الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الوهم في مواجهة «كورونا».. تجار وقنوات يروجون لعلاج الفيروس بالأعشاب والطب الشعبي.. الصحة العالمية: ليست آمنة.. وصيادلة: «سبوبة» للمتاجرة بأحلام المرضى.. ورفع الثقافة الصحية يقطع الطريق على «النصابين»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خلال الأيام الماضية، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعئ بعض الصفحات، التى تحمل مُسميات عدة؛ كالعلاج بالأعشاب والطب البديل والطب النبوي، مروجةً لوصفات أعشاب مُركبة، بدعوى الوقاية مرة، والعلاج مرة أخرى، من فيروس كورونا المُستجد «كوفيد- 19».
وفى ظل انتشار «كورونا». وارتفاع حالات الإصابة بالفيروس، انساق البعض خلف تلك الصفحات، لتحصين نفسه من الإصابة، بتناول الأعشاب التى تُعلن عنها، في حين حذر المتخصصون منها، واعتبروها مُجرد نوع من الاحتيال والنصب الذى قد يؤدى إلى نتائج كارثية.

بالرغم من الأصول العريقة للعلاج بالأعشاب، والتى ترجعها بعض الدراسات إلى قدماء المصريين، مرورًا بعلماء المسلمين، الذين جعل بعضهم للطب البديل والعلاج بالأعشاب كُتبًا خصيصًا، إلا أن الأمراض المستعصية التى تؤرق كثير من المصريين، كتليف الكبد وتأخر الإنجاب والسرطان والعجز الجنسى، فتحت الباب على مصراعيه، خلال السنوات الماضية، لنشاط تجارة الأعشاب، وتربح أصحابها، حتى إن وصفات العلاج وصلت إلى فيروس «كورونا».



وصفات الوهم
من جانبها، أكدت منظمة الصحة العالمية، أنه حتى يومنا هذا، لا يوجد لقاحات أو أدوية مُحددة لمرض «كوفيد-١٩». غير أن هناك علاجات، قيد الأبحاث، ستخضع للاختبار عن طريق التجارب السريرية، الأمر الذى يجعل من وصفات أصحاب الأعشاب، الذين يزعمون أنها تعالج كورونا، وهمًا لجنى الأموال من «جيوب» الباحثين عن الحماية والشفاء من فيروس يجتاح العالم.
وناشدت الصحة العالمية، بعدم الأخذ بالطب البديل في علاج فيروس كورونا المستجد، مؤكدة أن «العلاجات العشبية لا ينصح بها للحماية من الأمراض».
وجاء ذلك بعد أن روج البعض في الهند لأنواع من الأعشاب، دون سند علمى، بدعوى أنها تقوى المناعة في فيروس كورونا المستجد، فضلًا عن اعتماد الإدارة الوطنية للطب الصينى التقليدى، في بداية الوباء، على بعض أنواع الأعشاب في الطب البديل، كحساء طرد السموم من الجسم، الذى يعمل على تطهير الرئتين. وبحسب تقرير منشور على موقع «ميرور» فإن خبراء الصحة بالمركز الوطنى للصحة التكميلية والتكاملية التابع لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، حذروا من الخيارات البديلة للحماية من «كورونا». بعيدًا عن الأساليب الوقائية التى يمكن استخدامها كغسيل اليدين بانتظام والعطس في المناديل الورقية.



إجراءات احترازية
ويقول الدكتور أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الدواء، إن حالة الهلع من فيروس كورونا تدفع بعض الأشخاص إلى التطلع لأى شىء لأنهم يخشون المجهول، خاصة وأنه لا يوجد علاج واضح وصريح للفيروس، أو الوقاية منه، حتى الآن، وفى الناحية الأخرى يستغل أصحاب تجارة الأعشاب رغبة هؤلاء المواطنين للترويج لبضاعتهم وجنى أموال طائلة من خلفها.
ويوضح رستم: أن كل التجارب والأبحاث على مستوى العالم، بما فيها الدول التى تفشى فيها الفيروس بشكل واسع كإيطاليا وفرنسا، لم يؤكدوا أن وصفات الأعشاب والأكلات التى يتداولها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي فعالة بأى شكل من الأشكال للوقاية أو العلاج من كورونا.
ويشير رستم إلى أن إعلانات الأعشاب تعتمد في انتشارها على مُتلقى «غلبان» يسعى لسماع طرق للتداوى من أمراض يعجز الطب الحديث عن علاجها أو لا تؤهلهم ظروفهم المادية للوقاية منها.



