الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ربيع العمر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
احترام استقلالية الآباء والأمهات من كبار السن أكثر إنتاجية ومردود من المطالبة بالتغيير في مرحلة ربيع العمر. 
وقد يسعى الأبناء إلى إحداث تغيير ملموس لدى آبائهم وأمهاتهم بهدف وضع حد للتوتر الذي يصيب العلاقة نتيجة عدم الامتثال لنصائح وتوجيهات الأبناء التي تصب في مصلحة الوالدين.
والموقف حقيقة يبعث على الحيرة حيث أنه في الوقت الذي ينصت كبار السن للشخص الذي يساعدهم في المنزل أو مقدم الرعاية لهم أو جيران أو أصدقاء أو أي شخص آخر دون حيثية نجدهم في المقابل يتعاملون برعونة مع أولادهم وهو ما يزيد من توتر العلاقة.
وهذا جزء من كل قد يعتري العلاقة بين الطرفين في وقت يكون كبير السن في أشد الحاجة للقرب والصحبة والرفق والمرونة من قبل الأبناء. 
لذلك لا بد من حل المشكلات الطارئة بهدوء حتى لا تسوء أكثر تلك العلاقة وتؤثر على حالة الأباء والأمهات الصحية والنفسية. 
ولعل ما دفعني لفتح هذه المساحة من الحوار الآن حول هذه القضية المهمة داخل عائلاتنا ومجتمعنا هو احتفال العالم سنويا في مطلع شهر أكتوبر باليوم العالمي للمسنين الذي يلفت الانتباه إلى هذه الفئة العمرية التي ساهمت في تنمية المجتمعات و رفع نسبة الوعي بالمشاكل التي تواجهها. 
وهو عيد عالمي يهم الإنسانية أقرته الأمم المتحد منذ 1991 كما تحتفل الدول المتقدمة بأعياد مشابهة له مثل يوم الأجداد في أمريكا و كندا وكذلك يوم احترام المسنين في اليابان.
وكثيرا ما نلاحظ تلك المشكلات التي تفسد العلاقة بين كبار السن وأبنائهم وتسبب توترا داخل الأسرة بسبب ما يراه الأبناء انقيادا من الوالدين لأشخاص في محيطهم فيما عداهم رغم كونهم الأقرب إليهم والأكثر حرصا على مصلحتهم. 
هذا موقف مربك ومحبط وقد يضطر الأبناء للتعامل معه بأن يغيروا الشخص المقدم للرعاية أو المساعدة ظنا منهم أنه يمتلك تأثيرا سيئا أو أكثر من اللازم على والدهم أو والدتهم.
لكن المفاجأة أنه مع استقدام شخص جديد تتكرر الأحداث ويستمر الوالدان في الإنصات لمقدم الرعاية وكأن كلامه مقدس حتى لو كان ما يقوله خطأ ويتعارض مع توجيهات أو توصيات الأبناء ومصلحة الشخص المسنَ. 
وعند التفكير بتروي في ردود أفعال الآباء والأمهات، نتوصل لعدة أسباب محتملة تجعل الأب و الأم يتعاونان مع الشخص الذي يقدم المساعدة في المنزل وينصتان إلى رأيه/ها أو نصيحته/ها، ولكن في المقابل لا يستمعان إلى أبنائهم البالغين والذين قد يعتقدون أنهم يفوقون من يقدم المساعدة تعليما وثقافة لكن دون جدوى تذكر لدى آبائهم!
أولا، لا يريد العديد من كبار السن ، بوعي أو بغير وعي، أن يتم إخبارهم بما يجب عليهم فعله من قبل "أطفالهم" حتى لو كان الأطفال قد أصبحوا كبارا بالغين في الخمسين من العمر؛ فهم الآباء و الأمهات ولا يحبون عكس الدور! 
ومن الضروري تفهم هذه النقطة جيدا فالأمر يتعلق بحقيقة واقعية وهي أن العديد من كبار السن يشعرون أنهم يفقدون السيطرة على حياتهم مع تقدم السن وخاصة بسبب المشكلات الصحية المرتبطة بالعمر. 
ووجود أبنائهم إلى جانبهم- بغض النظر عن حسن النية- ليقرروا ما يجب عليهم وما لا يجب عليهم فعله فقط يذكّرهم بأن "الأطفال" سيتولون في النهاية إدارة حياتهم. 
وهناك اعتبار آخر وهو أن لدى العديد من كبار السن تاريخ في فعل ما يقوله الطبيب سمعا وطاعة والامتثال له بحذافيره وهذا الشعور ينتقل عند التعامل مع الأشخاص الآخرين الذين يقدمون الرعاية الصحية كمرافقين في المنزل أو حتى المساعدين العاديين في المنزل. 
كما أن الأبناء يظلون صغارا يحتاجون للتوجيه والنصيحة مهما كبروا واحتلوا أعلى المراتب ولن يتلقى الأهل خبراتهم بنفس الإقبال والانبهار مثل الأغراب. وقد لخص المثل العربي هذه الحالة قائلا: "زمار الحي لا يطرب".
