الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الانتصار بعيون ألمانية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يرد المستشار الألمانى ويلى براندت حينذاك أن يتدخل فى الحرب بين الدول العربية وإسرائيل، ولم يرد أيضًا التعليق على انتصار مصر وحلفائها العرب على إسرائيل واكتفى بالإعلان بأنه فى إجازة يقضيها فى فرنسا بالريفييرا La croix valmer 


حسب الكتاب الصادر عن حياة ويلى براندت فهناك ثلاثة عوامل حالت دون تدخله فى هذه الحرب: 
أولها: لم يرد علاقة قوية تربط بين ألمانيا الاتحادية وإسرائيل 
ثانيها: لم يرد التدخل فى مشاكل الشرق الأوسط وحروبها 
ثالثها: إنه كان يرى إسرائيل بأنها سبب المشكلة ما بينها وبين العرب 
يقول بعض السياسيين إن موقف ألمانيا كان غير حيادي فى حرب إسرائيل والدول العربية، وإن المساعدات التى كانت تُقدم لدولة إسرائيل من ألمانيا أكثر وأكبر بكثير من المُعلن عنه والتى تنشر فى الرأى العام، ولكن أراد براندت عدم خسارته العرب المصدرين له النفط.


وضد ما يقال أعلن براندت ذات يوم أمام البرلمان الألمانى، أن مشكلة الشرق الأوسط يجب أن تُحل، ومن ضمن هذه المشكلة مشكلة فلسطين، فمن حق الشعب الفلسطينى أن يكون لهم وطن ولكن.. ليس بالضرورة أن يكون الوطن فى الأرض التى عليها نزاع بينهم وبين إسرائيل، وحق الإسرائيلين يجب أن يكون محفوظًا أيضًا.
ورفض براندت الإتهامات الموجهة له بعد حرب أكتوبر بعدم مشاركته فى قضية السلام للشرق الأوسط التى اتهمه بها الإعلام وقال إنه لم يرد التدخل أكثر من ذلك فى مشاكل الشرق الأوسط ولكن إذا كان خُير ما بين مساعدة الدول العربية وما بين إسرائيل لاختار مساعدة إسرائيل.
ألمانيا ترفض التورط فى الجسر الجوى
وجاء بعدها أيضًا الاتهام لألمانيا بأنها ساعدت إسرائيل فى السماح للولايات المتحدة الأمريكية بسحب بعض أسلحتها من الأراضى الألمانية وإرسالها إلى إسرائيل من مدينة بون الألمانية وكانت هذه هى الخلفية الدرامية الألمانية الأمريكية الإسرائيلية التى جعلت الاتحاد السوفيتى يهدد بالتدخل العسكرى لصالح حلفائه العرب.
ورفض أيضًا براندت هذا الاتهام له ولبلاده لأنه يعد خرقا للقانون الألمانى الذى ينص علي: عدم تزويد ألمانيا أى دول مشاركة فى حرب بأسلحة من على أرضها. 
ونفى ويلى براندت تمامًا هذا الاتهام عنه وعن ألمانيا الاتحادية. 
كما جاء قلق وزير الدفاع الألمانى آنذاك (هيلموت شميت) ووصفه للحرب بين إسرائيل والعرب بأنها حرجة للغاية، وقال للأمريكيين وقتها إنهم لن يستطيعوا الزج بالألمان للحرب ضد الدول العربية، وإنهم شركاء الدول العربية فى مسألة النفط وهم غير مستعدين ولا يريدون معاداة العرب من أجل اسرائيل وأمريكا. 
وبالرغم من أن الإعلام أثبت أن المساعدات الأمريكية التى قام بها ريتشارد نيكسون وهى بمثابة إمدادات عسكرية حيوية عبر جزر الأزور البرتغالية بمساعدة أيادى ألمانيا وقال البعض إن هذا يفسر الموقف الحيادى الذى يقفه ويلى براندت تجاه الحرب بين العرب وإسرائيل.
وتفاجأت ألمانيا وجميع الدول الأوروبية بالنصر الذى حققته مصر وسوريا يوم السادس من أكتوبر على دولة إسرائيل اليهودية وبهذا هددت إسرائيل بالإندثار، وقال الإعلام الألمانى عن هذا الانتصار إنه يعد بمثابة محرقة اليهود الثالثة فى القرن العشرين.
فكان فقدان المواد والأشخاص بالنسبة لليهود كبير جدًا وهذا ما جعل الولايات المتحدة تقوم بتزويد إسرائيل بالمواد والذخائر بعد الأسبوع الأول للحرب.
فى ١٦ أكتوبر ١٩٧٣ قررت الدول المصدرة للنفط (أوبك) خفض إنتاجها وفرضوا حظر النفط على الولايات المتحدة الأمريكية والمقرضين للسلاح لإسرائيل وكان هذا بمثابة ضربة قوية على رأس أمريكا وحلفاء إسرائيل. 
عانت ألمانيا فترة كبيرة بهذا القرار وعانت من قلة النفط وارتفاع سعر الوقود على أراضيها، وحاز خبر النفط العربى العديد والعديد من مانشتات الصحف التى حالت بدورها من الاهتمام بالحرب بين إسرائيل والعرب وبدأ الإهتمام بأخبار النفط العربى وزيادة سعر الوقود يغزو الصحافة الألمانية والأوروبية أيضًا.
وأطلت بعض الصحف الألمانية على مواطنيها لمانشيتات يغاير بعضها الواقع على سبيل المثال: 
يوم ٩ أكتوبر ١٩٧٣ أى بعد النصر المصرى الساحق على إسرائيل واقتحام خط بارليف، كان العنوان الرئيسى هو: «الإسرائيليون يتقدمون إلى الأمام.. جسور السويس تدمرت وتم اختراق سوريا وقنص تسعين آلة حربية... ولكن العرب أيضًا يسجلون نجاحات».
ويوم العاشر من أكتوبر كان المانشيت الرئيسى بجريدة (بيلد) الألمانية: «قنابل على دمشق.. إسرائيل تحارب الآن ضد ثمانى دول».
ويوم ١٦ من أكتوبر كُتب ما يلي: 