بيزنس الأزمة
وقال الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية‏، إن الترويج لأعشاب بزعم أنها تعالج كورونا أو تحمى منها، من خلال صفحات فيسبوك، ما هو إلا «نصب واحتيال» على الناس.
وأوضح: الأخطر أن تلك الأعشاب غير معلومة المصدر، ومُحارباتها أمر واجب حتى لا ينساق خلفها الناس، خاصة وأنها تهدف للتربح المادى من وراء الظرف الراهن وتخوف الناس من كورونا وأضاف عوف: «لا أنصح الناس بمتابعة أى مادة منشورة على فيسبوك عن أعشاب خاصة بالوقاية من الفيروس أو العلاج منه، كما أن بعض الأشخاص يحكون تجارب وهمية لهم مع كورونا بهدف الترويج لمنتجات أعشاب يتربحون من خلفها».
وأكد أن تناول الأطعمة الصحية والخضراوات والفاكهة، إضافة للتباعد الاجتماعي والنظافة الشخصية، خير وسيلة للوقاية من المرض حتى الآن، وهى التعليمات المُتفق عليها عالميًا، وتنصح بها منظمة الصحة العالمية.
وعن تأثير العلاج بالأعشاب على تجارة الأدوية في مصر، أشار رئيس الشعبة العامة للأدوية إلى أن تجارة الدواء تُقدر بعشرات المليارات سنويًا، وأنه لا تأثير لها على سوق الدواء المصرية، مضيفًا أن صناعة الدواء هى صناعة ذات تقنية عالية وتتبع معايير جودة معينة في التصنيع مُنذ عام ٢٠٠٧، وأنها تتعامل مع مواد كيماوية وفقًا لمقاييس محددة حتى لا تضر بصحة المرضى.
وأوضح عوف: طرق العلاج بالأعشاب المتعارف عليها بين الجميع مثل استخدام الينسون وورق الجوافة وغيرها، تُعتبر أشياء صغيرة لا تضر ولا تشفع، ولكن عند التعامل مع الحالات المرضية الأخرى مثل السكر والكوليسترول والصرع وغيرها، لا بد أن يتدخل العلم حتى لا يلحق بالمريض كوارث أخرى.



مخاطر على الصحة العامة
ويقول محمد سعودى، عضو مجلس نقابة الصيادلة الأسبق، إن علاج كورونا بالأعشاب يأتى في إطار «الهوس الدوائى» المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وتستغل الثقافة الدوائية الضعيفة لدى كثير من المصريين.
وأوضح: «نصابى الأعشاب يستغلون حاجة الناس للشفاء والوقاية من بعض الأمراض للترويج لمنتجاتهم، ويزداد الأمر سوءًا في ظل غياب المسارات الطبيعية لاحتواء هذا الاحتياج، لكن يظل السؤال كيف أن بعض هؤلاء الأشخاص يعملون علنًا؟». ويُتابع سعودى: «التثقيف والتعليم هو السبيل الوحيد لمواجهة المشعوذين والنصابين، خاصة أن الثقافة الطبية والصحية غائبة وملوثة ومشوشة لدى الكثيرين، وهو ما يستغله تُجار الأعشاب، في ظل غياب الرقابة والفضاء الإلكترونى الواسع.
ورأى الدكتور محمد عز العرب، استشارى الكبد، أن ما يتم ترويجه عبر منصات التواصل الاجتماعي من أعشاب مركبة باعتبارها تحمى من كورونا وتعالج الفيروس يُعد نوعًا من «النصب والاحتيال». وطالب باتخاذ إجراءات قانونية خلف إعلانات الأعشاب وأصحابها، وتشديد عقوبة، بما يشمل القنوات الفضائية التى تذيع مواد إعلانية للأعشاب، بجانب تكثيف جهاز حماية المستهلك من رقابته لضبط المخالفين.
وأشار استشارى الكبد إلى عدم وجود علاج نوعى مُحدد حتى الآن للعلاج من فيروس «كوفيد-١٩». ويُكمل قائلًا: «بشكل عام فإن الأعشاب ليست آمنة على صحة مستخدميها، ونوافق فقط عليها إذا قُدمت بشكل صيدلانى فقط، بما يضمن للمستخدم المُنتج والتركيبة وتاريخى الإنتاج والصلاحية، وأن يكون لها دواعى استخدام مُحددة، لأن الأعشاب المتاحة في الشارع أغبها يحوى فطريات خطيرة كالأفلاتوكسن».



توارث شعبى
ويقول الدكتور محمد حسن خليل، خبير النظم الصحية، إن منظمة الصحة العالمية وضعت تعريفًا لماهية الدواء، وهو «كل مادة ثبت فاعليتها وثبت عدم ضررها من خلال تجربة علمية مُنضبطة». موضحًا أن العلاج بالأعشاب عبارة عن توارث شعبى لبعض الخبرات.
ويُتابع خليل: «بعض تلك الخبرات خرج منها أدوية، كنبات ست الحسن الذى اشتهر بأنه يقلل من المغص لاحتوائه على مادة الأتروبين التى استخلصت منه ودخلت في كثير من الاستخدامات الطبية لاحقًا، لكن الفارق بين اعتماد شخص على نبات ست الحسن وبين استخدامه لدواء الأتروبين، أنه في الحالة الأولى لا يمكن أن يُحدد الجرعة، وإذا ما كانت المادة الفعالة في النبات مُختلطة بمواد أخرى من عدمه، فضلًا عن عدم وجود تجربة علمية منضبطة على النبات، مؤكدا أن الترويج لعلاج كورونا بالأعشاب ما هو إلا نوع من بيع الوهم.
ويكمل خليل: «الأعشاب ليست طبا، وبعض الإعلانات عنها تروج لأنها حاصلة على تصريح من وزارة الصحة، لكن في الحقيقة هناك لبس في تلك النقطة، حيث إن التصريح يكون باعتباره مُكملا غذائيا وليس دواء.