ولدينا هنا قصص من الواقع تنطبق على هذا السياق. يروي سعيد الإبن البكر للحاج محمود أنه فضل أن ينقل والده البالغ من العمر 81 عامًا من المستشفى إلى منزله وليس إلى منزل والده حتى يتمكن من رعايته ومراقبته بعد إصابته بجلطة دماغية بداية العام الحالي وأن ظروف جائحة كورونا سهلت عليه التواجد معه كامل الوقت حيث كان يباشر عمله "أون لاين" من المنزل. 
ويضيف أن والده تحسنت حالته الصحية بشكل جيد للغاية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى جلسات العلاج الطبيعي في المنزل حيث يتعاون مع الأخصائي بكل ترحيب وسعادة. كما كان يسمع كلام المساعدة في المنزل فيتناول الطعام الذي اقترحه الطبيب ومعه الأدوية جميعها. لكن في غياب الأخصائي والمساعدة المنزلية كان والده يتجاهله تماما بل ويغضب منه رافضا أن ينفذ معه ما كان ينفذه معهم. 
ويقول سعيد إن هذا الأمر يصعب من مهمته تجاه والده كما يشعره بالإحباط خاصة أن صحته تتراجع في صورة عدم حضور أخصائي العلاج الطبيعي والمعينة المنزلية لأنه لا يقبل بإبنه بديلا عنهم. 
ويشير إلى أن والده دائم الشكوى منه -ليس في حضوره وإنما في غيابه- حيث يحكي للمعينة والأخصائي وحتى لأبنائه الآخرين وأحفاده عندما يتصلون به للاطمئنان عليه بأن "سعيد" يهمله ويسيئ معاملته وليس كريما معه وأن الغرباء يعاملونه بطريقة أفضل من معاملة ابنه!! ويعلق سعيد بأن هذا الكلام عار عن الصحة وأنهما يتعايشان بشكل جيد معا؛ ويتساءل لماذا يفعل والده ما يجب أن يفعله فقط مع الآخرين وليس معه؟!
ولـ"سعيد" وغيره من الأبناء والبنات المخلصين لآبائهم وأمهاتهم أقول إنه قد يبدو من الظلم إعادة هذا الأمر إليكم وتحميلكم مسؤولية فيه، ولكن من أجل جعل وضعكم مع والدكم و والدتكم أكثر سلاسة وإيجابية للطرفين، حاولوا إعادة النظر في أسلوبكم معهم.
متى كانت آخر مرة أجريتم فيها محادثة مع آبائكم غير متعلقة بالصحة؟ متى كانت آخر مرة سألتم فيها أمهاتكم عن النشاط الذي يقمن به خلال يومهن أو اهتماماتهن وقصصهم السابقة؟ هل سألتم مؤخرًا كيف يريدون أن يعيشوا حياتهم الآن وهم يواجهون بعض التحديات الصحية؟ بعبارة أخرى، إذا كان بإمكانكم التعبير عن اهتمامكم بالحياة التي عاشوها والأنشطة التي لهم شغف بها والأشخاص الذين يهوون الجلوس معهم، فقد يشعرون أنكم مهتمون بهم كآباء وأمهات وليس كـ "مشروع صحي" ينبغي استمراره واستدامته حتى لو كان ذلك من منطلق الحرص على مصلحتهم. 
أثناء هذه المحادثات، ابحثوا عن السياق الطبيعي لتسألوهم عما يقدرونه في حياتهم الآن وما يستهويهم وإذا كان الأمر يتعلق بالاستقلالية، فيمكنكم أن تعبروا بلطف أنكم تحترمون الطريقة التي يختارونها للحياة ولا تعلقون سلبيا عليها بنقدها أو الامتعاض منها. أما عن الجزء الخاص بممارسة تمارين إعادة التأهيل فيمكن أن تشاركوهم في كونها مملة، لكن القيام بها قد يساعدهم على البقاء أكثر استقلالية. ثم اتركوهم وشأنهم. الحقيقة أن معظمنا أكثر استعدادًا للامتثال للخطوات التي تصب في مصلحتنا إذا شعرنا أن لدينا بعض السيطرة على كيفية القيام بذلك، لذا امنحوهم الوقت لاتخاذ قراراتهم الخاصة. 
والخلاصة المفيدة في رأيي أنه لا يمكننا حقًا "إجراء" تغيير لشخص آخر إذا كان لا يزال يفعل ما في ذهنه هو فحسب.. حتى لو كان التغيير المرجو في مصلحته الفضلى، وأن عدم التغيير سيؤثر عليك شخصيا ويقلب حياتك رأسا على عقب. مع ذلك، من الضروري أن تحب والدك أو والدتك على أي حال وأن تظهر لهما ذلك الحب الخالي من المصلحة والرضا بما يرضيهم. وتأكد أن احترام استقلاليته/ها سيؤتي ثماره بطرق أخرى. 
أرجوكم لا تقلقوا وتتوتر فالسهل الممتنع أمامكم؛ تأكدوا فقط من قيمة مهمة وهي أن احترام استقلالية الآباء والأمهات في ربيع العمر أكثر إنتاجية وعائد من المطالبة بتغييرهم!
olfa@aucegypt.edu