الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

محميات مصر "الجنة المسروقة".. مساحتها 15% من أراضي الدولة.. و"مافيا" تخصصت في سرقة أحجارها الكريمة.. 30 محمية تعاني من الإهمال الحكومي والعصابات المسلحة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

واحد من أكثر الملفات التى يُغلفها الغموض، رغم أن مصر واحدة من كبريات الدول التى تحتوى على محميات طبيعية، إذ تُقدر مساحة تلك المحميات – بحسب بيانات وزارة البيئة- بنحو 150 ألف كيلو متر مربع، بما يوازى نحو 15% من المساحة الإجمالية لمصر، وتتوزع وتتباين تلك المحميات بين البحر والبر وبين شمال البلاد وجنوبها.

لعل أكثر ما يوصم هذا الملف بالغموض، التعديات التى تواجهه المحميات سواء بسرقة محتوياتها من كنوز وبيعها بأسعار بخس، أو بالاتهامات المُعلنة من بعض أعضاء البرلمان بشأن تقليص مساحات بعض المحميات لبعض الشركات الاستثمارية.

علاوة على هذا؛ فإن وجود المحميات فى المناطق النائية تسبب فى بعض الفراغ الأمنى والرقابى الذى استغلته بعض الجماعات فى تكوين «مافيا» تخصصت فى سرقة الأحجار الكريمة الموجودة بالمحميات وبيعها لبعض الأجانب.

وتحاول وزارة البيئة إعادة فتح هذا الملف من خلال وضع قانون يسمح بالاستثمار فى قطاع المحميات لأجل تطويرها، خاصة بعد أن تضمنت بنود القانون الجديد بعض المواد الجديدة التى تسمح للشراكة بين القطاع العام والخاص، ناهيك عن التفرقة بين المحميات الإدارية والمحميات الطبيعية.

المخالفات والتعديات على المحميات الطبيعية، ليست موقوفة على أناس معينين، بل تأخذ شكل التقنين بدءا من البدو المسيطرين على أجزاء كبيرة من هذه المحميات وصولًا إلى رجال الأعمال والشركات التى تريد الاستيلاء على بعض أراضى هذه المحميات.

وتكشف مستندات وطلبات إحاطة قدمها أعضاء البرلمان عن اتهامات لمسئولين فى وزارة البيئة بتقليص حدود محمية الغابة المتحجرة الموجودة على أطراف منطقة التجمع الخامس. علاوة على سيطرة بعض جماعات البدو على الصحراء الغربية أو سيناء، دون وجود رقابة من قبِل المسئولين.

بدأت مصر فى دخول عالم المحميات الطبيعية عام ١٩٨٣، إذ تم إعلان محمية رأس محمد بسيناء محمية طبيعية، لتصبح الأولى من نوعها فى مصر، ثم توالت الإعلانات والقرارات حتى أصبح عددها حتى الآن ٢٩ محمية بالإضافة لمحمية رأس محمد.

وتُقدر الأمم المتحدة وتقرير وزارة البيئة «رقم ٠١٢-٣٦٦٨-٠٥» مساحة المحميات بنحو ١٥٠ ألف كيلو متر مربع، بما يمثل نحو ١٥٪ من المساحة الإجمالية لمصر؛ ورغم أن هذا العدد يظل أقل من نصف المستهدف، إذ كانت تخطط وزارة البيئة للوصول بعدد المحميات إلى ٤٠ محمية مع نهاية العام الماضي، لكن هذا لم يحدث.

اتهامات برلمانية

واحتلت المحميات الطبيعية جزءا كبيرًا من حيز الاهتمام على طاولة مجلس النواب، خاصةً من قبِل النائبة شيرين فراج، عضو البرلمان أكثر من استجواب وطلب إحاطة، ناقشت فيه أبرز أسباب تردى الأحوال داخل المحميات الطبيعية.

وتقول فراج، إنها قدمت أكثر من طلب واستجواب فى محاولة منها لإصلاح الأوضاع داخل المحميات الطبيعية، ورغبة فى احتلال تلك المحميات صورة أكبر من الواقع السياحى المصري، إضافة لكونها إضافة قوية لتمتع مصر بوجود وفرة فى الأنشطة الثقافية والسياحية.

وتضيف، أن المجلس ناقش مع وزير البيئة استراتيجية إدارة المحميات الطبيعية، لافتةً إلى تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات الوارد عن الرقابة المالية على وحدات الجهاز الإدارى للدولة فى الفترة من يوليو ٢٠١٥ وحتى يونيو ٢٠١٦، أثبت وجود إهدار للأموال فى بعض القطاعات بإدارة المحميات الطبيعية.