ستار الدين والطب البديل
على الجانب الأخر، هناك استخدام مفرط من جانب عض العطارين والمعالجين بالأعشاب للدين كستار للنصب والتربح، بقولهم: «إن ما يقومون به ويصفونه للباحثين عن الشفاء هو الطب النبوى». كيف يسير الأمر، ماذا عن الخطأ، وماذا عن الصواب؟
ويرد الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، هناك خلط في أمور كثيرة، ومعنى الطب النبوى يرجع إلى الحالات التى وصف فيها الرسول، صلى الله عليه وسلم، بعض أنواع العلاج لأمراض معينة واستخدام الحجامة أيضا، وأن هناك من تحدث عن الطب النبوى مثل العلامة ابن القيم وله مؤلف صدر في هذا الشأن، وبالرغم من هذا فإن استخدام البعض لأمور الدين في العلاج تشوهه.
وأضاف الجندى: «أن يقول البعض إن هذا هو الطب النبوى الذى أُرسل عن الرسول فهذا كلام لا يصح أن يُعتمد عليه، لأن ما ورد عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، هى اجتهادات من واقع البيئة بالاعتماد على ما أشار إليه القرآن الكريم في بعض المواضع، لكنها ليست من قبيل التشريع».
ويؤكد الجندى، أن القاعدة التى وردت عن الرسول أنه قال «يا عباد الله تداووا فإن الذى خلق الداء خلق الدواء» وأيضًا «أنتم اعلم بأمور دنياكم» وهذا معناه أن الطب له رجاله والمتخصصون فيه وعلينا أن نرجع إلى هؤلاء المتخصصين، وأن التداوى بالأعشاب لا مانع منه في حالة أن نرجع إلى العلم والمتخصصين فيه لمعرفة خصائصه العلمية المختلفة وفوائده وآثاره.


أما عن مُسمى الطب البديل، فقال الدكتور محمد مخلوف، رئيس قسم الطب البديل بمجلس علماء ومبدعى مصر والعرب؛ «لو سألتنى مين شغال في الطب البديل وهو متخصص فيه في مصر حاليا، هقولك مفيش». موضحًا أن الموجودين حاليًا في الساحة إما غير متعلمين، أو خريجو دبلمات وصيدلة وسياحة وفنادق، وأنه رغم شبه انعدام الكليات والأقسام المتخصصة في هذا المجال بمصر، إلا أن قسم نباتات الزينة «الطبية». هو الأساس العلمى لهذا النوع من الطب.
وأوضح مخلوف: «هناك مراكز تدعى أنها متخصصة في تقديم دورات لتعليم الملتحقين بها العلاج بالأعشاب والطب البديل في ٣ أو ٦ أيام على أكثر تقدير، رغم أن المتخصص في النباتات الطبية يحصلون على الدكتوراة في عُشبة واحدة، تلك المراكز مسئولة عن فتح مجال للنصابين.
ويشير مخلوف إلى أن بعض الدول الكبرى يتوافر بها صيدليات آمنة، لبيع الأعشاب والمواد الطبيعية، ولكنه يتم تطبيق الرقابة الصحية والقانونية على تلك الأعشاب وتداولها بعد أن تتم تجربتها بكفاءة عالية من خلال المؤسسات الطبية المتخصصة، كما أن دولًا عربية كالسعودية مثلًا اعترفت بالطب البديل ولكن للمتخصصين فقط ومن لديه الخبرة الكافية للعمل به، وأن الصين برعت ف هذا النوع من الطب وفى العلاج بالإبر الصينية وأنتجت وطورت كاسات الحجامة.

فضائيات المُتاجرة بالمرض
الأغرب، أن النصب باسم العلاج بالأعشاب بأشكال وطرق مختلفة، ما زالا مستمرن ومنها بث بعض القنوات الفضائية برامج خاصة بالصحة لأشخاص ليس لهم علاقة بالطب وغير مؤهلين لعلاج المرضى، وصولًا بإعلانات لأعشاب وزيوت مجهولة المصدر، وهو ما وصفه أستاذ الإعلام حسن على محمد، رئيس جمعية حماية المشاهدين، إنها إعلانات للمتاجرة بحلم المريض في الشفاء، وأن الأدوية العشبية للجنس وأمراض الكبد والسكر التى تبثها الفضائيات ما هى إلا منتجات مغشوشة ومزيفة.