الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

سامي عياد يكتب.. مُحَافِظٌ لِيبْرَالِي.. "الخِدْعَةُ الكُبْرَى"

سامى عياد
سامى عياد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل يُوجدُ عِلْمِيًَا وتَرْبَوِيًَا مِثْلَ هَذَا التَصْنِيِفُ؟! إنها حبوبُ المُخَدِر التى أدْمَنَاهَا للهِرِوبِ من تحدياتِ مواجهةِ واقعنا وتغيير حياتنا للأفضل. «أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ». 
فى نظريات التعليم ومناهج العلوم المختلفة، لا تُوجدَ هذه البِدْعَةُ التى اخْتَرَعْنَاهَا وصَدقْنَاهَا دُونَ غَيِرَنِا من الشعوبِ. هى مُجَرد أسَالِيب تَفْكِيرٍ وهى نِسْبِيَّةٌ تمامًا. فمَنْ يَظُنَّ أنَّه مُحَافِظٌ يُمْكِنَ أنْ يَكُونَ لِيبْرَالِيًا فى مُقَارَنَةٍ بآخَرِ. والعَكسُ صَحِيحٌ.
يُوجدُ فقط أصُولِيٌ، مَن قَررَ بمَحْضِ إرَادَتِه الهرُوبَ من مُواجَهِةِ تَحَدِيَاتٍ الحياةِ بكلِ جَوَانِبها، الروحيةِ، النفسيةِ، الفكريةِ، والاجتماعيةِ، والتَحَصُنِ ببَوتَقةِ الماضى بكلِ ما فيه من تَحَجُرِ وتَخَلُّفِ عن رَكْبِ الحضارةِ والفكرِ العالمي. وتَقَدُمِيٌ، مَن قَرَرَ بشجاعةٍ أنْ يفتح بواباتِ الحياةِ على مصراعيها ليتلقى النورَ من حيث يأتى أي كان مصدره. فى اِخْتِيَارِ سجنْ الماضي، تحت أى مسمي، أمانٌ فى الاختباءِ فى القاربِ الصغيرِ الذى يَرّْتَكَنَ فى المِياهِ الضَحلَةِ على شاطئِ الحياةِ. 
وفى اِخْتِيَارِ الانفتاح على العَالمِ، مخاطرةٌ وقرارٌ إراديٌ بِجَعْلِ النفسِ مَكَشوفةً لقوى الحياةِ المُغِّيِرةِ، فى اختيارِ الأصُوليِّة منهجًا للحياةِ نَحْرِمُ أنفسَنَا من كلِ نورِ جديدِ يُشْرِقُ به اللهُ بروحهِ فى عقلِ الإنسانِ الجمعيِ وقلبِ الإنسانِ النابضِ بالحياةِ، «تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْض». وفى الانفتاحِ على العالم حقٌ وجمالٌ وخيرٌ جديدٌ من الذى وَعَدَ أنْ يكون لنا حياةٌ ويكون لنا أفضل.
لو قَرَرَ أرسطو يومًا أنَّ مثاليةَ أفلاطون هى نهايةِ الفكر لَحُرِمَ العالمُ من إبداعاتٍ ليس لها حدود، فى كل العلومِ بما فى ذلك اللاهوت. ولو قَبِلَ ديكارت طرُوحَاتِ مَنْ سَبَقُوه خَوفًَا من التفكير والتَشَكُكِ والتَحَيّرِ لانْحَرَمَ العَالَمُ كُلَه من ثَوْرَةِ الحَدَاثَةِ بكلِ ما حَمَلَتْ من علومٍ وإبداعاتٍ لا تُوصفْ. وكانط وهيجل وغيرهم.
ولو أنَّ نيوتن تَوَقَفَ يومًا عن الحيرةِ والبحثِ ما كانَ لسِقُوطِ تُفَاحَةٍ عليه أيَ أَثرٍ وما كانتْ الجاذبيةِ.
ولو أنَّ أينشتين ارّْتَكَنَ الى ما وَصَلَ إليه نيوتن ما كانتْ النسبيةُ.
