الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إسرائيل وعشة الفراخ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الإعلام دائمًا ما يكون أقوى أسلحة الدول أو تكون إمّا موجهة نحو عدوها، أو موجهة نحو نفسها. يتعلق الأمر بقانطى تلك البلاد، ليس فقط لفكرهم بشكل عام، بل نفسيتهم ومدى استعدادهم للتدمير الذاتي. منذ 45 عامًا، كان يحتفل المصريون جميعًا بذلك الانتصار الساحق الذى كان يُعدّ بمثابة معجزة حلّت من السماء ولا يعرف أحد كيف تمت حقًا. منذ ذلك الحين، وأوجه البلاد وقانطيها تتبدّل بطبيعة الحال، كما طرأت التغييرات على الكثير غيرها من المجتمعات، خاصةً بعد أن أصبح مجتمعنا المغلق تحت تأثير العولمة التى بدأت فى مصر مع بداية الألفية الجديدة.
لم ينس الناس أبدًا نصر أكتوبر، وكذلك لم ينسوا أن العدو ما زال فى الجوار، وأن بإمكانه الفتك بنا إذا تهاونا فى حماية أنفسنا فى أى لحظة. عدو خسيس كما يصفه العامة. هنالك تبدلات تحدث للمجتمعات لكنّها تكون مقبولة إذا نظرنا للصورة بحجمها الكامل بدون اقتصاص قطعة وترك أخرى، أمّا ذلك التحوّل السريع وغير المبرر الذى طرأ على السينما المصرية، يحتاج وقفة لا تتعدى دقيقة واحدة.
مع بداية الألفية الجديدة ونشأة جيل كامل على غزو العراق وصورة محمد الدرّة والطموح إلى المسجد الأقصى، وأحداث الحادى عشر من سبتمبر وتحوّل وجه العالم إلى الشرق الأوسط كمصدر للرعب للعالم السالم المسالم الذى كانوا يعيشون قبل ذلك، وأوبريت الضمير العربي، كان فى نفس الوقت تساند السينما المصرية العظيمة ذلك الوعى العاطفى الذى يتشارك فيه أبناء الشعب ببث الأعمال التى تتناول قضيّة وجود عدّو بشكل أو بآخر، سواء على شكل أفلام درامية كما ظهر فى فيلم «العاصفة 2000»، والذى تناول حرب الخليج وتأثير القوى العظمى فى جعل العرب، الأخوة، يقاتلون بعضهم بعضا، أو فى عام 2001 فيلم «أمير الظلام» لعادل إمام الذى قام بدور طيّار فقد بصره فى حرب أكتوبر، وقام فى نهاية الفيلم بمقاومة محاولة أجنبية لاغتيال رئيس زائر على أرض مصر... أفلام الأكشن كذلك كان لابد وأن تتناول تلك المعضلة، كما فى فيلم «مافيا» عام 2002، «فتح عينيك» 2005، «الرهينة» 2006، «ليلة البيبى دول» 2008، «ولاد العم» 2009. أما الأفلام الكوميدية فيلم تتنحى عن ذلك الدور التراجيدى، والذى يجب أن يتواجد بعد الكثير من الضحك ليذكّرنا ألا ننسى أن هنالك ملّفًا لا يزال مفتوحًا وإذا نسيناه ضاع كل شيء، كما فى فيلم «السفارة فى العمارة» 2005، «ليلة سقوط بغداد» 2005، «عندليب الدقى» 2008، وغيرها الكثير من الأفلام. لا أذكر أنّه قد مرّ عام واحد على السينما المصريّة منذ أوائل هذا القرن بل ونهاية القرن الماضى كما فى فيلم «صعيدى فى الجامعة الأمريكية» عام 1998 أو فيلم «الآخر» عام 1999، إلّا وظهرت رسالة تذكير دائمة بأن هناك عدّو يقتل أهلنا وينعم بجانبنا، وبأن الدور علينا قادم، حتّى ولو بمشهد واحد فى فيلم لا علاقة لأحداثه بالقضية نفسها. أمّا الآن، فقد أرهقت نفسى بحثًا عن ذلك المشهد ها هنا أو هناك، عن جملة واحدة أو كلمة منذ 2010 وحتّى يومنا هذا لتذكرّنا بأى قضيّة تبنيناها ذات يوم، فلم أجد. هل مات الضمير العربي، أم أن جميعنا أصبحنا أمواتًا، فى انتظار مراسم الدفن لا أكثر؟
الفن لم يخلق ليعلم الناس الأفكار أو يبثّها، بل هو مرآة لنفسية المجتمع وكل ما يطمح إليه. الفن صورة عالية الجودة لعقليتك، كيف تفكر وماذا تريد؟، نقاط ضعفك وقوتك، مدى انحطاطك وعلو شأنك، أنت، والشارع الذى تمشى فيه والناس الذين تلقى عليهم السلام. الفن ليس الهدف منه أن يعلمنى كيف يجب أن أفكر، بل وظيفته أن يعرّينى تمامًا أمام نفسي، وأمام العالم كلّه، ويزيل عنى كل ما أتزين به من كذب ونفاق وادعاءات، لذلك هو دائمًا مصدر ازعاج تمامًا فى بلاد العالم الأخير، لأننا كائنات تعيش وتتغذى على الوهم، ونكره كل من يحاول مصارحتنا بالحقيقة. 
الأجيال التى وُلدت منذ عام 2010، لن تعرف شيئًا عن تلك القضيّة البالية، لن ترى علمًا عدوًا فى مشهد وسط الفيلم الكوميدى الترفيهى الذى يشاهدونه أيام الدراسة. هذا الجيل الجديد لن يعرف شيئًا عن امتلاك المرء لقضيّة ما يستعد للدفاع عنها بروحه. تلك الظاهرة تعنى أن إسرائيل لم تعد عدّوًا، لكنها لا يمكن أن تكون حليفًا كذلك، مما لا يضع مجالًا للشك بأنها تملّكت مفتاح «عشة الفراخ» التى تحتوينا، وبأن ما تبدّل فى الوضع كلّه هو أن الفراخ والديك جميعهم قد استسلموا أخيرًا للباب الذى أغلق عليهم وتوقفت صيحاتهم الفارغة، وانتهى الذعر الذى تملكهم واستبدلوا مشاعر الخوف بالتفرغ الكامل لقضاء عملية التناسل، لأنهم فطنوا إلى أنه «مفيش فايدة» فى جميع الأحوال! 
كل عام وأنتم بخير!