الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

حادث الروضة الإرهابي وصراع الجماعات الإرهابية داخل شبه الجزيرة

حادث الروضة الإرهابي
حادث الروضة الإرهابي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثار الحادث الأليم الذي وقع بالأمس في مسجد قرية الروضة الواقعة بمدينة بئر العبد التابعة لمحافظة شمال سيناء، العديد من التساؤلات حول عقيدة منفذي هذا الحادث، الذي لم يعلن أي تنظيم تبنيه له حتى كتابة هذه السطور، وإن كان على الأرجح نفذته عناصر تابعة لتنظيم "داعش"، وفي هذا الإطار تدور العديد من السيناريوهات تتلخص في أن منفذي القتلة المجرمين هم أجانب من المهاجرين القادمين إلي شمال سيناء بعد تضييق الخناق عليهم في سوريا والعراق أو من المنشقين عن الفصائل الجهادية في غزة وانضموا للتنظيم الداعشي في سيناء وربما يكون بعض الإرهابيين الفارين من ليبيا نجحوا في التسلل إلي شمال سيناء.

ووفقا لهذه التوقعات، يجدر بنا الحديث عن نجاح التيار الحازمي المنسوب للإرهابي السعودي الجنسية أحمد بن عمر الحازمي _ المحبوس حاليًا في السعودية_ في السيطرة على مقاليد داعش في سيناء مثلما حدث في سوريا والعراق سابقا، منفذي هذا الحادث هم من أتباع التيار الحازمي الأشد تكفيرًا وخطورة داخل داعش، وسبق أن كفر قيادات داعش وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، لأنهم لم يكفروا زعماء القاعدة، بما يعني أن هذا التيار يؤمن بأن كل من لا يتبعه فهو من الكافرين بحسب زعمهم.
ومثلما حدث في بعض فروع داعش في الخارج، تمكن هذا التيار الشديد الخطورة من الوصول لمراكز عليا داخل التنظيم، وتمكن من إصدار بيانات يشرع فيها "التكفير بالسلسلة"، وفى منتصف عام ٢٠١٤، بدأ التيار الحازمى يظهر يومًا تلو الآخر، بزيادة وتيرة تكفير الكل من المخالفين له، وبالتالي مسألة قتل المصلين داخل مسجد أثناء صلاة الجمعة ليست مستبعدة بالنسبة لفكرهم.

علاقة الحادث بصراع "داعش" و"جند الإسلام":
ومن جانب أخر يجوز أن يدخل هذا الحادث ضمن ما يمكن تسميته بصراع الأخوة الأعداء أي صراع جماعات متناحرة، فخلال الفترات الاخيرة وجهت جماعة تضم منشقين عن "داعش" تسمى "جند الإسلام"، اتهامات مباشرة للتنظيم الداعشي بالعمل لصالح الاحتلال الإسرائيلي، ومن ضمن الاتهامات أنه يعمل دائما علي عدم السماح لفتح معبر رفح بين مصر وقطاع غزة لتضييق الخناق عليهم، وكانت مواقع تكفيرية على شبكة الإنترنت كشفت مؤخرا عن استمرار الصراعات بين التنظيمات الإرهابية الموجودة في شمال سيناء، وخاصة بين تنظيمي "جند الإسلام" و"داعش"، بالإضافة إلى انشقاق الكثير من الإرهابيين عن تنظيم "داعش" بسبب أعماله الوحشية ضد المدنيين في سيناء، ولا سيما محاولاته المستميتة لفرض حصار دائم على قطاع غزة، مما أثار الشكوك في نفوس بعض المنتسبين له بأن تنظيم داعش يعمل لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وتجدر الإشارة هنا أن المعبر كان مفتوحا في الأيام الأخيرة وتم غلقه عقب وقوع الحادث الأليم.
كما أن الظهور الأخير لجند الإسلام التابعة فكريا لتنظيم القاعدة، يشير إلى وجود صراع داخلي على زعامة المشهد الجهادي المحلي بعد بيانها تبني عملية أمنية تستهدف "خوارج البغدادي بسيناء"، والجدير بالذكر أن هذه الجماعة أصدرت بيانا بالأمس أعلنت فيه تبرؤها من الحادث واستنكارها له.
وقبل أيام قليلة نقلت مدونة سرية مقالا موقعا باسم "أبو عبدالله" عرف نفسه بأنه تابع لتنظيم "جند الإسلام"، قال فيه إن تنظيمه أقام كمين يستهدف أفرادا وقيادات من مفارز "داعش" الأمنية، نظرًا لأن الأهالي في سيناء لم تعد تحتمل ما يحدث لها بسبب ممارسات أذناب البغدادي في سيناء، وممارستهم أبشع الجرائم بحق المدنيين في هذه المناطق، إضافة إلى محاولاتهم منع دخول الاحتياجات الأساسية لقطاع غزة وتشديد الحصار عليه، وملاحقة التجار وحرق شاحنات الأسمنت وتصفية السائقين، لمنع إدخال أي مواد لقطاع غزة المحاصر، إضافة إلى تصفية وفرض الإقامات الجبرية على بعض المنتسبين لـ"داعش" عندما أبدوا تعاطفهم ورفضهم أسلوب تعاملهم مع قطاع غزة، مما أوجد ريبة وقلق من طبيعة الدور المشبوه وحقيقة وجود تنظيم البغدادي في سيناء.
ونقل أبو عبدالله عن بعض عناصر "داعش" المنشقين أن التنظيم كان حريصًا على استهداف مواقع للجيش المصري أثناء فتح معبر رفح، لجعل الجمهور المصري يربط بين فتح معبر رفح ومقتل جنودهم، مشيرًا إلى أن هذه الأسباب كانت كفيلة بالتفكير بتوقيف تنظيم البغدادي عند حده، لكونه كيانا مريبا وغريبا ذي أجندة مشبوهة تعمل لصالح الاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى انشقاق بعض عناصرها والانضمام لجند الإسلام، وفي النهاية أشار إلى أن جند الإسلام هي الجهة الممثلة للقاعدة على أرض سيناء، وتسير في خطوات واضحة ناحية القضاء على تنظيم البغدادي، ولديها معلومات عن طبيعة عمله وأماكن تواجد عناصره وترصدهم في كل مكان.