وتشير إلى شكوك حول نية وزارة البيئة فى التعامل مع الاستثمار فى المحميات الطبيعية، من خلال أسلوب الشراكة مع القطاع الخاص الذى يطرحه الوزير لإدارة المحميات وتطويرها. متابعةً أن تقرير الجهاز انطوى على وجود إهدار مال عام قُدر بنحو ٨٩ مليون جنيه سنويًا فى محمية وادى دجلة، ذلك أن وزارة البيئة عقدت «صفقة» مع شركة المعادى للتنمية تقضى بتعديل حدود محمية وادى دجلة لصالح مشروع «دجلة الجديد» مقابل مبنى إدارى تم تخصيصه من الشركة للوزارة بالفسطاط.

وهذا مخالف لمتن دستور ٢٠١٤، الذى قضت مادته رقم ٤٥ على التزام الدولة بحماية محمياتها الطبيعية، وحظرت التعدى عليها أو تلويثها أو تعديل حدودها، وكفالة الدولة بتنمية المساحات الخضراء والحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية والسمكية، بحسب عضو مجلس النواب، لافتةً إلى إصدار مجلس الوزراء قرارا رقم ٢٩٥٣ عام ٢٠١٥ بناءً على طلب من وزارة البيئة بتعديل إحداثيات محمية وادى دجلة بتقليص مساحتها.

وتتابع فراج قائلةً: «يجب تحديد نوعية التمّلك فى المحميات الطبيعية من حيث كونها مالا عاما أو مالا خاصا، وذلك حتى لا يتم التفريط فى محميات مصر».

وتقول عضو البرلمان، إن استجوابها تضمن أيضًا تعدى بعض الأشخاص على أراضى بعض المحميات سواء فى محمية نبق وسانت كاترين بسيناء علاوة على التعدى على أراضى محمية الغابة المتحجرة.

 30 محمية

بحسب بيانات الوزارة، فإن سيناء بها العدد الأكبر من المحميات، إذ هناك ٨ محميات بداية من الجنوب إلى الشمال وهى: «رأس محمد بمساحة ٤٨٠ كم٢، وتحتوى على شواطئ مرجانية وأسماك ملونة، وسلاحف بحرية، ويوجد بها حفريات تزيد أعمارها على ٧٠ ألف سنة» ومحمية نبق وهى محصورة بين شرم الشيخ وطابا وبها غابات المانجروف الموجود بكثافة كبيرة كآخر منطقة جغرافية لنبات الشورى».

علاوة على محميات أبوجالوم بمنطقة وادى الرساسة، ثم محمية سانت كاترين، والتى تقع على هضبة مرتفعة تحيطها الجبال، ومحمية طابا بمساحة ٣،٥ آلاف كم٢، وتضم تراكيب جيولوجية وكهوفا وممرات جبلية متعددة وشبكة من الوديان أبرزها «وديان وتير، الزلجة، الصوانة نخيل». ومحمية الأحراش الساحلية، بمساحة ٦ كم٢، متضمنة الكثبان الرملية بارتفاعات أكثر من ٦٠ مترًا، ثم محمية «الزرانيق» والتى هى المحطة الأولى للطيور المهاجرة وتم تسجيل نحو ٢٦٠ نوعا من الطيور بها.

ومحمية جبل علبة الشهيرة، والتى تضم أكثر من ٣٠٠ نوع من النباتات المتنوعة، ومحمية وادى الجمال بمساحة ٦،٨ ألف كم٢، ومحمية سالوجا وغزال بأسوان، ويوجد بها ٩٤ نوعًا من النباتات الطبيعية، و٦٠ نوعًا من الطيور. ومحمية وادى العلاقى بأسوان، وتمتد بطول ٢٧٥ كم وبمتوسط عرض واحد كم، وتتميز هذه المحمية بأنها تعد منطقة خصبة للبحوث العلمية الأساسية.

وعلى امتداد النيل، توجد محمية الوادى الأسيوطي، فى المنطقة الجنوبية لدلتا الوادي، بمنطقة الغريب شرق جامعة أسيوط، وتعد المحمية محطة لتربية وإكثار الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض الموجودة فى الصحراء الشرقية. ومن أقصى الشرق إلى أبعد نقطة فى الغرب، حيث توجد محمية «العميد» بمحافظة مطروح، والتى تتميز بوجود الكثبان الرملية والمستنقعات والمسطحات الملحية والسفوح الصخرية، وعلى امتداد البحر المتوسط إلى الشرق، توجد محمية «أشتوم الجميل وجزيرة تنيس» ببورسعيد بمساحة ٣٥ كم٢.

