الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

إخوان السودان.. من تدمير الوطن إلى محاولة إفشال الثورة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حظى الإسلاميون السودانيون بفرصة لم تُتح لغيرهم فى الوطن العربى كله، حيث دانت لهم السودان لمدة ثلاثين عامًا، عبر حكمهم الطويل الذى تمكنوا فيه بالكامل من مفاصل الدولة السودانية، لكنهم سقطوا على المستوى الدينى والأخلاقى سقطة مدوية، عنوانها الأبرز ربما كان حجم الأموال «الكاش» من مختلف العملات العالمية، التى ضُبطت فى حوزة الرئيس المخلوع البشير. 
إنه السقوط الأخلاقى الأكبر للمشروع الإسلامى ليس فقط فى السودان وحده بل فى المنطقة العربية بالكامل، فالحلم بتطبيق الشريعة ووعود الإصلاح التى آتى بها البشير والإخوان المسلمون من ورائه ما لبثت أن تبخرت فى الهواء. ذهبت الوعود أدراج الرياح، ولم يبق للسودانيين إلا الفقر والعصا. 
«تجربة الإسلاميين هى جريمة بحق السودان والمنطقة بأسرها»، بهذه الكلمات يلخص صديق الهادى عقود حكم الإسلاميين الثلاثة للسودان. فمنذ حكَم الإسلاميون السودان، انفصل الجنوب عن الشمال، واشتعل الصراع المسلح فى دارفور (غرب) والنيل الأزرق وجنوب كردفان (جنوب). وأصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرتى توقيف بحق الرئيس عمر البشير بتهم ارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فى خطوة هى الأولى من نوعها ضد رئيس لا يزال على رأس مهامه. ناهيك عن التأزم السياسى والاقتصادى المتصاعد. «هذا فقط نموذج لما يرتكبه الإسلاميون فى السودان، باسم الإسلام» يقول الخبير السودانى صديق الهادي. 
مع تقدم مسار الثورة، من عثرات لنجاحات كأى مسار طبيعى تأخذه الثورات، خرجت مظاهرات هنا وهناك، تحرس الثورة وطريقها، لتذكِر الساسة بمن آتى بهم، وبما هم موجودون من أجله، تيار يرفض أن يُلتفَت على مطالب الثورة وما نادت به من حرية وسلام وعدالة وهى شعارات الثورة الخالدة. لكن فى المقابل ثمة تيار آخر يتظاهر هنا وهناك، وهو محسوب على الإخوان المسلمين، وعلى إسلاميى السودان بشكل عام. يحاول كما يرى نشطاء من الحراك ومحللين أن يُعِيد عقارب الساعة للوراء كمحاولة لإفشال الثورة.
الاتهام الأكبر الذى وجه للإسلاميين بشأن محاولتهم إفشال الثورة السودانية هو المساعدة فى فض اعتصام القيادة، والذى ما زالت التحقيقات تُجرى بشأنه إلى الآن، كما يُتهم الجهاز السرى للجبهة القومية الإسلامية، بأنه مارس العنف ضد الحراك الثورى السودانى فى محاولة لتطويقه، حيث قام مؤيدون للحركة بالاعتداء على المتظاهرين فى المواكب المختلفة اعتبارًا من مطلع العام الحالي، وذلك فى سيارات بدون أرقام ومارسوا اغتيالات منهجية ضد بعض الشباب من اليسار خصوصًا، كما اعتدوا على المعتصمين فى محيط القيادة العامة للجيش السودانى اعتبارًا من ليلة ٧ أبريل (نيسان) منطلقين من بناء تحت التأسيس يسمى مدينة البشير الطبية، وحتى سقوط البشير فى ١١ أبريل.
وظهرت مؤخرًا اتهامات لفصيل إسلامى داخل جهاز المخابرات لعصابات مسلحة فى الخرطوم بالتحرش بالنساء وشن هجمات على المدنيين لزرع عدم الثقة فى الحكومة الانتقالية، فيما بدأت تظهر فى بعض شوارع العاصمة السودانية مظاهر تفلتات أمنية محدودة مثل التحرش بفتيات والاعتداء على مدنيين فى وقت كشفت فيه الصحفية يسرا الباقر، فى تغريده على تويتر أن مصادر استخبارية أكدت لها وجود فصيل تابع للإسلاميين داخل جهاز المخابرات أجر عصابات من الشباب للاعتداء على المدنيين فى الشوارع والتحرش بالفتيات. وتهدف التحركات كما يرى محللون إلى زرع عدم الثقة فى الحكومة الانتقالية. 
تحالفٌ أسود كما يصفه السودانيون قام لثلاثة عقود بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية، وصل لتوغل الإسلاميون فى مفاصل المؤسسة العسكرية والمخابرات وغيرها من مؤسسات الدولة السودانية، لذا فما يطلق عليه الدولة العميقة فى السودان، هى فى الحقيقة دولة الإسلاميين، وهى الدولة التى ويا للمفارقة جاهر الإسلاميون خارج السودان بمحاولتها إفشالهم، ها هم فى السودان يستخدمونها لإفشال الثورة السودانية ومن آتت بهم.