تيار مؤمن بفكر الخوارج:
ومن ناحية أخرى بات من المؤكد أن هؤلاء القتلة من أرباب فكر الخوارج، حسبما أشار ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في بيانه الرسمي بشأن الواقعة؛ ومن المعروف أن الخوارج هم أصل الشر ويتبعون المنهج التكفيري المتشدد، ومرت الجزائر في تسعينيات القرن الماضي بويلاتهم، فقد أطلقوا الرصاص وتعاملوا بوحشية مفرطة مع الشعب الجزائري في تلك المرحلة الدموية، ولم يفرقوا بين مدني أو عسكري والنساء قبل الرجال والأطفال قبل الشيوخ ووصل الأمر لدرجة تفجير بطون الحوامل وإلقاء الجني على مقلاة الزيت المغلي، واذا دخلوا قرية أبادوا أهلها.
ويظهر وجه الموافقة والمطابقة بين ما تفعله فروع داعش في ليبيا وفي منطفة شمال سيناء بمصر وتونس، والعراق وسوريا وما يسمى بداعش، ويتشابهون في المبررات التي يخلقونها لأفعالهم الوحشية، ومنها أنهم يرون الدولة التي لا تتبعهم هي دولة مرتدة ومن ثم يجوز لهم قتل كل من فيها ممن لا يتبعونهم أو يساعدونهم وبالتالي تصبح بالنسبة لهم دار كفر وردة وحرب، ويرون أن كل من تقاعس عن مساعدتهم والانضمام لهم فهو مرتد كافر حلال الدم والعرض والمال، ويعتقدون أن الحكم بالردة ينزل على الشعب ومن هنا أجازوا لأنفسهم قتل كل من كان في مسجد الروضة بمدينة بئر العبد في شمال سيناء.

"داعش" والصوفيون وحربهم مع قبيلة السواركة:
وبجانب ما سبق يرى أحمد زغلول شلاطة، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، أن استهداف المساجد ليس أمرا جديدا في واقع ممارسة الجماعات الجهادية على تنوعها سبق وممارسة تنظيم الدولة الإسلامية – داعش في العراق وسوريا واليمن، كذلك حركة بوكو حرام الصومالية، والقاعدة في مالي في استهداف المتصوفة ومساجدهم ومزاراتهم، ولكن توسع فيها «داعش» بشكل غير مسبوق عن غيره وكان نقطة خلاف مع تنظيم القاعدة والذي حرص على تأكيده لاحقا على حرمه استهداف المساجد. أيضا مارست هذا الامر حركة حماس في حصارها وضربها لمسجد ابن تيمية برفح جنوبي قطاع غزة في يونيو 2009 في أعقاب إعلان زعيم جماعة جند أنصار الله عبد اللطيف موسى إقامة إمارة إسلامية في أكناف بيت المقدس.
وأوضح شلاطة في تصريح خاص لـ البوابة" تفجير مسجد الروضة تم في منطقة تشهد تواجدا ضئيلا لولاية سيناء خاصة مع مواقف الطريقة الصوفية الجريرية المناهضة لأفكارهم المتطرفة والتي لعبت دورا في مواجهة أفكار التكفير بين الشباب للحيلولة دون وقوعهم في دوائر هذه الجماعات وهو ما بدا في استهداف أحد رموزها ذي المواقف المناهضة لهم. فضلا عن أن عشيرة الجريرات أحد أفرع قبيلة السواركة أكبر القبائل السيناوية والتي شهدت علاقة التنظيم بالقبلية عدة مواجهات من قبل بسبب تعاونها مع الأمن.
وأضاف شلاطة، أن الأمر يحمل عدة إشارات تتعلق بالجهة التي قامت بها -ونرجح أنها "ولاية سيناء"- أبرزها: الرغبة في جذب الأضواء للمشهد السيناوي بعملية كبيرة بهدف إرسال رسالتين: الأولى أن التنظيمات الجهادية لا تزال موجودة ولها اليد العليا في سيناء. والثانية كمحاولة للالتفاف على الحصار الأمني الذي يتعرض له التنظيمات في سيناء كان التحول نحو أهداف مدنية إما لإثبات الوجود كما هو الحال في مسجد الروضة أو للحصول على مصادر تمويل كما حدث باقتحام البنك الأهلي وسط مدينة العريش في منتصف أكتوبر 2017 بالتزامن مع الهجوم على كمين كنيسة ماري جرجس بمدينة العريش.
وأكد الباحث ان منفذي الحادث أرادوا التأكيد على قصور الإستراتيجيات الأمنية بالتدليل على استمرار حراكهم وقدرتهم على الحركة وضرب المدنيين المتعاونين مع الأمن على اعتبار العلاقات القبلية الرسمية بالأجهزة الأمنية.
واخيرا يبقى الخطر قائما بحسب الخبراء نتيجة توحش الدواعش، جراء خسائرهم المتتالية، ومحاولاتهم المستميتة لإثبات وجودهم، وهو ما دعاهم لتنفيذ العمليات السهلة والأهداف الغير متوقعة، مستندا لأفكاره الشاذة من ناحية أو تحقيقا لرغبات مشبوهة من ناحية أخرى.