سادت حالة من الحزن على الأوساط الأدبية والثقافية بالأقصر، حزنا على وفاة الشاعر الكبير محمد خربوش أحد أمراء فن الواو، وابن مدينة قوص الذي صال وجال في طول البلاد وعرضها، وملأ الحياة إبداعًا وفنا وأملا، وغيبه الموت عن عمر ناهز الـ 70 عامًا في نفس يوم ذكرى حرب العاشر من رمضان التي شارك فيها عام 1973 لتضج وسائل التواصل الاجتماعي بنعي شاعر الواو الذي يعد ضمن قلائل لا يتجاوزن أصابع اليد الواحدة من أعمدة هذا النوع الشعري أمثال عبدالستار سليم وعادل صابر وبهجت الخطيب وعبدو الشنهوري، والذي لا يوجد في كل الوطن العربي وحتى في مصر، سوى فقط في محافظة قنا وصدرها "خربوش" إلى محافظة الأقصر.
ولد محمد الأمين الشاذلي خربوش في 10 ديسمبر عام 1946، في قرية الكلالسة بمركز قوص بمحافظة قنا، عام 1946، وعمل مفتش تأمينات اجتماعية وأحيل للمعاش عام 2006 وكان أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة 1973، حيث شارك في الحرب كجندي وهو أحد أشهر شعراء فن الواو، وعضو اتحاد كتاب مصر، ورئيس نادي الأدب الأسبق بقصر ثقافة قوص جنوبي قنا.
كما ترأس مجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع بالكلالسه ـ قوص، وأصدر كتب "خرابيش خربوش" شعر من فن الواو 2006، "شكوك في حيطان الحلم" 2007 و"المحاسة" وكتب عدة أشعار عن الحرب وعدة دواوين في فن الواو، حتى لقب بشاعر الواو والبندقية وكتبت عنه العديد من الصحف، كما حضر العديد من الندوات والأمسيات الشعرية في مصر وفى الصعيد، تم تكريمه أكثر من مرة في قصور الثقافة والهيئات الأدبية في قنا وقوص، والقاهرة.
وبرع "خربوش" في فن الواو الذي يعد واحد من الأنواع الشعرية غير المألوفة في الشعر العربي فصيحًا كان أم عاميًا، حيث تنفرد محافظتي الأقصر وقنا بقول هذا النوع من الشعر دون محافظات مصر كلها، فالواو فن شعبي في صعيد مصر وهو فن شفاهي غير مدون في أغلبه وعادة ما يكون قائلوه مجهولين، وأصبح محمد خربوش عَلَمٌ من أعلام هذا الفن وأحد رواد هذا النوع الشعري الذي لا يعرفه شعراء العربية سواء الذين يكتبون الفصحى أو الذين يقرضون الشعر الشعبي.
وكان الشاعر الكبير يعرف "فن الواو بأنه شعر شفاهي غير مدون في أغلبه يعتمد اللغة الشعبية وسيلة لتشكيل القصيدة منسجمًا مع إيقاع موسيقي محدد، كما يعتمد نظام الشطرات الأربع التي تكون بيتين شعريين ولها نسق موسيقي خاص وبشرط أن تتحد الشطرتان الأولى والثالثة في نفس القافية والشطرتان الثانية والرابعة في نفس القافية المغايرة لسابقتها.
كما يعتمد هذا الفن على التجنيس المغرق في التعمية والغموض، لافتا إلى أن أصل هذا الشعر يعود إلى «احمد بن عروس» من عهد المماليك الذي قاله في تلك الفترة لأسباب سيكون معظمها سياسيًا خاصة إذا علمنا أن هذا النوع الشعري الجديد يُطلق عليه شعر «الواو» وازدهر فن الواو في عصر المماليك والأتراك وكان كثيرا ما يلجأ إلى التورية والكلام الغامض والمقنّع حتى يستطيع يمرر أغراضه السرية ويفلت من الرقابة الرسمية ليكون قريبًا من العامة لتحقيق أهدافه.
وقال خربوش خلال لقاء سابق، أن هذا النوع سمي بشعر «الواو» لأن حرف الواو في العربية هو حرف (ملتوي) وهذا الالتواء الحقيقي للحرف صار مجازًا في التعبير الشعري، بحيث يستطيع الشاعر أن يقول في الحاكم ما يشاء ؛ بمعنى يُطلق السهم ولا يُعرف راميه بالأدوات الخاصة به، فكان بن عروس أول من ابتكر هذا النوع الشعري «الملتوي» الأغراض شفاهًا حتى صار بين العامة هو الموئل الأول لرصد الساسة المماليك في ذلك الوقت ومن ثم شاع ووصل إلى هذا العصر وما زلنا نتقفي أثره كي لا يضيع أو يموت، وسمي بهذا الاسم أيضًا لأن الراوي كان يبدأ الرواية بقوله «وقال الشاعر» وتكثر واوات العطف هذه فأصبحت لازمة لابد أن تقال وعليه أخذت له هذه التسمية.
وإثر انتشار خبر وفاة شاعر الواو، نعى رواد صفحات التواصل الاجتماعي بالأقصر الشاعر الكبير خاصة وأنه كان دائم التواجد والمشاركة في الندوات والأمسيات الشعرية التي تقام في المكتبات والفعاليات الثقافية التي ينظمها فرع ثقافة الأقصر.
وقال الشاعر فضل محمد إبراهيم، أنه بوفاة محمد خربوش فقد سقط أحد أعمدة خيمة الواو في مصر، لم أصدق الخبر في البداية من هول الصدمة، وفداحة المفاجأة لأنه كان لسه مكلمني من يومين، قالللي أنا جي مصر تاني.. عشان الثقافة هتكرمني مع مجموعة من شعراء قنا في وكالة بازرعة في القاهرة الفاطمية.. عزاؤنا أنك رحلت في شهر كريم وداعا أيها الفارس النبيل الذي حلمت معه بإقامة أول مؤتمر لفن الواو في مصر والعالم العربي وحين اقتربنا من تحقيقه ووضع اللمسات الأولى فيه والخطوط العريضة له آثر أن يكون في العالم الآخر، مشاركا لنا بروحه الطيبة الطاهرة، لا بمربعاته وحضوره الطاغي وابتسامته المرحبة التي تحتضن الجميع.. ربنا يرحمه ويعوضنا فيه عوض الصابرين المحتسبين".
ونعى علاء عبد الهادي، منسق اتحاد معلمي الأقصر وفاة شاعر الواو قائلا "خسارتنا فيه كبيرة، آخر مرة كلمني، منتصف الشهر الجاري قبل حلول شهر رمضان وسأل عليا مكنتش فاكر إنها آخر رسالة.. بقا كنت بتودعني وأنا مش واخد بالي يا خال.. ألف رحمة ونور تنزل علي روحك الطاهرة في الأيام المباركة دي يا خال خربوش".
