية، خاصة مع ظهور منافسين في بعض الدول الأخرى وعلى رأسهم تركيا.
وحول المطالبات بتخفيض أسعار الطاقة، أكد عليان أن تكاليف الطاقة لا تزيد على ١٠٪ من إجمالى تكلفة المنتج، مشيرًا إلى أن نسبة التخفيض عامل مؤثر في تراجع سعر المنتج، لافتًا إلى أن سعر الأيدى العاملة في مصر منخفض، إذ أن معدلات الأجور أقل من مثيلتها في دول أخرى، كما أن تكلفة الطاقة في نفس نطاق الأسعار الدول المُصنعة.


ويقول الدكتور رضا لاشين، الخبير الاقتصادى، إن خصخصة شركات الأسمنت في منتصف التسعينيات، تعتبر عاملًا من عوامل الأزمة الحالية، فضلًا عن الاتجاه بعد ثورة يناير إلى البناء العشوائى، لـ٧ سنوات، فتم بناء خلال تلك الفترة نحو ٢٤٪ من المباني القائمة حاليًا.
وأشار الخبير الاقتصادى، إلى أن نسب احتكار صناعة الأسمنت من الشركات الأجنبية تصل إلى ٨٧٪ من حجم الصناعة، والمتبقى للشركات المحلية، لافتًا إلى أن الشركة القومية للأسمنت، كانت تنتج ٥٪ فقط من نسبة المعروض من الأسمنت حتى تم تصفيتها.
وأضاف لاشين أن الزيادة في نسب المعروض خلال عام ٢٠١٨ كانت نحو ٢٠٪ بينما خلال ٢٠١٩، وصلت إلى ٢٥ مليون طن، من أصل ٨٠ مليون طن، متوقعًا زيادة في نسب المعروض مع انتشار أزمة كورونا الحالية وقرار وقف البناء، والذى أثر بشكل كبير على صناعة الأسمنت، ومواد البناء، وسحبهم من الأسواق؛ ما تسبب في حدوث خلل أصاب السوق العقاري، خاصة شركات المقاولات، وشركات إنتاج مزاد البناء.
ونوّه الخبير الاقتصادى، إلى ضرورة إعادة النظر في قرار وقف تراخيص البناء خلال الفترة المقبلة، لحل أزمة تخمة الأسمنت التي تعاني منها الأسواق، إضافة إلى تشجيع شركات المقاولات على المساهمة في حل الأزمة من خلال تشطيب الوحدات السكنية تشطيبًا كاملًا قبل تسليمها، خاصة وأن معظم المبانى عبارة عن "هيكل خرسانى"، لافتًا إلى أن تشطيب الوحدات السكنية يساهم في حل الأزمة وزيادة نسبة مبيعات الأسمنت، إذ تمتلك مصر ثروة عقارية تصل لـ٤٣ مليون عقار تساوى نحو ١٠ تريليون جنيه مصري.
وشدد لاشين، على ضرورة إعادة النظر في قرار وقف البناء، برغم أن غرضه هو تنظيم عملية البناء، والتصدى للبناء العشوائى في المناطق العشوائية وعلى الأراضى الزراعية، ما تسبب في ضياع رقعة كبيرة من الأراضى الزراعية؛ لحل الأزمة، إضافة إلى زيادة حجم التسويق والتصدير والاشتراك في المعارض الخارجية، الخاصة بمواد البناء.
من جانبه، أرجع النائب سمير البطيخى، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، السبب وراء زيادة الإنتاج المعروض من الأسمنت، إلى اتجاه العديد من المستثمرين والشركات الأجنبية إلى الاستثمار في مجال الأسمنت، ما تسبب في اتساع المجال، وزيادة عدد الشركات، فضلًا عن منع الدولة إصدار تراخيص جديدة للبناء لأكثر من أربعة طوابق.
ولفت البطيخي، إلى أن وقف أعمال البناء، واستمرار جائحة كورونا لأكثر من ٨ أشهر، كان لهما تأثيرًا على عملية التصنيع والطلب على الأسمنت، برغم الأعمال التي تتم في مدينة العلمين والجلالة والعاصمة الإدارية الجديدة، والتي استوعبت جزءًا من الإنتاج.
وأشار عضو لجنة صناعة النواب، إلى أهمية فتح مجالات أوسع للتصدير خاصة في أفريقيا، لحل أزمة التكدس، إضافة إلى ضرورة فتح مجال البناء مرة أخرى والمتوقف خلال الستة أشهر الماضية، خاصة وأنه يوجد نحو ٩٠ صناعة تعتمد على المقاولات.


