الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

قواعد العراق تُنقذ بغداد من فخ إيران.. زيارة «شاناهان» تحبط مخطط الملالي لصناعة أزمة بين «بغداد وواشنطن».. قوات الأمن العراقية تنقذ قاعدة «عين الأسد» الجوية من هجمات صاروخية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أجهضت التصريحات، التى أطلقها رئيس الوزراء العراقي، عادل عبدالمهدي، لدى استقباله وزير الدفاع الأمريكى بالوكالة، باتريك شاناهان، فى ١٢ فبراير الجاري، التى أكد فيها رفض بلاده وجود أية قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، وهو مخطط إيرانى كان يستهدف تحويل بلاد الرافدين إلى ساحة مواجهة مفتوحة مع واشنطن، خاصة بعد تضييق الخناق على طهران وتحجيم نفوذها فى المنطقة، سواء عبر الغارات الإسرائيلية المتكررة على قواتها وميليشياتها فى سوريا، أو تراجع سيطرة المتمردين الحوثيين على الأرض، ورضوخهم للتفاوض مع الحكومة اليمنية، بعد تعرضهم لضربات مؤلمة على يد التحالف العربى بقيادة السعودية والإمارات.


وكانت طهران سارعت عبر أدواتها وميليشياتها فى العراق للاصطياد فى المياه العكرة، عبر التحريض على طرد القوات الأمريكية نهائيا من بلاد الرافدين، مستغلة تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى ٣ فبراير الجاري، عن نيته إبقاء الوجود العسكرى لبلاده فى العراق، من أجل مراقبة إيران، وهى التصريحات التى قوبلت باستياء واسع من قبل حكومة بغداد، لأنها تنتهك سيادة البلاد، وتتناقض مع الاتفاقية الأمنية الموقعة بين الدولتين فى ٢٠٠٨، التى نصت حينها على انسحاب ١٧٠ ألف جندى أمريكى قدموا إلى البلاد للإطاحة بنظام صدام حسين، وأن يبقى بعض الجنود الأمريكيين بعد الانسحاب فى ٢٠١١، من أجل تدريب القوات العراقية ومحاربة الإرهاب، مع التأكيد على عدم إقامة قواعد عسكرية أو التواجد العسكرى الدائم، أو استخدام أراضى العراق لتهديد دول أخرى.
وقبل أن تنجح إيران فى مخططها الهادف لطرد القوات الأمريكية، لزيادة نفوذها فى العراق، واستخدامه فى تصفية الحسابات مع الولايات المتحدة، سارع كبار المسئولين العراقيين للتنديد بتصريحات ترامب، مع التأكيد فى الوقت ذاته على أهمية استمرار واشنطن فى دعم البلاد فى مواجهة الإرهاب، فيما قام وزير الدفاع الأمريكى بالوكالة، باتريك شاناهان، فى ١٢ فبراير الجاري، بزيارة مفاجئة لبغداد، لاحتواء تداعيات تصريحات الرئيس الأمريكي.

ويبدو أن زيارة شاناهان كللت بالنجاح فى تهدئة التوتر بين الدولتين، خاصة فى ظل تأكيده دعم الولايات المتحدة للعراق كدولة مستقلة ذات سيادة قادرة على الدفاع عن نفسها، فيما بعث رئيس الوزراء العراقى برسالة تحذير واضحة لكل من طهران وواشنطن على حد سواء، من أن بلاده لن تتحول إلى ساحة حرب بالوكالة بينهما، أو إعطاء الذرائع لأى منهما لتحقيق مكاسب على حساب سلامة ووحدة الأراضى العراقية.
وكان عبد المهدى شدد خلال لقائه شاناهان، على أن «القرار العراقى مستقل ولا يتأثر بأى نفوذ وإملاءات من أى طرف»، حسبما جاء فى بيان نشره مكتب رئيس الوزراء العراقي، مشيرا إلى أهمية تقيد الدولتين «بالاتفاقات الأساسية وهى محاربة الإرهاب وتدريب القوات العراقية، ولا شيء آخر».
وأكد عبد المهدى «عدم قبول أية قواعد أجنبية على الأراضى العراقية»، كما أكد فى الوقت ذاته، حرص العراق على العلاقات مع الولايات المتحدة، التى تساعد البلاد فى محاربة الإرهاب وداعش»، فيما أشار شاناهان إلى أن مهمة القوات الأمريكية تتمثل بمحاربة «داعش» والتدريب الذى تحتاج إليه القوات العراقية، وأن بلاده تدعم العراق كدولة مستقلة.