لا يفهم إخوان السودان إذا وإلى اليوم، أن الحِراك الأخير فى سودان الثورة، هو حراك ضد الحكم الإسلامى للسودان، وأن التجربة تجاوزتهم، وأنه ليس ثمة دور يمكن أنه يلعبوه فى هذا التغيير، وبالتالى يلزمهم الصمت وتَركِ التجربة لفاعلين مدنيين آخرين، يمكنهم أن يصلوا بالسودان لنموذج آخر غير الذى وصل إليه بفعل الإسلاميين.
لكن المؤكد كما يقول المحللون أن إسلاميى السودان غير راضين تمامًا عن مسار السودان اليوم. ويرون فيما يجرى إقصاءً لهم من المشهد السياسي.
ثمة تحالف قائم اليوم ولا يخفى على أحد بين قطر والإسلاميين كما يرى كثير من نشطاء الحراك، والمتابعين للشأن السوداني، يهدف لعودة الإسلاميين والحفاظ على دور لهم فى المشهد السياسي، فقطر التى دعمت البشير ونظامه لسنوات باعتبارها محسوبًا على الإسلام السياسي. تحاول اليوم بهذا التحالف جاهدة إعادة العجلة إلى الوراء، وإن لم يكن عودة لنظام البشير، فعلى الأقل المحافظة على دور فاعل للإسلاميين فى سودان ما بعد الثورة.
قطر اليوم بالنسبة للإخوان المسلمين فى السودان هى أنبوبة الأكسجين، القادر الوحيد على إعادة الإخوان للحياة، فى السودان الذى لفظ شعبه الإسلاميين ومن يدعمهم.
لذا تحاول قطر اليوم العودة للسودان بكل ما أوتيت من قوة، وبكثير من الوسائل والطرق، فتبحث عن منفذ يتيح لها العودة مجددًا للساحة السودانية بعد توتر سابق مع المجلس العسكرى الانتقالى الذى قاد لفترة مرحلة انتقالية انتهت بحوار مع المعارضة الممثلة للحراك الشعبى وأفضى (الحوار) فى النهاية لاتفاق حول تقاسم السلطة نتج عنه تشكيل حكومة ومجلس سيادى لإدارة البلاد لعامين يعقبها انتخابات رئاسية.
وتوترت العلاقات بين الخرطوم والدوحة على إثر تحرك قطرى لإعادة ترتيب بيت إخوان السودان بالإشراف على اجتماعات مكثفة لتوحيد أحزاب سودانية لها خلفية إسلامية لإعادة إنتاج النظام السابق، الذى كان يتزعمه الرئيس المعزول عمر البشير ويقوده الإسلاميون. 
وتستمر المساعى القطرية للعودة للسودان، لتجد لها موطأ قدم فى سودان ما بعد البشير، وهو السودان الذى يرفض أى تدخلات فى شأنه الداخلي، من أى طرف كان، وفى هذا الصدد نجد تصريحات عديدة من النظام القطري، تدعم هذه المساعي، التى تواجه بشكوك سودانية ورفض متكرر، لإدراك السودانيين لطبيعة التدخل القطري، فقطر لم تتدخل لحماية الثورة كما يرى كثير من المشاركين فى الحراك، إنما تدخلت لحماية إسلاميى السودان، وترتيب بيتهم الداخلى لتجد لهم موطأ قدم فى النظام الجديد وفى السودان ما بعد البشير. 
وتسعى الدوحة كما يقول العديد من المحللين لاستعادة نفوذها المسلوب فى الخرطوم بعد تفكك النظام الإخوانى فى السودان مع سقوط نظام البشير. ولم تجد الدوحة من سبيل للعودة للساحة السودانية إلا بتطبيع العلاقات مع السلطة التى يقودها المجلس السيادى وحكومة عبدالله حمدوك من بوابة الدعم المالى والسياسى بعد فترة فتور فى العلاقات. وتوحيد أحزاب إسلامية موالية للبشير لإعادة إحياء المشروع الإخواني. ورعت قطر اتفاقية للسلام فى ١٤ يوليو/تموز ٢٠١١، ورفضته حركات التمرد الرئيسية فى إقليم دارفور المضطرب، بينما وقعت عليه الحكومة وحركة «التحرير والعدالة». كما تستثمر قطر ما قيمته ١.٥ مليار دولار فى السودان عبر ٤٠ مشروعًا زراعيًا وسياحيًا وعقاريًا، وفقًا لبيانات سودانية رسمية، وينظر سياسيون سودانيون للاستثمارات القطرية بريبة شديدة على خلفية دورها المشبوه فى دعم جماعات الإسلام السياسى وتأجيجها للأزمة السودانية بدعمها لأحزاب محسوبة على تيار الإخوان السوداني. يضاف لهذا اتهامات لقطر بالعمل على إسقاط حكومة «حمدوك»، التى لا تخدم المصالح القطرية كما يقول محللون. 
تأسيسيًا على ما سبق يبدو واضحًا أن الدور الذى يلعبه إخوان السودان اليوم، هو فى حقيقته محاولة لإفشال المسار الثورى الذى اتخذه السودانيون بثورتهم فى ١٩ ديسمبر ٢٠١٨، لكن فى المقابل يبدو واضحًا أن قطاعات كبيرة من الشعب السودانى وهى الداعمة للحراك، عازمة على القطيعة مع المؤسسة العسكرية التى يسيطر عليها الإسلاميون، وأيضًا على القطيعة مع الحركات الإسلامية التى لطالما دعمت البشير فى إفقاره للشعب السوداني.