أنَّ زويل قَبِلَ بالشكرِ والعرفانِ والإذعانِ ما تَلَقَاه من الأولين لما كَانَ الفمتوثانية بكل ما صنعت فى العالم الحديث، وبخاصة فى الطب. ولو قَبِلَ المسيحُ فَهم الكتبةِ والفريسيين للناموسِ ما كان إبداعُ تعاليمِه على الجيلِ، والتى أَظْهَرَتْ جُمْلَتُه الشَهَيِرةِ «قِيِلَ لَكم... أَمَا أنَا فأقُولُ» هذه النَقَلةُ العَبْقَرِيَةُ فى محتوى ومَنهجيةَ تَعَاليمِه. ولو ارْتَكَنَ بولسُ لقصةِ المسيح التى وَصَلَتَه ما كنا نتمتع اليوم بأولِ مَنْظُومَةٍ لاهوتيةٍ للعهد الجديد والتى لولاها لتَاهَ الكثيرون.
ولو صَدَقَ أوغسطينوس أنَّ الحقيقةَ الكاملةَ للاهوتِ تَكْمُنُ فيما وَصَلَه من نورٍ لما كانت عبقرية لاهوت أوغسطينوس التى بدأت تجلياتها بـ«اعترافات أغسطينوس» ثم «مدينة الله» ثم «فى العقيدة المسيحية» ثم «فى التعليم المسيحي،» وغيرها. ولولا أنْ أعَادَ الأكوينى قراءةَ أرسطو وحاولَ أنْ يَجِدَ إطارًا فلسفيًا للاهوت يربطه بإعلان الله فى الخليقة ما كانت موسوعته العبقرية فى اللاهوت، وما كان تأثِيره المُغير لكنائسِ عالمِ اليومِ وعلى رأسها الكاثوليكية.
ولو ارْتَكَنَ المصلحونَ فى القرن العاشر حتى السادس إلى ما تَسَلمُوه من الآباءِ من مبدأ المُحَافَظَةِ لَظَلَلَنا غَارِقينَ فى ظلامِ صكوكِ الغفرانِ، محرومينَ من أعظمِ البركاتِ، الكتاب المقدس. ولو حَافَظَ آلافُ اللاهوتيين الإنجيليين أمثال بارت وتيلك ومولتمان ونيبور وغيرهم على ما تسلموه من الإصلاحِ، ما كان لنا كل هذا الثراءُ والإبداعُ اللاهوتى والعملى الذى غَيَّرَ الملايينَ فى كل بلاد الدنيا التى تُدّرِسُ لاهوتِ هؤلاء العباقرةِ الذين اختاروا، بشجاعةِ الفرسانِ، التقدمية منهجًا، مُتَحَدِينَ السائد بكل جموده الذى نُلْبِسَه ثَوبَ المُحَافَظَةِ لإضفاءِ بعضَ الشرعيةِ له.
فى كلِ منهاجِ التَعَلِيمِ والتَعلُمِ وبِنَاءِ المَعْرِفةِ لا يُوجَد ما يُسَمَى «محافظ» و«ليبرالي» يُوجَد ما يُسَمَى أصولي، يَقْبَعُ فى قاعِ الجِمُودِ والتَخَلُفِ عن رَكْبِ الحَضَارَةِ الإنْسَانِيةِ. ويُوجَد تَقَدُمِي، يَفَتَحُ بشجاعةٍ كلَ مَنَافِذَ النُورِ غيرَ عابئٍ بفداحةِ ما يَدفَعُ من ثَمَنٍ من جَرَاءِ تَغْرِيدَه منفردًا خَارِج السرب.
اللهُ كَائِنٌ مُتَسَامٍ عن خَلِيقَته حَالٌ فيها بنِعْمَتِه خَلَقَ الإنِسَانَ على صُوْرَتِه، كَائِنٌ متَسَامٍ. التَطَوَرُ والنمو والتَسَامِى الفِكْرِى والأخْلَاقِى المُسْتَمِرُ َمطْبُوعٌ فى كَيِنُونَتِه الإنْسَانِيةِ لا يَسَتَطِيع أنْ يَحَيَا عَكْسِ ما طَبَعَ الخَالِقُ فيه فيَقِفَ فى مَكَانِه بِحُجِةِ المُحَافَظَةِ. من المبادئ الأساسية لـ هِرَقْليطُس، فيلسوف يونانى قبل سقراط، «كل شيء فى سيلان دائم، لا تستطيع أن تنزل فى نفس النهر مرتين».