تطور درامى - أزمة عالمية 
نيكسون: سنقوم بإرسال فرق عسكرية إذا أُضطررنا لذلك..
الروس: سنقوم بمساعدة العرب بأى شكل من الأشكال 
وفى نفس اليوم خرج مانشيت صحفى وكان مغاييرًا تمامًا للواقع على أرض الحرب:
تحول فى الحرب: إسرائيليون ينزلون بمصر.. «رسالة مدهشة من جولدا مائير أمام البرلمان».
والتزم ويلى براندت الصمت حيال الواقع على أرض المعركة وبدأ ينشغل ويشغل الرأى العام ببلاده بمشكلة النفط وتأثيره على الشارع الألمانى ولكن المقربين منه قالوا: لقد كان براندت واثقًا من أن إسرائيل هى السبب الرئيسى فى هذه الحرب، ولكن موقف ألمانيا تجاه العنصرية الألمانية القديمة وضحايا النازية ودفع الكثير والكثير من التعويضات للمتضررين من المحارق النازية حالت دون خروج براندت بتصريحات من شأنها أن تدين إسرائيل. 
مائير تحاول تجنب الحرب
وأثبتت مصادر سرية بعد ذلك أن جولدا مائير طلبت التحدث مع ويلى براندت قبل حرب أكتوبر بثلاثة أشهر وكانت المقابلة تنصب على رغبة مائير بدء مفاوضات مع الرئيس الأسبق السادات لتفادى الحرب، وطلبت من براندت أن تظل هذه المحادثات سواء محادثاتها معه، أو محادثته مع السادات لاحقًا تكون فى نطاق السرية التامة وبدون علم الولايات المتحدة على الإطلاق.
وطلبت مائير بأن يسافر ويلى براندت إلى القاهرة ويقوم بمقابلة السادات وإبلاغه استعدادها لإعادة سيناء إلى مصر بشرط عدم العودة لحدود ١٩٦٧. 
لكن لم يلق هذا العرض القبول لدى براندت والذى قرر عدم الذهاب بنفسه للقاهرة لمقابلة السادات ولكنه كلف مساعد وزير خارجيته آنذاك وطلب منه السفر إلى القاهرة وتبليغ السادات بذلك.
قام مساعد الخارجية الألمانية بمقابلة المستشار حافظ إسماعيل وأبلغه الرسالة، وقام إسماعيل بدوره بإرسال رفض السادات هذا العرض تمامًا واستمر فى الإعداد للحرب. 
قام بعض المحللين السياسيين الألمان بعد انتهاء الحرب بتحليل سبب إنتصار مصر وحلفائها العرب على إسرائيل وتحطيم خط بارليف. وقالوا إن التخطيط الإستراتيجى للسادات وذكاءه بالهجوم يوم عيد الغفران الإسرائيلى كان من أهم العوامل التى أدت لفوز العرب. وأيضًا العزيمة التى كانت أهم الأسباب حيث أراد العرب استرداد شرفهم الذى فقدوه بهزيمة ١٩٦٧. وبالمقولة المشهورة لويلى براندت والتى قالها لجولدا مائير قبل حرب أكتوبر (نحن نريد علاقات قوية مع جميع دول المنطقة ونريد السلام لwلشرق الأوسط، ومن جانبنا سنقوم بزيادة التدخل فى المجتمع الدولى لإيجاد معاهدة سلام بين الدول العربية وإسرائيل). 
فانهزمت مائير وفهمت أنها لن تنجح فى إدماج دولة ألمانيا الاتحادية فى الحرب ضد العرب. 
وجاءت معاهدة السلام والتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد عام ١٩٧٩ بقرار رقم ٢٤٢ لمجلس الأمن بمثابة رفع الحرج عن الدولة التى قامت بدور المحايد وأيقنت من داخلها أن دولة إسرائيل هى السبب الرئيسى فى تلك الحرب، ولكن مسح وجه دولة ألمانيا الاتحادية لما فعله النازيون باليهود حال دون الاعتراف بذاك والاكتفاء بدور المحايد فى هذه الحرب.