ومحميات كهف وادى سنور، وتتميز بوجود تراكيب جيولوجية، ووادى الريان فى الجزء الجنوبى الغربى للفيوم، وبركة قارون، ومحمية بحيرة البرلس، بمساحة ٤٦٠ كم٢. وفى القاهرة توجد محمية وادى دجلة، شرق المعادى بالصحراء الشرقية، بطول حوالى ٣٠ كم وبمساحة إجمالى ٦٠ كم٢، ومحمية الغابة المتحجرة بالمعادي، ومحمية قبة الحسنة، بمساحة كيلو متر مربع، وتتميز هذه المحمية بتركيب جيولوجى معقد، وأخيرًا محميات جزر نهر النيل على طول مجرى النهر.

عصابات مسلحة

ويقول عز سفاري، أحد المنظمين لرحلات السفارى بمنطقة محميات الصحراء الغربية وناشط بيئي، إن هناك جماعات تقوم بتكسير أجزاء من الصحراء البيضاء من أجل بيعها فى السوق السوداء. متابعًا أن بعض البدو يشتركون فى هذه العملية.

ويضيف، أن الرقابة من قبِل مفتشى وزارة البيئة ضعيفة إلى حد ما، خاصة أن معظم المحميات فى أماكن نائية وتحتاج إلى إمكانيات خاصة مثل السيارات ذات الدفع الرباعى أو طائرات مراقبة وخلافه.

وتقول بسنت أبوبكر، منظمة لرحلات سفارى فى جبل علبة وسيناء، إن بعض الأشخاص استغلوا الانفلات الأمنى خلال السنوات السابقة، وعدم وجود رقابة من قبِل مفتشى وزارة البيئة، وقاموا بسرقة بعض الأخشاب المتحجرة وباعوها لبعض الأجانب المتخصصين فى شراء هذا النوع من الكنوز البيئية.

فضلًا عن سرقة بعض الأحجار الكريمة من الصحراء البيضاء أو السوداء أو كهف وادى سنور لبيعها لهذه «المافيات» علاوة على قيام البعض بطحن هذه الأحجار وإعادة تشكيلها، بحسب أبوبكر.

ويعّد هذا مخالفًا للمادة الثانية من قانون المحميات الطبيعية رقم ١٠٢، والتى تنص على حظر القيام بأعمال أو تصرفات أو أنشطة أو إجراءات من شأنها تدمير أو إتلاف أو تدهور البيئة الطبيعية، أو الإضرار بالحياة البرية أو البحرية أو النباتية أو المساس بمستواها الجمالى بمنطقة المحمية، ويحظر على وجه الخصوص صيد أو نقل أو قتل أو إزعاج الكائنات البرية أو البحرية، أو القيام بأعمال من شأنها القضاء عليها، ويحظر القانون صيد أو أخذ أو نقل أى كائنات أو مواد عضوية مثل الصدفات أو الشعب المرجانية أو الصخور أو التربة لأى غرض من الأغراض، ويشدد على عدم إتلاف أو نقل النباتات الكائنة بمنطقة المحمية.

ضعف الميزانية

وتُعلل وزارة البيئة ذلك الضعف فى منظومة المحميات لديها، بأن ميزانية الصرف على المحميات الطبيعية ضعيفة جدًا، بلغ متوسط مصروفات المحميات الطبيعية ٢،٤ مليون دولار، قبل التعويم من ميزانية الدولة، فضلًا عن ٣،١ مليون دولار من مشروعات المؤسسات والدول المانحة، فى حين تصل احتياجات المحميات إلى ٢٩ مليون دولار سنويًا، مما يعنى أنه لا يتحقق من المطالب المالية سوى نسبة ١٦،٥٪ من الاحتياجات الأساسية، و٨،٣٪ من الاحتياجات المالية المثلى، ذلك بحسب تقرير وزارة البيئة رقم «٠١٢-٣٦٦٨-٠٥» والذى اشترك فيه عدد من نخبة المسئولين بوزارة البيئة.

ويوضح التقرير، أن هذا أقل من المنظور العالمي، إذ يصل متوسط الصرف السنوى لكل كيلو متر مربع من المحميات ١٩ دولارا بما فى ذلك مرتبات العاملين بالقطاع والمحميات، لافتةً إلى أنه يجب على مصر الاستثمار بما يتراوح بين ٧،٤ إلى ١٥،٧ مليون دولار سنويًا.