وبالنظر إلى أن طهران كانت بدأت بالفعل فى التحرك لإشعال الأوضاع فى العراق بعد تصريحات ترامب، وأوعزت للأحزاب والقوى السياسية الشيعية الموالية لها بتقديم مشروع قرار فى البرلمان العراقى يدعو إلى انسحاب تام ونهائى للقوات الأمريكية، فإنها سرعان ما تلقت صفعة قوية بعد زيارة شاناهان المفاجئة لبغداد.
ولعل ما ضاعف من صدمة إيران، أن قوات الأمن العراقية أحبطت أيضا محاولة إطلاق صواريخ، كانت موجهة نحو قاعدة «عين الأسد» الجوية فى محافظة الأنبار فى غرب البلاد، التى تتمركز فيها قوات أمريكية، وزارها ترامب فى أواخر ديسمبر ٢٠١٨.
وكان مركز الإعلام الأمنى التابع لوزارة الداخلية العراقية، أفاد فى ٢ فبراير، بضبط ثلاثة صواريخ كانت موجهة نحو قاعدة «عين الأسد»، وأضاف المركز فى بيان نشرته وسائل الإعلام العراقية، إن القوات العراقية ضبطت ثلاثة صواريخ من نوع جراد تعمل بواسطة جهاز توقيت إلكتروني، فى تلال منطقة «الدولاب» فى الأنبار، كانت موجهة نحو قاعدة عين الأسد، مشيرا إلى أنه تم إيقاف التوقيت قبل ١٥ دقيقة من انطلاق الصواريخ، هذا فيما تداولت بعض وسائل الإعلام العراقية أن الميليشيات الموالية لإيران هى من تقف وراء هذا الأمر.

ويبدو أن محاولة إطلاق الصواريخ كان البداية لاستفزاز القوات الأمريكية ودفعها للانتقام، الأمر الذى كان سيدخل العراق فى أتون مواجهة مفتوحة بين طهران وواشنطن على أراضيه، بعيدا عن محاربة داعش، بل إنه قد يتم أيضا توظيف داعش فى هذه المواجهة، وبالتالى مساعدة التنظيم على العودة مجددا.
وبإلقاء نظرة على تصريحات عدد من حلفاء إيران فى العراق، يتكشف أيضا أن طهران كانت قد أعدت العدة لاستفزاز القوات الأمريكية، ففى ٤ فبراير، قال قيس الخزعلي، الأمين العام لميليشيا «عصائب أهل الحق» المنضوية فى قوات «الحشد الشعبي» الموالية لطهران، إنه بامكان الأجهزة العسكرية العراقية أن تخرج القوات الأمريكية بـ«ليلة ظلماء»، حسب تعبيره.
وأضاف الخزعلى فى تصريحات لقناة «السومرية» العراقية، أن «لدى العراق برلمان يستطيع أن يتخذ القرار المناسب بشأن التواجد الأمريكى فى البلاد، ولدى العراق أيضا مؤسسات عسكرية من جيش وشرطة وحشد وجهاز مكافحة الإرهاب، تستطيع أن تخرج القوات الأمريكية فى ليلة ظلماء، سواء كان عدد تلك القوات خمسة أو سبعة أو حتى لو كانت تسعة آلاف جندي»، مشيرا إلى أن تصريحات ترامب تكشف حقيقة المشروع الأمريكى فى العراق بأنه يستهدف دول الجوار، بينما يمنع الدستور العراقى استهداف دول الجوار، على حد قوله.


ومن جانبه، طالب حسن سالم، النائب عن تحالف الفتح الذى يضم فصائل الحشد الشعبي، فى بيان، البرلمان العراقى بـ «الإسراع بتشريع قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق»، مضيفا «لن نسمح لأمريكا باستخدام العراق لمراقبة أو مهاجمة دول الجوار».
وجاءت تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمى فى ٤ فبراير الجاري، لتكشف أيضا أبعاد المخطط الإيراني، إذ قال: «ما كان من المفروض أن يذهب الأمريكيون إلى العراق»، مضيفا «بقاؤهم فى هذه الدولة المستقلة خطأ استراتيجى وقانوني»، حسب زعمه.
ويبدو أن المسئولين العراقيين أدركوا سريعا أن البلاد تنزلق إلى الهاوية فى ظل التصعيد من جانب إيران وحلفائها، ولذا فوتوا الفرصة على ذرائعهم، إذ أعرب الرئيس العراقى برهم صالح، عن استغرابه من تصريحات ترامب، مشيرا إلى أن العراق ينتظر توضيحا من واشنطن بشأن أعداد القوات الأمريكية ومهمتها.
ونقلت وسائل الإعلام العراقية عن صالح، قوله: «لا يحق للقوات الأمريكية فى العراق التصرف بأى أمر سوى بالاتفاقية الموقعة بين البلدين، العراق لا يريد أن يكون طرفا أو محور صراع بين الدول المتعددة».

وبدوره، قال رئيس مجلس النواب العراقى محمد الحلبوسي، إن العراق ما زال يحتاج إلى جهود المجتمع الدولى فى مكافحة الاٍرهاب، وذلك فى رفض ضمنى لدعوات الأحزاب الموالية لإيران لإلغاء الاتفاقية الأمنية مع واشنطن.
ويبقى أمر يضعف حجج الداعين لطرد القوات الأمريكية، وهو وجود مستشارين عسكريين إيرانيين فى العراق، وتسليح طهران أيضا للميليشيات المنضوية فى الحشد الشعبي، ولذا، فإنه يجب عليهم أيضا دعوة طهران للامتناع عن التدخل فى شئون العراق، واحترام سيادته.