الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التدمير بسوء الظن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من أكبر أمراض العصر الذي أصبنا به ويدمرنا، سوء الظن، وقد كان في الأزمان الماضية شيء جميل من حسن الظن بين الناس بعضها البعض، فكانت تفوح منا صفات نحسد عليها، فكنا أهل كرم ولم يكن كرمنا يتمثل في النقود فحسب، بل كان امتدادا لمشاعرنا وعطفنا على بعضنا البعض، كنا أمة وصف قائدها بالصادق الأمين.
كنا نرى في أسماء المحال ما يمثل جانبا كبيرا من الأخلاق، فنجد بقالة الأمانة ومكوجى السعادة وجزارة البركة، وما كانت مجرد مسميات بل كانت تعبيرا عما يظهره المجتمع من أخلاق. بل كانت أيضا دول كثيرة في أوروبا تتمسك بتلك الأخلاق، فكان هذا عصرا به عادات ومعتقدات تتولد مع الإنسان ويحميها بفطرته. ويالا العجب من عصرنا الآن، فبعد أن ضربت الأخلاق هناك صدرت لنا ولم يعد هناك من يحسن الظن بأخيه، فدون الأخلاق لا يوجد أي من حسن الظن.
إن التلوث الحقيقى الذي أصاب العالم كله ما هو إلا تلوث أخلاقى فيا ترى من المستفيد؟ ومن صاحب تلك المنهجية لتكسير كل حوائط الأخلاق على مستوى العالم؟ وقفت معلمة الصف الخامس ذات يوم، وألقت على التلاميذ جملة: «إننى أحبكم جميعًا وهى تستثنى في نفسها تلميذا يدعى تيدى». فملابسه دائمًا شديدة الاتساخ ومستواه الدراسى متدن جدا.
ذات يوم طُلب منها مراجعة السجلات الدراسية السابقة لكل تلميذ وبينما كانت تراجع ملف «تيدى» فوجئت بشيء ما!
لقد كتب عنه معلم الصف الأول: «تيدى طفل ذكى موهوب يؤدى عمله بعناية وبطريقة منظمة». ومعلم الصف الثانى: «تيدى تلميذ نجيب ومحبوب لدى زملائه ولكنه منزعج بسبب إصابة والدته بمرض السرطان».
أما معلم الصف الثالث كتب: «لقد كان لوفاة أمه وقع صعب عليه، لقد بذل أقصى ما يملك من جهود، لكن والده لم يكن مهتما به، وإن الحياة في منزله سرعان ما ستؤثر عليه إن لم تتخذ بعض الإجراءات».
بينما كتب معلم الصف الرابع: «تيدى تلميذ منطو على نفسه، لا يبدى الرغبة في الدراسة، وليس لديه أصدقاء وينام أثناء الدرس».
هنا أدركت المعلمة تومسون المشكلة، وشعرت بالخجل من نفسها!
وقد تأزم موقفها عندما أحضر التلاميذ هدايا عيد الميلاد لها ملفوفة بأشرطة جميلة. ما عدا الطالب «تيدى» كانت هديته ملفوفة بكيس مأخوذ من أكياس البقالة. تألمت السيدة تومسون وهى تفتح هدية «تيدى»، وضحك التلاميذ على هديته، وهى عقد مؤلف من ماسات ناقصة الأحجار، وقارورة عطر ليس فيها إلا الربع.
ولكن كف التلاميذ عن الضحك عندما عبرت المعلمة عن إعجابها بجمال العقد والعطر وشكرته بحرارة.
ويومها لم يذهب «تيدى» بعد الدراسة إلى منزله مباشرة.
بل انتظر ليقابلها، وقال: «إن رائحتك اليوم مثل رائحة والدتى!».
عندها انفجرت المعلمة بالبكاء، لأن «تيدى» أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها، ووجد في معلمته رائحة أمه الراحلة!!
منذ ذلك اليوم أولت اهتماما خاصا به، وبدأ عقله يستعيد نشاطه، وبنهاية السنة أصبح «تيدى» أكثر التلاميذ تميزا في الفصل، ثم وجدت السيدة مذكرة عند بابها للتلميذ «تيدى»، كتب فيها أنها أفضل معلمة قابلها في حياته، فردت عليه أنت من علمنى كيف أكون معلمة جيدة.
بعد عدة سنوات فوجئت هذه المعلمة بتلقيها دعوة من كلية الطب لحضور حفل تخرج الدفعة في ذلك العام موقعة باسم ابنك «تيدى».
فحضرت وهى ترتدى ذات العقد، وتفوح منها رائحة ذات العطر....
هل تعلم من هو «تيدى» الآن؟
«تيدى ستو دارد» هو أشهر طبيب بالعالم، ومالك مركز «ستو دارد لعلاج السرطان».
تُرى.. كم طفل دمرته مدارسنا بسبب سوء التعامل..؟!