وقال الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادى، إن عدم توفير الدولة لمصادر طاقة خاصة بمصانع الأسمنت، كان سببًا رئيسيًا في بداية ظهور أزمة الأسمنت قبل نحو ٤ سنوات، وهو الأمر الذى دفع المصانع إلى الاعتماد على مصادر خاصة بهم في الطاقة، ما نتج عنه زيادة في تكاليف الإنتاج، ثم زيادة في أسعار الأسمن بالأسواق، ثم جاءت الأزمة بدخول مصانع جديدة منافسة إلى السوق، ما نتج عنه زيادة مفرطة في المعروض.
ولفت النحاس، إلى أن الشركات خلال القترة ما بين ٢٠١١ وحتى ٢٠١٨ تحملت تكلفة أكبر لتوفير مصدر للطاقة ما تسبب في ارتفاع أسعاره، وكانت أحد الأسباب الرئيسية في بداية أزمة زيادة الإنتاج، والتى تسببت في خسائر فادحة للشركات، خاصة بعد دخول مستثمرين جدد للسوق، فضلًا عن أن الأسمنت من المنتجات سريعة التلف صعبة التخزين.
واقترح الخبير الاقتصادى، إنشاء جهة تنظيمة على غرار الجهاز التنظيمى للاتصالات يكون مجلس خاص بتنظيم إنتاج الأسمنت داخل الدولة المصرية بحصص محددة، وتخفيض حجم إنتاج الشركات، بالإضافة لتوزيع الطلب على الأسمنت على جميع الشركات، والوقوف على عناصر التكلفة المرتفعة لفتح باب للتصدير إلى الخارج، لأن سعر الأسمنت المحلى أغلى من الأسعار العالمية، خاصة وأن النهضة العمرانية أو العقارية أو السكانية أو حتى البنية التحتية أو الفوقية تتطلب التفوق في عملية إنتاج الأسمنت.
وأكد النحاس، أن تجاهل أزمة زيادة الإنتاج مزيدًا من الوقت، سيتسبب في غلق المصانع أو دمجها، وهو ما يسعى إليه بعض المستثمرون في الوقت الحالى، ويترتب عليه بيع أراضى وتصفية عمالة، ما قد يتسبب في تحول الأزمة من زيادة إلى عجز في الإنتاج، منوهًا بأن أن صناعة الأسمنت تتطلب خبرات متراكمة من العمالة إلى المستثمرين.
وأشار النحاس إلى أن الاتجاه نحو التصدير لا يمكن وضعه على قائمة الحلول حاليًا، لاسيما وأن أسعار الأسمنت غير تنافسية في السوق العالمية، لأفتًا إلى أهمية السعى نحو استقرار الصناعة وحل الأزمات، خاصة وأن الفترة القادمة ستشهد إعمارًا في المنطقة العربية، خاصة في ليبيا واليمن وسوريا، لذا لا بد من الحفاظ على خطوط الإنتاج.
من ناحيته، قال الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادى، إن معظم شركات الأسمنت تحقق خسائر حاليًا، نتيجة وجود فوائض في الإنتاج، لافتًا إلى أنه لا يمكن اللجوء للتصدير كنوع من أنواع حل الأزمة، وذلك لأن تكلفة إنتاج الأسمنت في مصر، أكبر من سعره عالميًا، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، والتي تؤثر على السعر النهائي للمنتج، لذا فإن المنتج المصرى يفتقر إلى الأسعار التنافسية العالمية، ما يضعف فرصه في التصدير.
ولفت الإدريسى، إلى إمكانية الاتجاه إلى التصدير إلى الدول الأفريقية، وإلغاء فكرة التصدير لـ"آسيا أو أوروبا"، واستغلال عودة العلاقات إلى سابق عهدها مع الدول الأفريقية، بفتح آفاق للتصدير إليها، واستغلال ما لدينا خبرات في تلك الصناعة يمكن توجيهها للدول الأفريقية، خاصة وأن معظم شركات ومصانع الأسمنت تحقق خسائر نتيجة زيادة الفوائض في الإنتاج، بسبب زيادة عدد المصانع والمنتجين مع عدم وجود استهلاك كاف، لافتًا إلى أن خفض الأسعار ليس امرًا مطروحًا، وذلك لأنها ستكبد المصانع خسائر كبيرة قد تتسبب في غلقها، خاصة وأن لها حد أدنى في السعر لا يمكن التخفيض عنه.
وأشار الإدريسى، إلى أن صناعة الأسمنت تتكبد خسائر فادحة بسبب أن السوق المحلي غير كاف لاستيعاب كافة إنتاج المصانع، ومع عدم وجود فرصة للتصدير، لذا فإن الاتفاق على سعر عادل يحقق مكاسب لجميع الأطراف، دون تحقيق خسائر للمنتجين والعاملين في السوق بشكل يحافظ على صناعة الأسمنت، والمصنعين لأن سلسلة الخسائر قد تتسبب فيىغلق المصانع وفي تلك الحالة قد يتم اللجوء للاستيراد من الخارج.