الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

أحداث ليبيا تشعل العلاقات التركية الفرنسية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ميليشيا أردوغان تشكل تهديدا مباشرا لمناطق النفوذ التقليدية لفرنسا
باريس ترفض انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبى خوفا من ابتزاز القارة العجوز
بلاد المختار تحتل مكانة متميزة في الإستراتيجية الفرنسية.. وبوابة الصحراء الأفريقية مهددة بالصراع الليبى
شهدت الشهور الأخيرة توترًا في العلاقة بين تركيا وفرنسا، على خلفية المعارك في ليبيا. فرنسا أزعجها التدخل العسكرى التركى الفج لصالح حكومة الوفاق؛ خاصة أن أنقرة قد ساعدت حكومة الوفاق على استعادة العاصمة طرابلس والمناطق المجاورة لها. علاوة على ذلك، لعبت الرغبة التركية لإعادة تأهيل قاعدة الوطية، من أجل إعادة استخدامها وجعلها قاعدة عسكرية دائمة للقوات التركية، دورا في توتر العلاقة مع باريس، خاصة أن مجموعة الزنتان (حليفة لباريس ونسقت مع الجيش الوطنى الليبى في محاولته لاستعادة السيطرة على العاصمة) كانت تسيطر على هذه القاعدة منذ الإطاحة بالقذافي.
دوافع التنافس 
تعد الخلافات التركية الفرنسية في جوهرها أعمق من الأزمة في ليبيا؛ حيث إن فرنسا دوما ما تقدم نفسها داخل القارة العجوز على أنها حارسة الأمن الأوروبى ومقاومة للسلوكيات الدولية الهادفة إلى ممارسة أى نفوذ على أوروبا. على سبيل المثال، في الستينيات من القرن الماضى، رفضت فرنسا انضمام بريطانيا للمجتمع الأوروبى خوفا من أن تتمكن الولايات المتحدة من التأثير على القرار الأوروبى من خلال بريطانيا. وفى عام 2018، اقترحت فرنسا إنشاء جيش أوروبى موحد ليكون بديلا للناتو في حماية أوروبا، وذلك بعدما تفاقمت الأزمة بين أوروبا والولايات المتحدة؛ حيث طالبت الأخيرة الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها العسكرى وتحمل مسئولياتها المالية تجاه الأدوار العسكرية التى يقوم بها الناتو. ونستدل من ذلك على أن فرنسا تقوم بدور قوى من أجل قيام أوروبا بدور مستقل في العلاقات الدولية.
وشكلت العلاقات التركية الأوروبية معضلة لفرنسا؛ حيث ترفض باريس الابتزاز التركى المتمثل في ممارسة أقصى الضغوط على أوروبا من أجل إجبارها على تقديم تنازلات سياسية ومادية، ورغم أن فرنسا تدرك أهمية الموقع الجيوسياسى لأنقرة، إلا أنها ترفض انضمامها بشكل قاطع للاتحاد الأوروبى، خوفا من بروز الدور التركى في أوروبا. بعبارة أخرى، تدرك فرنسا أن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى سوف يسهم في تحسين أداء الاقتصاد التركى، كما سوف يمنح تركيا القدرة على ممارسة نفوذها على الدول الأوروبية، خاصة أن القرارات المتعلقة بالدفاع والسياسة الخارجية تتخذ بالإجماع. علاوة على ذلك، ترى فرنسا في انضمام تركيا للاتحاد مصدرا لتعاظم قوة تركيا الناعمة خاصة في دول البلقان التى تعتبرها تركيا عمقا استراتيجيا لها.
في 2019، اعترفت فرنسا بإبادة العثمانيين للأرمن خلال القرن العشرين، الأمر الذى أغضب الأتراك بشدة. وقد ازداد الأمر حينما خصصت فرنسا يوم 24 أبريل من كل عام لإحياء ذكرى الإبادة. في المقابل، دعت تركيا المجتمع الدولى لإجراء تحقيق شفاف وعادل حول إبادة الأرمن، مدعية أن لديها وثائق تثبت أن ما تم كان مجرد عمليات قتل غير ممنهجة في إطار حرب ثنائية بين الأتراك والأرمن، لكنّ المجتمع الدولى لم يعر هذه المطالبات أى اهتمام.
