الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثقافة الاستقالة.. حلم بعيد المنال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهد عام ٢٠١٦ استقالة ٨ رؤساء وزراء فى عدد من دول العالم، وبالقطع ليس من بينهما مصر والحمد لله.. لأن الاستقالة فى مصر عمل من أعمال الشيطان، وكُفر بنعمة الله، وخروج على المألوف والعرف والتقاليد، وعيب أن يستقيل رئيس الوزراء أو الوزير أو أى مسئول لأن ذلك فيه هروب من المسئولية وتخل عن الواجب المقدس فى خدمة الوطن، ولا أذكر مسئولا تقدم باستقالته طواعية غير الشيخ محمد متولى الشعراوى عندما كان وزيرا للأوقاف أيام الرئيس السادات.
قد يقول البعض إن بعض الوزراء يستقيلون، وكان آخرهم وزير التموين خالد حنفى، والحقيقة الدامغة.. لا مسئول فى مصر يستقيل لكنه يُقال والفرق بين الحالتين كبير، وإن كانت النتيجة واحدة هى خروج المسئول من وظيفته.
رؤساء الوزارة الذين استقالوا فى ٢٠١٦ من الأحدث إلى الأقدم هم رؤساء وزراء إيطاليا ونيوزيلندا وبلغاريا والكونغو والكويت وأرمينيا وأيسلندا وبريطانيا، وقد تفاوتت أسباب الاستقالة من رئيس وزراء إلى الآخر، لكن ما لفت نظرى وشد انتباهى ودفعنى للكتابة عن ثقافة الاستقالة على أنها حلم بعيد المنال هو أسباب بعض الاستقالات والتى نحتاج لتحقيقها تغييرا كبيرا فى ثقافة العمل ومفهوم مسئوليات الوظيفة العامة، وقياس مستوى الأداء وجودة العمل عند المسئول، وفوق ذلك احترام الذات وتقييم الفرد المسئول لنفسه وإدراكه باستمرار لمدى توهج كفاءته أو خفوتها، ومعرفة الوقت الذى يجب عليه الانسحاب فيه من مسئوليات القيادة باحترام وشرف وذكرى طيبة.
استقال رئيس وزراء إيطاليا ماتيو رينزى من منصبه فى الساعات الأولى من صباح الاثنين ٥ ديسمبر بعد إعلان نتيجة الاستفتاء على الإصلاحات السياسية التى كان يريد إقرارها بالبلاد، وكان الإيطاليون قد صوتوا على عدد من الإصلاحات السياسية التى تبناها رئيس الوزراء والتى توسع من صلاحياته على حساب مجلس الشيوخ، وجاءت النتيجة برفض تلك الإصلاحات ليعلن بعدها بساعات قليلة الاستقالة من منصبه، وإذا كان هذا الإجراء هو إجراء دستورى فإنه استجاب للدستور واحترم نفسه ودستور بلاده وقوانينها، وإن كانت الاستقالة ليست بسبب الدستور فإنه رفض الاستمرار فى الحكم وهو يدرك أن الشعب الإيطالى رفض ما كان يريده من توسيع لصلاحياته وهو أمر يحسب له، ويؤكد أن الشعب هو صاحب القرار وعندما يطلب تغيير مسئول لفشله أو تقصيره فى عمله، فليس أمام المسئول إذا استشعر ذلك إلا أن يستقيل حفاظا على ماء وجهه.
واستقال رئيس الوزراء النيوزيلندى جون كى، وكان ثانى رئيس وزراء يستقيل فى الـ٥ من ديسمبر، حيث لم يفصل بين استقالته واستقالة رئيس الوزراء الإيطالى سوى دقائق معدودة، وقال عن استقالته (قرار الاستقالة هو الأصعب فى حياته مشددا على أنه قدم كل ما بوسعه من أجل خدمة بلاده وليس لديه جديد يقدمه)، وكان رئيس الوزراء قضى فى منصبه ٨ سنوات، طبعا الرسالة واضحة لا تحتاج إلى تفسير أو شرح، إذ يكفى أى مسئول فترة محددة لتقديم كل ما عنده قد تمتد فترة أخرى أخيرة لإنجاز باقى ما تعهد به، بعد ذلك لن يكون فى جعبته ما يقدمه للوطن غير الحكمة والمشورة.
واستقال رئيس وزراء أرمينيا فى ٨ سبتمبر ٢٠١٦، وعلل استقالته وقتها بأن بلاده تحتاج إلى سياسات اقتصادية جديدة من أجل إنقاذها من حالة الركود، وهذا نموذج يدعو للاحترام لأنه لم يقبل أن يعرض بلاده للخطر وهو لا يملك حلولا لأزمتها الاقتصادية فاستقال ليفسح المجال لمن هو صاحب خبرة ورؤية لتخرج بلاده من عثرتها بدلا من التجارب الفاشلة وادعاء الحكمة والخبرة. ثقافة الاستقالة ليست عيبا أو تقليلا من شأن صاحبها لكنها فضيلة الاعتراف بالفشل أو التقصير أو عدم القدرة، وهى تحسب لصاحبها وتضيف إليه قدرا كبيرا من الاحترام فى عيون الآخرين طالما لم يستقل وهو متهم فى قضية مخلة بالشرف أو بمقتضيات وظيفته.
هل تهب علينا رياح ثقافة الاستقالة، ونتخلص من الإقالة التى بطعم الاستقالة؟ سؤال أتمنى له إجابة فى القريب بإذن الله.