وتمثل ليبيا أهمية إستراتيجية لكل من فرنسا وتركيا على حد سواء. بالنسبة لأنقرة، تعد ليبيا بوابة ترسيخ النفوذ التركى في شرق المتوسط، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن تركيا تخوض نزاعًا باردًا مع كل دول شرق المتوسط، بما فيها مصر وقبرص واليونان. علاوة على ذلك، تأمل تركيا أن تمكنها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق من قطع الطريق على أى محاولة من دول شرق المتوسط لتصدير الغاز إلى أوروبا. وينبع ذلك من الإدراك التركى أن إيجاد سوق لبيع الغاز لا يقل صعوبة عن استكشاف واستخراج الغاز في شرق المتوسط، خاصة أن العالم به العديد من الدول المصدرة. علاوة على ذلك، تدرك تركيا أن تصدير الغاز لأوروبا بأسعار تنافسية سوف يزيد من النفوذ التركى داخل القارة العجوز. على صعيد آخر، تدرك تركيا أن وجودها في ليبيا سوف يمكنها من تقوية علاقاتها بدول المغرب العربى كمقدمة لمزاحمة فرنسا في مناطق الصحراء والساحل الأفريقي.
بالمقابل من ذلك، تمثل ليبيا نقطة مهمة في السياسة الفرنسية في أفريقيا؛ حيث تعد ليبيا بوابة لدول الصحراء الأفريقية التى تعد مناطق نفوذ فرنسية. كما تعد ليبيا نقطة مهمة للغاية في ترسيخ النفوذ الفرنسى في شمال أفريقيا. وفقا لذلك، ترى فرنسا أن أى جود تركى على الأراضى الليبية سوف يشكل تهديدا مباشرا لمناطق نفوذها التقليدية.
آليات المواجهة
تمتلك كلتا الدولتين عضوية كاملة في حلف الناتو، الأمر الذى يقلل من احتمالية المواجهة العسكرية المباشرة، لكنه لا يلغى فكرة الحرب بالوكالة التى تعد قائمة بالفعل على الأرض. فرنسا من جانبها حاولت إثارة المخاوف الأوروبية من ازدياد النفوذ التركى في المناطق الواقعة جنوب المتوسط، لكنّ الخطأ الذى وقعت فيه باريس دون أن تدرك هو قيامها بالتنسيق مع الروس من أجل تحجيم النفوذ التركي؛ حيث قامت تركيا باستغلال هذا الأمر وقدّمت نفسها للغرب على أنها دولة معادية للنفوذ الروسى في أوروبا. هنا تجدر الإشارة أن أوروبا ترفض بشكل قاطع أى وجود روسى بالقرب من حدودها الجنوبية.
المحاولات الفرنسية لتقييد النفوذ التركى في ليبيا لم تقتصر فقط على أوروبا، حيث حاولت فرنسا توثيق علاقاتها مع دول الجوار الليبى فيما يخص الصراع في ليبيا. ففى زيارة لباريس الشهر الماضى، أكد الرئيس التونسى قيس سعيد أن شرعية حكومة الوفاق هى شرعية مؤقتة يجب استبدالها بأخرى دائمة. وفى نفس الصدد، أكد الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون في 4 يوليو أن حكومة الوفاق لم تعد تمثل الليبيين، كما طالب بضرورة انتخاب مجلس رئاسى جديد. وفى يوليو 2020، خرج الرئيس الجزائرى ليؤكد دعمه لوقف إطلاق النار على خطوط التماس الحالية، كما أعلن تقديم الجزائر لمبادرة سياسية من أجل التوصل إلى حل سلمى للنزاع وفق مؤتمر برلين الذى عقد في يناير 2020.
على المستوى الأوروبى، حاولت فرنسا استغلال حادثة تحرش البحرية التركية بفرقاطة فرنسية من أجل دفع الاتحاد الأوروبى إلى اتخاذ موقف مضاد لسياسة تركيا في ليبيا، إلا أن الناتو بعد التحقيق في الأمر لم يجد ما يستدعى اتخاذ قرار ضد تركيا. وفى نهاية المطاف، قررت فرنسا الانسحاب من عملية ايرينى المكلفة بمراقبة حظر توريد السلاح إلى أطراف النزاع في ليبيا، لكنّ هذا الأمر لم يدفع الأوروبيون إلى تغيير موقفهم من تركيا.
في النهاية، لن يتوقف التنافس التركى الفرنسى لأنه تجسيد لتوتر العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي؛ فكلا الطرفين يمتلك أجندات مختلفة رغم تلاقى المصالح المشتركة في عدد من الملفات.